الجاسوس البريطاني في إيران... من التجنيد إلى حبل المشنقة
القصة بدأت عام 2004 حينما قرر القائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني، نائب وزير الدفاع الذي انتقل لاحقًا إلى لندن، بعد تركه مهام عمله واتجه إلى القطاع الخاص، أن يشارك أسرار بلاده النووية مع المخابرات البريطانية.

ترجمات - السياق
تفاصيل مفاجئة تتكشف، بعد مرور 5 أشهر على إعدام إيران أحد مسؤوليها الكبار، بتهمة التجسس لصالح بريطانيا، وكشف أسرار نووية ودفاعية خطيرة.
على رضا أكبري أو "الجاسوس المفاجئة" كما سمته مصادر إسرائيلية وإيرانية، كان ولاؤه شديدًا للنظام، وتصريحاته ومواقفه حاسمة في الدفاع عن طهران، ورغم مواقفه العلنية القوية كان يقوم بدور آخر في الخفاء، بكشف أسرار خطيرة أزالت أي شك لدى العواصم الغربية في سعي إيران إلى امتلاك سلاح نووي.
محسن زادة
تقرير لـ "نيويورك تايمز" قالت فيه إن المعلومات ساعدت الدول الغربية في فرض العقوبات على طهران، مثل الكشف عن منشأة فوردو، التي كانت تضم أنشطة نووية سرية، قبل أن تعترف إيران بموقع تخصيب لليورانيوم تحت الأرض عام 2009، وكذلك هوية وطبيعة نشاط أكثر من 100 مسؤول وقيادي، أبرزهم محسن فخري زادة، كبير العلماء النوويين الذي اغتالته إسرائيل عام 2020.
وقالت رئيسة أركان وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت يوني كورين، في مقابلة عام 2019: "لقد صدمتنا المعلومات المتعلقة بفوردو".
وأضافت: "المساهمة الكبيرة للبريطانيين في الجهود الغربية المشتركة لجمع البيانات من داخل المشروع النووي الإيراني، كانت من خلال أقدامهم على الأرض، في أماكن ليس فيها حضور لنا ولا للأمريكيين".
اكتشاف فوردو
كانت وكالات الاستخبارات الغربية تدرك -من خلال صور الأقمار الاطصناعية- أن إيران كانت تبني منشأة بعمق الجبال في فوردو، لكنهم اعتقدوا أن الموقع كان منشأة تخزين عسكرية، ولم يكونوا على دراية بتحويله إلى موقع سري للتخصيب النووي.
قال نورمان رول، مدير المخابرات في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: "اكتشاف فوردو غيّر -بشكل جذري- موقف المجتمع الدولي تجاه إيران".
وأضاف أنها ساعدت في إقناع الصين وروسيا، بأن إيران لم تكن شفافة بشأن برنامجها النووي، ودفعت باتجاه مزيد من العقوبات.
أكبري نفسه، الذي كشف أخطر الأسرار النووية لبلاده، وقت شكوك متزايدة في إسرائيل والغرب، بأن إيران تسعى سراً إلى برنامج أسلحة نووية، كان عام 2004، مسؤولاً عن إقناع السفارات الرئيسة في طهران بأنها لم تفعل ذلك، حيث كان يجتمع بانتظام مع سفراء بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا.
البداية
القصة بدأت عام 2004 حينما قرر القائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني، نائب وزير الدفاع الذي انتقل لاحقًا إلى لندن، بعد تركه مهام عمله واتجه إلى القطاع الخاص، أن يشارك أسرار بلاده النووية مع المخابرات البريطانية.
وفي أبريل 2008 توجه مسؤول مخابراتي بريطاني رفيع إلى تل أبيب، لمشاركته نظرائه هناك بأن لندن لها جاسوس يتمتع بثقة القادة الإيرانيين، وقادر على الوصول إلى أسرار خطيرة.
لكن لمدة عقد ونصف العقد، لم تعلم إسرائيل هوية هذا الجاسوس البريطاني، حتى استدرجته طهران عام 2019 وقبضت عليه وأعدمته.
وقال مصدران على صلة بالحرس الثوري، إنه بمساعدة المخابرات الروسية، تأكدت طهران أن أكبري هو الذي كشف عن برنامج نووي إيراني سري في أعماق الجبال القريبة من طهران.
لا تعليق
في المقابل لم تعترف بريطانيا بأن أكبري، الذي أصبح بريطانيًا عام 2012 قد تجسس لصالحها، واتبعت سياسة عدم التعليق، وفق متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية، رفض ذكر اسمه.
لكنها بعد إعدامه تحركت دبلوماسيًا -بحرج- ضد إيران، وفرضت مزيدًا من العقوبات عليها.
ويقول مهدي أكبري شقيق على أكبري لـ "نيويرك تايمز": "كان أخي شديد التدين وثوريًا للغاية، أكثر من أي شخص آخر في عائلتنا".
