هجمة مرتدة لإخوان السودان.. هل ينجح التنظيم في إقحام نفسه بالمشهد السياسي؟
قالت مديرة تحرير صحيفة الأهرام المصرية، أسماء الحسيني، في تصريحات لـ -السياق-، إن التحركات الأخيرة للإسلاميين في السودان وعودتهم لممارسة أنشطتهم العلنية، محاولة لاستعراض قوتهم مع قرب التوصل إلى اتفاق نهائي.

السياق "خاص"
بعد هزيمة مشروعه السياسي والتوسعي، في مصر وتونس والمغرب العربي، يفتش تنظيم الإخوان المسلمين في دفاتره القديمة، أملًا بالعثور على فرصة تمكنه من هجمة مرتدة، يعيد من خلالها بلورة نفسه، وتأهيل قياداته للمرحلة المقبلة.
أحد تلك الدفاتر القديمة كان السودان، الذي ما زالت فيه جماعة الإخوان رقمًا في المعادلة على الأرض، بعد فشل جهود استئصالها من البلد الإفريقي، وتعثر جهود الفرقاء السياسيين في التوصل لحلول تنهي الأزمة، وتضع الخرطوم على طريق الانتقال الديمقراطي.
وتحاول جماعة الإخوان التحرك على صُعد عدة، لضمان احتفاظها بمكانتها كرقم صعب في المعادلة السياسية، بعد تعثر جهودها في إفشال الاتفاق المرتقب بين المدنيين والعسكريين، عبر تكتيكين أولهما: الدفع بأعضاء من الحركة غير معروفين شعبيًا في الانتخابات المقبلة، بينما يتمثل الآخر في تمويل أعضاء بعيدين عن الحركة تنظيميًا وفكريًا.
كيف أطلت الجماعة برأسها؟
بإفطار جماعي وعودة لأحد رموز النظام المنحل ومحاولة لاختراق تحالف سياسي، كانت ملامح عودة الإخوان للمشهد السياسي في السودان، بشكل غير مباشر.
ففي 18 مارس الجاري، كان القيادي بحزب المؤتمر الوطني المنحل علي الكرتي، المطلوب ضبطه بتهمة المشاركة في الانقلاب على الحكم عام 1989 بقيادة عمر البشير، حاضرًا وسط أنصاره في ولاية الجزيرة بوسط السودان.
وفي استئناف لأنشطتهم الاجتماعية التقليدية، نظم شباب الإخوان -بعد ذلك بأيام- حفل إفطار جماعي، عده مراقبون تمهيدًا لعودة تنظيم الإخوان إلى المشهد السياسي.
يأتي ذلك، بينما انسحبت مكونات شرقي السودان من الكتلة الديمقراطية، التي تعارض العملية السياسية، والتي يرى خبراء أنها مخترقة من جانب موالين للحركة الإسلامية وحزب المؤتمر المنحل.
تلك المشاهد التي كشفت استراتيجية الإخوان خلال الفترة المقبلة، تأتي ضمن مساعي الجماعة للعودة إلى المشهد السياسي، أملًا بأن تجد موطئ قدم لها في التغييرات العاصفة بالسودان.
هل يعود الإخوان؟
قالت مديرة تحرير صحيفة الأهرام المصرية، المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية أسماء الحسيني، في تصريحات لـ«السياق»، إن التحركات الأخيرة للإسلاميين في السودان وعودتهم لممارسة أنشطتهم العلنية، محاولة لاستعراض قوتهم مع قرب التوصل إلى اتفاق نهائي.
وأوضحت المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية، أن جماعة الإخوان تسعى لعرقلة الاتفاق بين المكونين العسكري والمدني، الذي أسس على الاتفاق الإطاري، وينص أحد بنوده على تفكيك النظام السابق، ما يعني وجود إجراءات ضد الإسلاميين وضد التمكين الذي قاموا به خلال الثلاثين عامًا من حكم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير.
