كيف ازدهرت إحدى الشركات الأوكرانية رغم الحرب؟

شركة أوكرانية تحقق نجاحا كبيرا رغم الحرب الذي دخل عامه الثاني

كيف ازدهرت إحدى الشركات الأوكرانية رغم الحرب؟

ترجمات - السياق

سلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الضوء على نجاح إحدى الشركات الأوكرانية الكبرى، في تحقيق أرباح وتوسع، رغم صعوبة الإنتاج في ظل الحرب الدائرة هناك، التي دخلت عامها الثاني، مشيرة إلى أنه بعد اتخاذ قرارات ثاقبة، مع كثير من "الحظ الجيد" ، ارتفعت المبيعات، ما وفر للبلاد عائدات ضريبية تشتد الحاجة إليها.

وأشارت إلى أن شركة كورموتيك الأوكرانية لتصنيع أغذية الحيوانات الأليفة، كانت قبل الغزو الروسي مُفعمة بالحيوية، والأعمال مزدهرة، حيث يعمل المصنع على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وكان من المتوقع أن تنمو المبيعات بأرقام مضاعفة، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن.

وفي ذلك، يتذكر روستيسلاف فوفك، الرئيس التنفيذي، المؤسس للشركة، مكانة الشركة قبل الغزو قائلًا: "كانت ميزانيتنا واعدة، وننتظر الأفضل".

إلا أنه في صباح اليوم التالي، انطلقت صافرات الإنذار، معلنة بدء الحرب.

ويضيف فوفك أنه اتصل من فوره بكبار مديريه للاجتماع في فندق قريب، وتجنب المقر الرئيس للشركة بالطابق السابع في إحدى بنايات مدينة لافيف -غربي أوكرانيا- لوضع الخطط المناسبة لمواجهة الخطر الجديد، إلا أن مفاجأة الغزو قيدت تحركاتهم تمامًا.

وتابع: "لم نكن مستعدين، ومن ثمّ فقد أُغلق المصنع، بسبب انعدام وصول المواد الخام إلى البلاد، واستحالة التصدير للخارج"، متابعًا: "كان لابد من إجلاء العاملين في الجزء الشرقي المحاصر من البلاد، بينما انضم آخرون إلى الجيش"، مشيرًا إلى أن ما صعّب استمرار عمل المصنع أن أكبر سوق تصدير للشركة، وهي دولة بيلاروسيا، كانت حليفًا وثيقًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 

فوضى الحرب

وبينت "نيويورك تايمز" أنه مثل قادة عشرات الآلاف من الشركات في جميع أنحاء أوكرانيا، واجه "فوفك" وفريقه فجأة مسؤولية جديدة ومربكة، ما اضطرهم إلى ترك الشركة تدور في فلك "فوضى وخطر الحرب".

بالنسبة لكثيرين، ثبت أن مهمة إنقاذ الشركة حينها مستحيلة.

ونقلت الصحيفة عن إيلينا فولوشينا، رئيسة مؤسسة التمويل الدولية في أوكرانيا، قولها: "قبل الحرب، كان القطاع الخاص في أوكرانيا، بما في ذلك صناعاتها الفولاذية والزراعية الضخمة، يُمثل 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد"، لافتة إلى أن 83 بالمئة من هذه الشركات تعرضت لخسائر مرتبطة بالحرب، وبينما تعرض 40 في المئة منها لأضرار مباشرة، مثل تدمير مصنع أو مخزن بصاروخ، كانت 25 في المئة منها تقع داخل منطقة تحت سيطرة روسيا.

أمام ذلك، انخفض الناتج الإجمالي لأوكرانيا -العام الماضي- بنحو الثلث، ما أدى إلى تدمير اقتصاد البلاد وإعاقة قدرتها على محاربة القوات الروسية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن "كورموتيك"، وهي شركة عائلية يعمل بها 1300 موظف، لا تنتج أسلحة ولا طائرات من دون طيار، ولا تشارك في توفير الكهرباء ولا النقل ولا المياه العذبة، التي تزيد الحاجة إليها للمدن المدمرة، فإنها توظف مئات المواطنين، وتساعد في الدخل القومي، وجذب العملات الأجنبية من صادراتها، كما تسهم في عائدات الضرائب، التي تحتاجها الحكومة في كييف بشدة، لدفع رواتب الجنود وإصلاح خطوط الكهرباء وشراء المعدات الطبية.

 

عودة مزدهرة

ورغم ظروف الحرب والصعاب التي واجهتها الشركة، فإنه بعد مرور عام، وجد فوفك وفريق إدارته مخرجًا للعودة إلى الازدهار، ونمت الأعمال التجارية أكثر من المتوقع.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن "كورموتيك" كانت تمتلك بعض الوسائل التي ساعدتها في مقاومة ظروف وفوضى الحرب، ومن ذلك أن مقر مصنع الشركة، الذي يقع خارج لافيف أقصى غربي البلاد، بالقرب من الحدود البولندية، كان في واحدة من أكثر المناطق أمانًا بأوكرانيا، بينما تمكن المصنعان الآخران التابعان للشركة في بريلبيتشي، من إعادة افتتاحهما بعد أسبوعين من بدء الحرب.

