الحرب تفتك بأطفال السودان.. وفاة عشرات الرُضع في دار للأيتام
روت عبير كيف كانت صرخات الأطفال تدوي في أنحاء دار رعاية الطفل اليتيم، كبيرة المساحة والمعروفة بدار المايقوما، بينما كانت النيران الكثيفة تهز المناطق المحيطة.

السياق
موت وتشريد وجوع، مآسٍ خلفتها الحرب الدائرة منذ أكثر من شهر في السودان، بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان "حميدتي"، بينما كان نصيب الأطفال اليتامى، أشد وطأة.
ففي الأيام التي تلت اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، كانت الطبيبة عبير عبدالله تهرع بين الغرف، في أكبر دار للأيتام في السودان، في محاولة لرعاية مئات الرضع والأطفال الصغار، بعد أن تسبب القتال في منع أغلبية الموظفين من الحضور.
وروت عبير كيف كانت صرخات الأطفال تدوي في أنحاء دار رعاية الطفل اليتيم، كبيرة المساحة والمعروفة بدار المايقوما، بينما كانت النيران الكثيفة تهز المناطق المحيطة.
وقالت الطبيبة إنهم تعرضوا لسوء تغذية حاد وجفاف، بسبب عدم وجود عدد كافٍ من الموظفين لرعايتهم.
وأضافت، في حديثها لوكالة رويترز، أن عيادتها الطبية في الطابق الأرضي، كانت تستضيف عددًا من الأطفال حديثي الولادة الضعاف، وتوفي بعضهم بعد إصابتهم بحمى شديدة.
وقالت عبير، المديرة الطبية لدار المايقوما، عبر الهاتف من مقر عملها: "كانوا يحتاجون رضعة كل ثلاث ساعات، لكن لم يكان هناك أحد".
وأضافت، بينما كان بالإمكان سماع صرخات الأطفال في الخلفية: "حاولنا نعمل لهم مغذيات بس في معظم الأحيان ما قدرنا ننقذ الأطفال".
ارتفاع الوفيات
تروي عبير مأساة الأطفال قائلة: إن معدل الوفيات اليومي ارتفع إلى حالتين وثلاث وأربع حالات وأكثر من ذلك، وأضافت أن ما لا يقل عن 50 طفلًا، بينهم 20 رضيعًا على الأقل، توفوا بدار الأيتام في الأسابيع الستة، منذ اندلاع الصراع منتصف أبريل. وقالت إن 13 طفلًا منهم على الأقل، توفوا الجمعة.
وأكد مسؤول كبير في دار الأيتام هذه الأرقام، وقال جراح تطوع للعمل بالدار خلال الحرب، إن عشرات الأيتام توفوا.
وقال كلاهما إن الوفيات كانت في الغالب لحديثي الولادة وآخرين تقل أعمارهم عن عام. وأشار الثلاثة إلى سوء التغذية والجفاف والإنتان (تعفن الدم) كأسباب رئيسة للوفاة.
وحدثت وفيات جديدة في اليومين الماضيين. واطلعت "رويترز" على سبع شهادات وفاة يومي السبت والأحد، قدمتها هبة عبدالله وهي يتيمة أصبحت -في ما بعد- من مقدمات الرعاية بالدار.
وذكرت شهادات الوفاة أنهم توفوا جميعًا نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية، كما أسهمت الحمى أو سوء التغذية أو الإنتان في وفاتهم جميعًا باستثناء حالة واحدة.
مشاهد مفزعة
وقالت الطبيبة عبير إن مشاهد الأطفال الضحايا في أسرِّتهم كانت "مفزعة ومؤلمة جدًا".
وتحدثت "رويترز" إلى ثمانية أشخاص، زاروا دار الأيتام منذ بدء الصراع، أو كانوا على اتصال بزوار آخرين.
وقال جميعهم إن الأوضاع تدهورت، وإن عدد الوفيات ارتفع.
وكان بين هؤلاء صديق الفريني، مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم، الجهة التي تشرف على مراكز الرعاية، بما في ذلك الميزانية والتوظيف والإمدادات.
واعترف بارتفاع عدد الوفيات في دار المايقوما، وعزا ذلك إلى نقص الموظفين وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب القتال.
فمن دون تشغيل مراوح السقف ومكيفات الهواء، تصبح الغرف ساخنة بشكل خانق، في ظل حر مايو بالخرطوم، كما يجعل انقطاع الكهرباء تعقيم المعدات صعبًا.
