واشنطن بوست: ذعر في إيران بعد هجمات مسمومة جديدة على مدارس الفتيات

كانت الطالبات وعدد قليل من المعلمات يعانين صعوبة التنفس، قائلات إن عيونهن تحترق

واشنطن بوست: ذعر في إيران بعد هجمات مسمومة جديدة على مدارس الفتيات

ترجمات - السياق

بالتزامن مع قمع انتفاضة مهسا أميني، التي وُصفت بأنها «التحدي الأكبر» للنظام في إيران، كانت الأشهر الأخيرة حُبلى بكثير مما أعدته السلطات للمحتجين، خاصة اللائي خرجن بالآلاف إلى الشوارع بلا حجاب، غير عابئات بالعواقب.

وبينما استخدم النظام الإيراني سلاح السجن والإعدام، لإرهاب المتظاهرين وإثنائهم عن الخروج في احتجاجات كانت شبه يومية، أعد للإناث خطة عقابية مختلفة.

ففي الأشهر الأخيرة في جميع أنحاء إيران، ضرب نحو 300 هجوم مشتبه به بالغاز أكثر من 100 مدرسة للبنات، وفقًا لمنظمة العفو الدولية، بينما اعترف نائب وزير الصحة الإيراني سعيد كريمي -الشهر الماضي- بأن 13 ألف طالب عولجوا من أعراض يشتبه في تسممهم، وفقًا لصحيفة شرق اليومية.

الهجمات بدأت في نوفمبر الماضي بمدينة قم الإيرانية، ليقطعه هدوء عندما أغلقت المدارس أبوابها بمناسبة عيد النوروز، (رأس السنة الإيرانية)، أواخر مارس الماضي، لكنّ الهجمات انتعشت مرة أخرى، خلال الأسبوعين الماضيين، مع إعادة فتح المدارس، ما أثار حالة من الذعر والارتباك.

تفاصيل الهجمات

تقول معلمة إيرانية، رفضت كشف اسمها وموقع مدرستها، خوفًا من انتقام الحكومة، في تصريحات إلى «واشنطن بوست»: كانت الساعة 10.30 من صباح الثلاثاء عندما بدأت أتلقى مكالمات محمومة. كان هناك هجوم بالغاز على مدرسة الفتاة الابتدائية، حيث كانت أدرس في المنطقة الكردية غربي إيران.

وأضافت: لم أكن في الفصل صباح ذلك اليوم، لكن هرعت إلى المدرسة ووجدت مشهدًا فوضويًا: كانت الطالبات وعدد قليل من المعلمات يعانين صعوبة التنفس، قائلات إن عيونهن تحترق.

وقالت المعلمة في مقابلة عبر الهاتف: «الآباء خائفون، وكثير منهم لن يرسلوا أطفالهم إلى المدرسة بعد الآن»، بينما قال بعض الآباء إنهم على استعداد لاستبقاء أطفالهم عامًا في المدرسة لمجرد إبعادهم عن الخطر.
وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أوائل مارس الماضي، إنه يجب تقديم من يقفون وراء الهجمات إلى العدالة.

وبعد فترة وجيزة، أعلنت وزارة الداخلية اعتقال أكثر من 100 شخص في 11 محافظة.

وقالت الوزارة في بيان: «بين المعتقلين أشخاص بدوافع عدائية لبث الخوف والذعر بين الناس والطلاب وإغلاق المدارس ونظرة سلبية تجاه السلطات»، بينما لم يوجه أي اتهام للمعتقلين.

وقال رئيس لجنة التعليم في البرلمان الإيراني، علي رضا منادي، الشهر الماضي، إن الاختبارات التي أجرتها وزارة الصحة كشفت وجود غاز نيتروجين في مدارس قم، لكن لم يصدر بيان حكومي يحدد نوع الغازات التي ربما استُخدمت.

هجمات منظمة

«لقد كانت هجمات منظمة ومنسقة»، يقول محمود عامري مقدم، مدير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها النرويج، مضيفًا: «لا يمكن أن يفعل عشوائيون ذلك، إما جماعات بمباركة السلطات وإما قوى داخل السلطات».

وقالت المعلمة في المنطقة الكردية لـ«واشنطن بوست»، إن زميلاتها أبلغن بشم رائحة مبيض وفاكهة متعفنة قبل أن يمرضن، بعد الهجمات المشتبه بها، مضيفة: نقلت تلميذات إلى المستشفى بأعراض تشمل خفقان القلب والقيء وخدر أطرافهن.

وقبل أسبوعين، أخذ رجل يبلغ من العمر 65 عامًا والدته المسنة إلى مستشفى شمالي شرق مدينة مشهد، ووجد الردهة مليئة بنحو 12 تلميذة، قال إنهن يسعلن ويلهثن.

وقال الرجل في مقابلة مع «واشنطن بوست»، إنه تحدث إلى إحدى الفتيات، اللاتي وصفن الجلوس في الفصل عندما شمت رائحة مثل مياه الصرف الصحي، قبل أن تشعر بالدوار وضيق التنفس.

