مصائر مجهولة.. مسيرة البحث المؤلمة عن المفقودين في السودان

في خضمّ المعارك بالخرطوم، المدينة التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، حيث انقطعت الكهرباء والمياه الجارية بصورة شبه تامّة، باتت شبكات التواصل الاجتماعي أداة تواصل ثمينة للمحبوسين داخل منازلهم، خوفاً من الأعيرة الطائشة.

مصائر مجهولة.. مسيرة البحث المؤلمة عن المفقودين في السودان

السياق

عندما توقف الشاب السوداني أيمن أبو عركي وعمّه حسام، عن الردّ على هاتفيهما لجأت عائلتهما إلى "فيسبوك"، حيث سرعان ما وصلتها عبر الموقع صورة لسيارة، اخترقها الرصاص من كلّ مكان وبداخلها جثّتان.

وعلى هذه الصورة التي تلقّتها الأسرة من أحد المدوّنين، كان رقم السيارة واضحاً، وهو مطابق لرقم تلك التي كان فيها الرجلان "وذهبا بها لشراء مياه" وسط المعارك في 16 أبريل، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس قريب لهما، طالباً عدم كشف هويته.

وقُتل الرجلان غداة اندلاع المعارك بين الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتّاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي".

 

في العشر الأواخر

واندلعت المعارك بين حليفي الأمس وعدوّي اليوم، في العشر الأواخر من رمضان، من دون إنذار، الأمر الذي لم يمكّن الأسر السودانية من التزوّد بما يكفيها من مؤونة كافية من الطعام والمياه.

وبسبب نفاد المياه، لم يجد الشاب وعمّه بُدّاً من المخاطرة بحياتهما والخروج تحت الغارات الجوية ونيران المدفعية والبنادق الآلية، لجلب الماء إلى عائلتهما.

وفي خضمّ المعارك بالخرطوم، المدينة التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، حيث انقطعت الكهرباء والمياه الجارية بصورة شبه تامّة، باتت شبكات التواصل الاجتماعي أداة تواصل ثمينة للمحبوسين داخل منازلهم، خوفاً من الأعيرة الطائشة.

وعلى "فيسبوك" و"تويتر" أصبحت الأسر التي انقطعت الاتصالات بينها وبين أبنائها، تطلق نداءات استغاثة ودعوات للمساعدة، على أمل أن تجد من لديه أيّ معلومة عن أحبّائها المفقودين.

من هؤلاء الطبيبة هبة التي فقدت والدها في 23 أبريل بعدما "خرج لشراء بعض الأدوية الضرورية من الصيدلية، لأنّه مصاب بأمراض مزمنة، لكنّه لم يعد".

وتضيف الطبيبة أنّ والدها "مسالم ولا ميول سياسية له"، مشيرة إلى أنّ "عمليات البحث عنه ما زالت مستمرة وأرجو أن يكون بخير وفي مكان آمن".

وتظهر منشورات على "فيسبوك" و"تويتر" عشرات الإعلانات عن مفقودين، معظمهم لرجال وأطفال فُقدوا في ظروف مختلفة، منذ اليوم الأول للاشتباكات.

وإزاء العدد الكبير لهذه الأسر، قرّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان -قبل أيام- تخصيص خط هاتفي للإبلاغ عن المفقودين.

منيرة فقدت شقيقها الأكبر بابكر أدوين، الذي يعمل في مصنع بمنطقة الخرطوم بحري (شمال العاصمة)، في اليوم الأول للاشتباكات.

وتروي لوكالة فرانس برس، أنّ آخر تواصل بينها وبين شقيقها كان عبر مكالمة هاتفية 15 أبريل، طلب منها خلالها إبلاغ زوجته وأطفاله الستّة بأنّه بخير وسيغادر المصنع للعودة إلى منزله بأمّ درمان.

لكنّه لم يعد، وظلّت أسرته بلا أخبار عنه.

 

مفقود

إزاء هذا الوضع قرّرت منيرة تبليغ "مفقود"، وهي مبادرة عبر الإنترنت لمساعدة الأسر في معرفة مصير أبنائها المفقودين.

وبعد أن أبلغت "مفقود" بشأن شقيقها، تلقّت في 27 أبريل اتصالاً هاتفياً من المبادرة.

وتقول: "لقد أبلغوني بالعثور عليه مقتولاً برصاصتين، ولم نستطع تسلُّم جثمانه المتحفّظ عليه حتى الآن، في المسجد الكبير بمنطقة السوق العربي، لصعوبة إخراجه من هناك، لكنّنا على تواصل بإمام المسجد".

وتوضح أنّ "قوات الجيش في إحدى نقاط التفتيش أرغمت اثنين من أشقائي على العودة، أثناء محاولتهما الذهاب لتسلُّم الجثمان ودفنه بسبب صعوبة الأوضاع والاشتباكات".

وتشكّلت مبادرة "مفقود" عام 2019 لمساعدة أسر المتظاهرين الذين فُقد أثرهم، في أعقاب فض اعتصام نظّمه متظاهرون مطالبون بالديمقراطية، أمام مقرّ القيادة العامة للجيش في العاصمة.

وتقدّر أعداد المفقودين المدنيين في ولاية الخرطوم -منذ اندلاع القتال- بـ250 شخصاً، معظمهم من كبار السنّ وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال، بحسب المتحدث باسم المبادرة مصعب كمال.

وأوضح كمال أنّه "خلال الأسبوع الأول من الاشتباكات نُشرت حالات لمفقودين "يقدّر عددهم بنحو 100 إلى 150 شخصاً يومياً، خصوصا أنّ المعارك بدأت بصورة مفاجئة من دون تحذير".

وأضاف: "هؤلاء لا تنطبق عليهم شروط المفقودين، بل تقطّعت بهم السبل وحالت الاشتباكات دون وصولهم إلى ذويهم ومنازلهم بسهولة".

وتابع: "خلال الأسبوع الثاني من الاشتباكات نُشرت حالات للمفقودين بصورة أكثر دقة، من 10 مفقودين إلى 15 مفقوداً يومياً".

وأوضح أنّ "بعض من عُثر عليهم كانوا معتقلين" لدى قوات الدعم السريع أو الجيش.

وتعمل المبادرة على توسيع جهودها للبحث عن المفقودين، إلا أنّ الظروف الراهنة تمنعها من العمل بكفاءة، خصوصاً أنّ هناك أعداداً كبيرة من الجثث في الشوارع، لا يمكن الوصول إليها ويستحيل إحصاؤها.