وأشارت إلى أن الجماعة تحاول عرقلة الاتفاق النهائي، لأنه يبعدها عن المشاركة في الحياة السياسية خلال الفترة الانتقالية، مؤكدة أن إجراءات 25 أكتوبر التي اتخذها رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، التي فض بها الشراكة مع المكون المدني، سمحت بعودة الإسلاميين لمزاولة أنشطتهم، رغم أن حزب المؤتمر الوطني الذي ينضمون تحت لوائه مازال محظورًا.
وبحسب أسماء الحسيني، فإنه رغم صعوبات الفترة الانتقالية والأزمات التي تفاقمت، فإن الشارع السوداني لا يريد عودة الإسلاميين، ويعتقد أن فترة حكمهم التي طالت 30 عامًا في السودان، هي التي أدت إلى تلك المشكلات الكارثية التي يعانيها السودان.
وأوضحت أن عودة الإخوان شعبيًا، مشروطة بطرحهم مراجعة لأخطاء وخطايا فترة حكمهم، التي أدت إلى الوضع الحالي الهش في السودان، الذي ساعد في تصاعد المشكلات القبلية والعرقية والإثنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وقالت أسماء الحسيني إن الاسلاميين يضعون أعينهم على المستقبل، مؤكدة أنهم يحاولون بناء وضع يمكنهم من التنافس في الانتخابات، وإفشال منافسيهم في الفترة الانتقالية، المتوقع أن تبدأ بعد توقيع الاتفاق الإطاري والإعلان الدستوري مطلع الشهر المقبل.
معادلة الحكم
في السياق نفسه، يقول الباحث السوداني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية صلاح خليل، في تصريحات لـ«السياق»، إن الإخوان وأعضاء الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل، ستظل رقمًا في معادلة الحكم خلال الفترة المقبلة.
وأوضح الباحث السوداني، أن الجماعة لديها أعضاء في الكتلة الديمقراطية السودانية، مشيرًا إلى أنها تتحرك -كذلك- بشكل منفصل في «حزب حركة المستقبل»، بما يعني وجودها في أي ترتيبات مقبلة، سواء تعثرت أم نجحت جهودها في إفشال الاتفاق المرتقب، بين المدنيين والعسكريين.
وشدد صلاح خليل على أن الجماعة تستعد لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، بما يضمن لها دورًا في البناء التشريعي والعملية السياسية، في مرحلة ما بعد عمر البشير.
إزالة التمكين
بدورها، قالت الدكتورة أماني الطويل، الخبيرة في الشأن السوداني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات لـ«السياق»، إن قوى النظام القديم وتيار الإسلام السياسي، تقف ضد الاتفاق الإطاري بين المكونين العسكري والمدني، بسبب بند إزالة التمكين للنظام القديم، خصوصاً في المفاصل الاقتصادية للدولة السودانية.
وأوضحت أن أداء «لجنة إزالة التمكين» تسبب في توترات عميقة على المستويين السياسي والاجتماعي، ما يفسر إعادة تنظيم قيادات الإخوان في المؤتمر الوطني لأنفسهم تحت مسمى «حركة المستقبل للإصلاح والتنمية»، أبرزهم عبدالواحد يوسف إبراهيم أمين الحزب الجديد، أحد كوادر الحركة الإسلامية.
وأشارت إلى أن هذا التكيف التنظيمي، تبعه تطبيق تكتيك تقليدي لإخوان السودان (الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل)، تمثل في إثارة الشعب ضد التدخل الدولي في البلاد، واتهام القوى المدنية بالعمالة أو التمويل من الأطراف الدولية.
وبينما قالت إن خطاب حزب حركة المستقبل، الذي وصف الثورة السودانية بأنها «بلا برنامج وطني ولا رؤية ولا نظرية ثورية وطنية»، يأتي امتدادًا للخطاب الشعبوي لنظام البشير وأنصاره التحريضي ضد القوى المدنية والدولية.
وأشارت إلى أن موقف رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، الذي يرهن المضي قدماً في تفعيل الإطاري، بتوقيع كل القوى السياسية، قد يكون مقبولًا من الناحية النظرية، إلا أن هناك أطرافًا سياسية، منها الإخوان، لا يهمها تحقيق أهداف الثورة السودانية.