ليست المرة الأولى
عام 2008 تقاعد أكبري من مناصبه الرسمية، لكنه استمر في العمل مستشارًا لشمخاني وغيره من كبار المسؤولين، وفي وقت لاحق من ذلك العام، اعتقل أكبري واحتجز أربعة أشهر بتهمة التجسس لصالح بريطانيا، وفقًا لشقيقه واثنين من أصدقائه، قالوا إن الاستجوابات لم تسفر عن اعتراف، وكفله العديد من أصدقائه الأقوياء، قال شقيقه إنه أطلق سراحه بكفالة وأغلقت القضية وسمح له بالسفر بحرية.
حتى بعد توقيفه فترة وجيزة، وتقاعده من الوظائف الرسمية، واصل مسؤولو وزارة الخارجية طلب المشورة من أكبري، وأبلغوه بالاجتماعات المغلقة بشأن السياسات والمفاوضات النووية، وفقًا لدبلوماسي إيراني رفيع المستوى.
قال شقيقه إنه أصيب بنوبة قلبية عام 2010 وبقي هناك. وسرعان ما انضمت إليه زوجته وابنتاه، وحصل -في النهاية- على الجنسية البريطانية، وعاش من محفظة استثمارية وسافر إلى إيران، للحفاظ على الاتصالات بكبار المسؤولين. وقال أكبري في مقاطع الفيديو إنه زيف النوبة القلبية للبقاء في بريطانيا.
خان بلاده
وقال فؤاد إزادي، محلل السياسات في إيران، المقرب من الحكومة والحرس الثوري عن أكبري: "لقد كان طموحًا للغاية، ومحللًا ممتازًا يتمتع بمهارات فائقة في الكتابة والتحدث، كان الناس يثقون به، وكان لديه كثير من المعلومات الحساسة والسرية للبرامج النووية والعسكرية".
وفي مقاطع بثتها إيران تظهر اعترافاته -تقول عائلته إنها سجلت تحت الضغط- قال أكبري في الفيديو إنه كان مدفوعًا بـ "الجشع والسلطة".
وتقول إيران إن أكبري خان البلاد واستبدل المال بأسرار الدولة، وأضافت أن المخابرات البريطانية " MI6" دفعت لأكبري ما يقرب من 2.4 مليون دولار.
لا مفر من إيران
عام 2019، سافر أكبري إلى إيران للمرة الأخيرة، بعد أن أخبره شمخاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، بأن البلاد بحاجة إليه في مسألة نووية ودفاعية عاجلة، على حد قول شقيقه.
بعد أيام قليلة من عودته إلى طهران، استُدعي إلى وزارة الاستخبارات، وقال شقيقه إنه كان قلقًا، اتصل بشمخاني، الذي أخبره بأن السلطات سمعت أنه على اتصال بـ MI6 وحثته على التعاون لإثبات براءته، بعد استجوابات، ألقي القبض عليه.
عام 2020، بعد عام من اعتقال أكبري، اغتالت إسرائيل فخري زادة، العالم النووي، بواسطة روبوت يتحكم فيه عن بُعد، بينما كان يقود سيارته إلى منزله في عطلة نهاية الأسبوع بقرية جبلية بالقرب من طهران.
تضليل المخابرات البريطانية
وقال شقيقه إن أكبري اعتُقل من قِبل وزارة المخابرات واحتُجز في الحبس الانفرادي لأشهر في سجن تحت الأر،ض ثم في سجن إيفين سيئ السمعة في طهران، وطُلب من العائلة إبقاء الاعتقال طي الكتمان.
وقال مسؤولون إيرانيون، في وسائل الإعلام الرسمية بعد إعدامه، إنهم جعلوه يسجل الدخول بانتظام إلى كمبيوتر قدَّمه له البريطانيون، للتواصل مع من يوظفونه في المخابرات البريطانية لتضليلهم.
إلى المقصلة
وبعد أكثر من ثلاث سنوات بقليل من اعتقال أكبري، بينما كانت إيران تعاني احتجاجات قوية مناهضة للحكومة، وقمع من قِبل السلطات وجولة جديدة من العقوبات الدولية، أعلنت السلطات الإيرانية المفاجأة الكبيرة وقتها "أكبري جاسوس".
وبعد أيام من إعلان اعتقاله، اصطحبه حراس السجن عند شروق الشمس، إلى مساحة خارجية محاطة بسور، ووضع حبل حول رقبته، وفي غضون دقائق، كان جسده الهامد يتدلى من حبل المشنقة.
لم يحضر أحد
دُفن أكبري في مقبرة واسعة بضواحي طهران، من دون علم ولا حضور أقاربه.
وقالت عائلته إن السلطات أطلعتهم فقط على شريط فيديو يُظهر جسده يغسل ويُعد، وفقًا للشعائر الإسلامية.
وقالت مريم صمدي، زوجة أكبري: "لم يكن بإمكاننا تخيل ذلك، ولا أفهم سببه".
وسُمح لأسرة أكبري بمراسم تأبين في طهران، بعد 40 يومًا من وفاته، في قاعة أحد المساجد، بانتظار أصدقائه الذي حارب معهم 40 عامًا، لكن لم يحضر أحد.