هل تعود سوريا إلى الجامعة العربية من دون تنازلات؟
تقول صحيفة فايننشال تايمز، إنه بعد سنوات كان فيها الأسد منبوذًا، تسير الأمور نحو فتح علاقات جديدة بينه وبين الدول العربية.

ترجمات - السياق
بعد مرور ما يقرب من 12 عامًا، على تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، يبدو أن الأمور تسير في اتجاه عودة دمشق إلى الحضن العربي، إذ شهدت الأشهر الماضية زيارات مسؤولين عرب لدمشق، فهل أصبح نظام بشار الأسد قاب قوسين أو أدنى من ملء مكان سوريا الشاغر في الجامعة العربية؟
"الوطن العربي يزن ثمن إعادة تأهيل الأسد"، بهذا العنوان سلطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الضوء على الزيارات الأخيرة من كبار الشخصيات العربية إلى سوريا، التي عدتها إشارة إلى أن عزلة الرئيس بشار الأسد الإقليمية، قد تقترب من نهايتها.
وقالت الصحيفة البريطانية، إنه "بعد هذه السنوات التي كان فيها الأسد منبوذًا، تسير الأمور نحو فتح علاقات جديدة بينه وبين الدول العربية".
قبول عربي
تساءلت "فايننشال تايمز" عما إذا كانت إعادة تأهيل الأسد مقبولة بإجماع عربي، من دون تنازلات قد يقدمها الجانب السوري.
ونقلت عن جوزيف ضاهر، الخبير السوري بمعهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا، قوله: إن "التطبيع مع الأسد يبدو حتميًا".
وأضاف: "قد تكون هناك بعض الاختلافات بين الدول العربية، لكنها تتضاءل بشكل كبير، بينما تنامت مصلحتها المشتركة في ترسيخ أحد أشكال الاستقرار الإقليمي".
وحسب الصحيفة، تشير زيارات الأشهر الأخيرة، إلى أن عزلة الأسد الإقليمية التي استمرت 12 عامًا، قد تقترب من نهايتها، مع قليل من التكاليف التي سيدفعها، جراء الانتهاكات القاسية التي ارتكبتها قواته أثناء سحق الانتفاضة، التي خرجت ضد نظامه عام 2011، ثم خوض الحرب الأهلية التي تبعت ذلك.
ثقة الأسد
ترى "فايننشال تايمز" أنه في الوقت نفسه، يشعر الأسد بالثقة، لافتة إلى أنه خلال اجتماع عُقد مؤخرًا لوزراء الخارجية، ناقشوا فيه إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، كشف مسؤولون أن الرئيس السوري لم يبدِ أي اهتمام بالتسوية.
وذكرت الصحيفة أنه لا تزال دول عربية مترددة، بشأن إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، في الوقت الذي بدأ كبار المسؤولين من دول عربية، بما في ذلك السعودية والأردن والعراق ومصر، العمل على القضايا التي يجب طرحها مع دمشق.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن أحد الدبلوماسيين -لم يكشف هويته- قوله: "هذه المفاوضات ستختبر ما إذا كان الأسد جادًا أم لا بشأن العودة إلى المجموعة الدبلوماسية العربية".
وأشارت إلى أن أغلبية الدول العربية، قطعت علاقاتها بالأسد عام 2011 عندما بدأ قصف السوريين وتعذيبهم بالغاز، كجزء من الجهود المبذولة لهزيمة الثورة الوليدة آنذاك، التي أدت إلى نزوح أكثر من 14 مليون شخص داخليًا وخارجيًا.
ولكن الأسد تمسك بالسلطة، بدعم عسكري من روسيا وإيران، واستعادته للسيطرة -نهاية المطاف- على معظم البلاد المُمزقة، سرعان ما تبعه ضغط عربي لإعادة إشراكه.
ويقول أندرو تابلر، وهو مسؤول أمريكي سابق وزميل أقدم في السياسة العربية بمركز أبحاث معهد واشنطن للصحيفة البريطانية: إن الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منعت الآخرين من متابعة هذه العلاقات.
ففي تلك المرحلة، استهلك التنافس بين إيران والسعودية المنطقة، لذلك لم تكن هناك شهية لإعادة خطوط الحوار مع الأسد، وفق الصحيفة البريطانية.
فقد دعمت بعض دول الخليج -منذ فترة طويلة- جماعات المعارضة وعارضت الوجود المتزايد لإيران في سوريا، لكن المواقف تجاه طهران تغيرت، مدفوعة جزئيًا بما يقوله المسؤولون الإقليميو،ن وهو عدم وجود اتجاه واضح من الولايات المتحدة في المنطقة.
ناهيك عن رغبة الإمارات والمملكة، في تهدئة التوترات مع إيران ووكلائها، التي مهّدت الطريق للانفراجة الدبلوماسية، التي توسطت فيها الصين، 10 مارس الماضي، بين إيران والسعودية.
ويقول أحد كبار المسؤولين السعوديين، حسب ما نقلت عنه "فايننشال تايمز": في حين أن إعادة إشراك سوريا لم تكن "شرطًا للصفقة للتصالح مع إيران، فإن لأحدها تأثيرًا في الآخر"، مضيفًا: "لا أعتقد أننا كنا سنتواصل مع سوريا إذا لم نتواصل مع إيران".