كان افتتاح الشركة أيضًا لمصنع إضافي في ليتوانيا -عام 2020- الذي يعمل على مدار الساعة، بمنزلة عامل مساعد كبير في دعم الشركة الأم بأوكرانيا، حيث استمر بسلاسة في إنتاج وتسليم أطنان من العلامات التجارية (كلوب 4 باوس، وأوبتيمال، ومياو، وغاف) التابعة لـ "كورموتيك".

كما نجح فوفك وكبار مديريه في تنظيم عمليات البيع -حسب الصحيفة الأمريكية- التي أشارت إلى أن الشركة، التي تبيع منتجاتها في 35 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، نجحت بالوقت المناسب في الخلاص من مخزونها الاحتياطي، مستلهمة بعض النجاحات التي حققها عديد من الشركات الأوروبية والغربية، خلال فترة الوباء، بالخلاص من منتجاتها في الوقت المناسب قبل الركود.

واحتفظت كورموتيك بشكل تقليدي بالمخزون في مستودعاتها، ما يعادل شهرًا ونصف الشهر على الأقل في أوكرانيا، وشهرين في بلدان أخرى بأوروبا وشهرين ونصف الشهر في الولايات المتحدة، قبل أن تنجح في تسويقها وتحقيق مكاسب منها.

ومع ذلك، تعطلت سلسلة التوريد، بسبب مشكلات التوريد والتصدير، إذ أدى التأخير في المعابر الحدودية وارتفاع أسعار الاستيراد إلى البحث عن منتجين محليين.

أمام ذلك، نجح فوفك وفريقه في الوصول إلى اثنتين من الشركات التي لم يسبق لهما إنتاج وجبة للحيوانات الأليفة، وعلمتهما ما يجب القيام به، لبيع منتجاتها.

وفي ذلك، أكدت كاترينا كوفاليوك، كبيرة مسؤولي الدعاية في كورموتيك، أن معايير أغذية الحيوانات الأليفة، يمكن أن تكون في كثير من الأحيان أكثر صرامة من الطعام المنتج للبشر، مشيرة إلى أنها أحيانًا تتذوق هذه الأطعمة، كونها تصنع تحت درجة عالية جدًا من الرقابة والجودة.

ما ساعد الشركة أيضًا في النجاح، أنها عززت شراءها للحبوب والذرة الأوكرانية.

فقد تسببت الحرب والحصار الروسي، في انخفاض حاد لصادرات الحبوب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأزمة جوع عالمية، لكن ذلك كان يعني -في المقابل- أن الشركات المحلية مثل كورموتيك، يمكنها الشراء بسعر مخفض.

 

عقبات ونجاح

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن العقبات لم تتوقف عند تصنيع المنتج، وإنما الأكثر عقبة كان تصديرها إلى الخارج.

ونوهت إلى أنه في الوقت الذي منعت فيه أوكرانيا الرجال الذين تقل أعمارهم عن 60 عامًا من مغادرة البلاد، قدمت وزارة التجارة إعفاءات لسائقي التوصيل.

لكن الانتظار على الحدود قد يمتد من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، ومع إغلاق معظم الموانئ البحرية، ظل التصدير مشكلة مُكلفة وصعبة.

بينما أحد الانفراجات، جاء من أن سلاسل محلات السوبر ماركت الأوروبية، لا سيما في دول البلطيق وبولندا، كانت حريصة على التدخل واستبدال البضائع الأوكرانية الصُنع بالسلع الروسية.

وفي ذلك، قال فوفك: "لأول مرة أصبحت عبارة (صُنع في أوكرانيا) ميزة كبيرة"، وبدأ يتهافت عليها المواطنون في أوروبا، نكاية في المنتجات الروسية، وكنوع من الدعم للأوكرانيين.

أمام ذلك، أنشأت الشركة مستودعًا في بولندا بمخزون احتياطي من 650 منتجًا، واستعانت بمصادر خارجية لبعض الإنتاج لمنشآت في ألمانيا وبولندا، ووضعت خطط الملاذ الأخير لنقل الإنتاج خارج أوكرانيا.

وفي غضون ذلك، بينت الصحيفة الأمريكية، أن النمو الهائل في الأسواق الأوروبية والأمريكية، يعني أن مبيعات الشركة من المتوقع أن ترتفع إلى 155 مليون دولار هذا العام، من 124 مليون دولار.

بالطبع -حسب الصحيفة- لم تحقق شركات عدة نجاحًا مثل كورموتيك، إما بسبب تضرر منشآتها أو توقف الطلب على منتجاتها، وكذلك بسبب التضخم الهائل وتقلص الدخل.

بينما وجد تقرير جديد لغرفة التجارة الأمريكية و"ماكينزي وشركاه" -وهي شركة استشارات إدارية أمريكية- أن 15 بالمئة فقط من الشركات في أوكرانيا نمت العام الماضي، بينما شهد نصفها تقريبًا انخفاضًا في المبيعات.

وأوضح التقرير أن البعض الآخر تكيف بالانتقال إلى أماكن مثل لافيف، أو تغيير إنتاجهم لتلبية المتطلبات الجديدة في زمن الحرب، مثل خياطة الملابس الداخلية، الذين تحولوا إلى خياطة السترات القماشية لتناسب لوحات الدروع الواقية للبدن، بينما ظل قطاع تكنولوجيا المعلومات الكبير والمتنقل في أوكرانيا قويًا.