كانت النساء والفتيات في طليعة الانتفاضة المناهضة للحكومة، التي اندلعت في سبتمبر الماضي، بعد اعتقال مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا، بزعم انتهاكها قوانين البلاد الصارمة بشأن الحجاب، ما أدى إلى وفاتها في حجز ما تعرف بـ«شرطة الأخلاق» الإيرانية.

ومع انتشار الاحتجاجات، خلعت مئات الفتيات الحجاب في المدرسة، وهتفن بشعارات مناهضة للحكومة، وفي أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في أكتوبر الماضي، واجه عشرات من طالبات المدارس، وكثيرات منهن بلا حجاب، مسؤولاً في وزارة التربية والتعليم بمدينة كرج وطردوه خارج الجامعة.

وأصبح حرق النساء للحجاب صورة للمظاهرات التي خمدت في الأسابيع الأخيرة، وسط حملة قمع متزايدة من الحكومة، أدت إلى قتل ما لا يقل عن 530 شخصًا واحتجاز قرابة 20 ألفًا، بحسب موقع هرانا، المعني بحقوق الإنسان في إيران، لكن بعض النساء والفتيات يواصلن الاحتجاج على قانون الحجاب بشكل عرضي، رافضات تغطية أنفسهن في الأماكن العامة، أثناء ممارسة أنشطتهن اليومية.

الحجاب... في الخلفية

وقال محمد حبيبي، المتحدث باسم رابطة تجارة المعلمين الإيرانية، إلى «واشنطن بوست» في مقابلة من طهران الشهر الماضي: «قضية الحجاب والمرأة، كعب أخيل لقادة الجمهورية الإيرانية»، مضيفًا أن «تنحية الحجاب الإجباري وإبراز ذلك على المستوى الاجتماعي لم يكن مقبولًا قطعًا للسلطات، خاصة الدينيين والمتطرفين. لم يتمكنوا من قبول هذا الجو الاجتماعي المفتوح».

واعتقل حبيبي في 5 أبريل واقتيد إلى سجن إيفين، كما غرّدت زوجته خديجة بازمير، في 11 أبريل الجاري، مشيرة إلى أن الاتصال الهاتفي معه انقطع.

وتقول «واشنطن بوست»، إن اعتداءات منظمة حدثت ضد النساء من سلطات إيران، فعام 2014، رُش ما لا يقل عن أربع نساء بالحمض في الوجه بمدينة أصفهان، بينما اشتبه كثيرون في أنه حملة من متطرفين دينيين، لفرض قواعد اللباس المحافظة.

في ذلك الوقت، تعرضت الحكومة لانتقادات مماثلة لعدم متابعتها القضية بشكل أكثر جرأة. ورغم الاعتقالات، لم يوجه اتهام إلى أحد في الهجمات.

وحاولت الحكومة الإشارة إلى الأسباب المحتملة للأمراض في مدارس الفتيات، وفقًا لنشطاء وعاملين في مجال الرعاية الصحية، مؤكدين تنظيم اجتماعات رسمية في المستشفيات، لإطلاع الكوادر الطبية على بروتوكولات وزارة الصحة، للتعامل مع حالات التسمم المشتبه بها.

وتحدث طبيب نفسي حضر اجتماعين أخيرين في مستشفى بمقاطعة مازندران الشمالية، في مقابلة مع «واشنطن بوست»، عن إخبار الأطباء بأن عليهم مواساة الضحايا وعائلاتهم وإخبارهم بأنها قضية مرتبطة بالتوتر.

وقالت منظمة الصحة العالمية إلى «واشنطن بوست»، إنها «قدمت الدعم لوزارة الصحة الإيرانية في إدارة هذه الأحداث من منظور الصحة العامة»، مشيرة إلى أن فريقًا من الخبراء «على أهبة الاستعداد للنشر إذا طُلب ذلك».

وقالت المعلمة في المدرسة الابتدائية بالمنطقة الكردية، إن اثنتين من زميلاتها نُقلتا إلى المستشفى بعد الهجوم بالغاز المشتبه به، مضيفة أن إحداهما أخبرتها -الأسبوع الماضي- بأنها ما زالت تعاني صداعًا شديدًا وخدرًا في يديها وقدميها.

وأشارت إلى أن عملاء المخابرات عادوا إلى المدرسة مرات عدة، وأجروا مقابلات مع المسؤولين، وصادروا لقطات كاميرات المراقبة، مؤكدة أن مديرة المدرسة أخبرتها بأن العملاء كانوا يبحثون عما يبدو عن لقطات لأولياء الأمور، وقد ردد بعضهم شعارات مناهضة للحكومة وجادلوا معهم.

وقالت المعلمة: «كثير من الناس يشكون في أن الحكومة مسؤولة. يقولون إن الحكومة تحاول ثني الفتيات عن الذهاب إلى المدرسة أو أن الحكومة لا تريد أن تبدأ حركة (المرأة، الحياة، الحرية) من جديد».