تركيا والمخدرات
حتى تركيا، وهي داعم رئيس للفصائل الثورية المعارضة للأسد، أظهرت علامات مؤقتة على أنها يمكن أن تغير موقفها من بشار الأسد ونظامه، وفق "فايننشال تايمز".
ففي أعقاب زلزال فبراير الماضي، الهائل الذي ضرب تركيا وسوريا، خففت الولايات المتحدة مؤقتًا قيود العقوبات، لتسهيل تدفق المساعدات إلى سوريا، ما وفر لحظة للقادة العرب لاغتنامها، وهو ما تسبب في دهشة المسؤولين الأمريكيين، كما قال تابلر.
وعلى عكس عام 2018، لم تواجه التحركات الأخيرة بتراجع قوي من واشنطن.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن محمد علاء غانم، رئيس المجلس السوري الأمريكي "مجموعة ضغط تعارض الأسد" قوله: "لم تكن سوريا أولوية قصوى لإدارة بايدن"، مضيفًا: "الولايات المتحدة انتقلت من يجب ألا تجرؤ على التطبيع مع الأسد، إلى إذا طبعت مع الأسد فتأكد من الحصول على شيء منه".
وأشار غانم إلى التصريحات الأخيرة لمسؤول أمريكي كبير قال، إنه بينما يجب "معاملة سوريا على أنها مارقة، إذا أرادت الدول العربية إعادة إشراك الأسد، فعليها الحصول على شيء مقابل ذلك".
في الواقع، حتى الرياض، التي قادت المبادرات الدبلوماسية الأخيرة لدمشق، لم تلتزم بالتطبيع مع الأسد، من دون تحرك الجانب السوري.
وقال المسؤول السعودي الكبير، الذي لم تكشف الصحيفة هويته: "فقط لأنك فتحت قناة للنقاش، لا يعني ذلك فتحه بالكامل، لكن من دون تلك القناة... لا يمكنك التفاوض على ما تحتاجه".
وقال دبلوماسي عربي آخر -لم تذكر الصحيفة هويته- إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية "يجب أن تكون نتيجة جُهد".
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه بعد اجتماع الرياض لوزراء الخارجية العرب، قال الدبلوماسي المذكور، إن لجنة من مسؤولين رفيعي المستوى، من السعودية والأردن ومصر والعراق، اجتمعت للعمل على الخطوات التالية بشأن العلاقات مع سوريا.
وأضاف: "لقد توصلنا إلى إجماع على القضايا التي يجب التركيز فيها، كالمخدرات والقضايا الإنسانية واللاجئين"، مشددًا: "هذه قضايا نريد أن ينجزها النظام السوري".
واكتسبت المبادرة زخمًا، عندما التقى وزراء خارجية تلك الدول في العاصمة الأردنية عَمان، لمناقشة تلك القضايا، وهذه المرة مع وزير الخارجية السوري فيصل مقداد.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، إن الاجتماع يهدف إلى مناقشة مبادرة بلاده "للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية".
بعد هذه المحادثات، قالت وزارة الخارجية الأردنية إن دمشق وافقت على خطوات "لإنهاء تهريب المخدرات" على الحدود مع الأردن والعراق، ومعالجة اللاجئين والمفقودين والنازحين داخليًا.
وترى الصحيفة البريطانية، أنه قد يكون من الصعب إحراز تقدم كبير بشأن محاولات بعض الدول العربية لإعادة تأهيل بشار الأسد.
كما أن ملايين اللاجئين في الخارج، الذين يخشون أن يجبرهم التقارب مع الأسد على العودة إلى سوريا، يعد أمرهم مشكلة مستعصية أيضًا، حيثُ لا يزال كثيرون منهم يخشون العودة.
وحسب الصحيفة، من المرجح أن تتحول المناقشات بين الدول العربية وبشار الأسد، إلى التركيز على الكبتاغون، وهو عقار الأمفيتامين، الذي يسبب الإدمان بشكل كبير، والذي أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي لدمشق.
وفي ذلك، تقول كارولين روز، مديرة معهد نيولاينز للأبحاث في تجارة الكبتاغون للصحيفة البريطانية: "لقد صعد الكبتاغون إلى قمة جدول الأعمال في مناقشات التطبيع".
وأضافت: "لقد استخدم النظام السوري تجارة الكبتاغون كوسيلة ضغط، لكن من الصعب التفكير في أنه سيوقفها".
في الوقت نفسه - حسب "فايننشال تايمز"- ليس من الواضح ما الذي تعنيه إعادة تأهيل الأسد للجيوب الخارجة عن سيطرة النظام، بما في ذلك الشمال الغربي، الذي يخضع إما لسيطرة المعارضة وإما لتركيا، والشمال الشرقي الذي تسيطر عليه القوات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) المدعومة من الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، تقول دارين خليفة، محللة شؤون سوريا في مجموعة الأزمات الدولية: "إعادة العلاقات السياسية مع الأسد تترك الأسئلة الرئيسية بلا معالجة"، مضيفة: "لقد أثبتت دمشق -مرارًا وتكرارًا- أنها غير مستعدة للدخول في حل سياسي، هذه ليست الطريقة التي يعمل بها الأسد".