وأحال الفريني وزينب جودة مديرة دار المايقوما الأسئلة المتعلقة بالعدد الإجمالي للوفيات إلى الطبيبة عبير.
وقالت زينب إنها كانت على عِلم بأكثر من 40 وفاة، مضيفة أن القتال أبقى مقدمات الرعاية المعروفات بالمربيات وغيرهن من الموظفين بعيدًا عن الدار، في الأيام الأولى من الصراع.
وقالت إن هناك مناقشات -حتى الجمعة- لإجلاء الأيتام من الخرطوم.
فتح تحقيق
إلى ذلك، قال محمد عبدالرحمن، مدير الطوارئ في وزارة الصحة السودانية، إن فريقًا يحقق في ما يحدث بدار المايقوما وسيصدر النتائج فور الانتهاء من التحقيق.
ومطلع الأسبوع الجاري، استهدفت الضربات الجوية والمدفعية، المنطقة التي تقع فيها دار الأيتام، وفقًا لما قالته الطبيبة وأكده آخران.
وقالت مقدمة الرعاية هبة عبدالله، إنه كان من الضروري إجلاء الأطفال من إحدى غرف دار الأيتام، عقب انفجار في مبنى مجاور.
ضحايا مجهولون
أطفال دار المايقوما بين الضحايا المجهولين للصراع الدائر في السودان. ووفقًا للأمم المتحدة أسفرت المواجهات عن قتل أكثر من 700 شخص وإصابة آلاف، ونزوح قرابة 1.4 مليون شخص إلى أماكن أخرى، داخل السودان أو إلى دول مجاورة.
ومن المرجح أن يكون عدد القتلى أكبر، وتعطل العمل في عديد المكاتب الصحية والحكومية، المعنية بتتبع عدد القتلى في الخرطوم التي يتركز فيها القتال.
وسجلت وزارة الصحة -بشكل منفصل- وفاة مئات في مدينة الجنينة بإقليم دارفور، الذي اندلع فيه القتال أيضًا.
توقف المستشفيات
ويُعد السودان، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 49 مليون نسمة، من أفقر الدول. وأضر القتال بخدمات الرعاية الصحية الضعيفة أصلًا وبخدمات أساسية أخرى، بما في ذلك المستشفيات والمطارات.
وكان ما يقرب من 16 مليون شخص، بحاجة إلى مساعدات إنسانية قبل الحرب.
وتقول الأمم المتحدة إن هذا الرقم قفز إلى 25 مليونا. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، توقف أكثر من ثلثي المستشفيات في مناطق القتال عن العمل.
وقال عماد عبدالمنعم، مدير "الدايات"، أكبر مستشفى للولادة في السودان، إن العاملين بالمستشفى اضطروا إلى الانتقال لأماكن أخرى، أواخر أبريل بسبب الصراع.
وأضاف أن العاملين نقلوا عددًا كبيرًا من المرضى، لكنهم اضطروا إلى ترك البعض وراءهم، مثل المرضى الذين يعتمدون على أجهزة التنفس الصناعي أو يرقدون في الحاضنات.
وكان إجلاؤهم يستدعي توفير سيارات إسعاف جيدة التجهيز وهو ما لم يكن متوفرًا. وقال إن نحو تسعة أطفال ماتوا، إضافة إلى عدد غير محدد من البالغين في وحدة العناية المركزة.
وأكد مصدران آخران أن بعض المرضى تُركوا في المستشفى، لكنهما قالا إنهما لا يعرفان معلومات عن الوفيات.
وبسؤاله عن الوفيات في مستشفى الولادة، قال محمد عبدالرحمن، مدير الطوارئ في وزارة الصحة، إنه لا يعلم بوفاة أي من المرضى وشكك في ترك مرضى بالمستشفى، وامتنع عن الخوض في تفاصيل.
ومما يؤكد التداعيات الصحية على السودانيين من مختلف الأعمار، حدثت وفيات أيضًا في أحد مراكز رعاية المسنين بالخرطوم، وفقًا لما قاله موظف الرعاية رضوان علي نوري.
وأضاف أن خمسة من المسنين المقيمين في مركز الضو حجوج، لقوا حتفهم بسبب الجوع ونقص الرعاية.
وقدم نوري صورة لما قال إنها جثة مغطاة لأحد النزلاء، الذين ماتوا في ذلك الصباح.