الإرهاب شرقي إفريقيا... ماذا يعني إعلان داعش 'الجهاد' في إثيوبيا؟
يحاول التنظيم استغلال غضب شباب الأورومو والمسلمين من هدم المساجد لتجنيدهم، آملًا أن يتخذ العنف شكلًا طائفيًا بزيادة هجمات الحرائق ضد الكنائس والمساجد، في بلد يضم تركيبة سكانية متنوعة عرقيًا ودينيًا

السياق
مُتقمصًا دور "السرطان الخبيث" ما أن يُستأصل من جزء ينتشر في آخر، إذ ظهر تنظيم داعش بإثيوبيا، داعيًا مسلمي الدولة الواقعة في شرق إفريقيا إلى "الجهاد" والتصدي لمشروعات عمرانية فيدرالية تتضمن هدم مساجد، في محاولة لتأكيد وجوده في البلد الإفريقي.
ويسعى داعش إلى اكتساب عمق جماهيري والنفاذ إلى البلد المنقسم على نفسه، وتشتد به النعرات الطائفية، مُستغلًا حالة الغضب ضد الحكومة، على خلفية مشروع دمج ست بلدات تحيط بالعاصمة أديس أبابا في قوس غربي واسع.
وتخرج المظاهرات، في البلد الذي ثُلث سكانه من المسلمين مع أغلبية مسيحية، بعد الصلوات بشكل متكرر خلال الفترة الأخيرة، للاعتراض على إجراءات المشروع التي وُصفت بالتمييزية.
بالموازاة يكثف داعش رسائله، موجهًا خطابه للمكونات المسلمة، التي تشعر باضطهاد ديني وعرقي، في محاولة لطرح نفسه ككيان يضمن حقوقهم المسلوبة ويمنحهم الشعور بالكرامة، في ظل وضع عرقي متوتر.
وتشهد إثيوبيا نزاعات عرقية دموية منذ سنوات، كانت أشدها ضراوة مؤخرًا بين الحكومة المركزية وإقليم تيغراي، وهو ما يرى مراقبون أنه يتيح لتنظيم داعش تدعيم صفوفه من الناقمين والساخطين على الحكومة، وهو ما ينجح التنظيم فيه فعلًا منذ 2019ـ، ولو بشكل جزئي.
داعش والقاعدة
واعتقلت السلطات -في سبتمبر الماضي- عشرات المنتمين إلى التنظيم، وحركة الشباب الصومالية المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة، في أديس أبابا ومنطقة أوجادين "الصومالية" التابعة لإثيوبيا ومنطقة أوروميا، وهي موطن العرقية الأكبر ذات الأغلبية المسلمة.
ويسعى داعش إلى توسيع نشاطه داخل إثيوبيا باستراتيجية جديدة تؤسس لوجود قتالي نشط في جبال بيل الجنوبية الشرقية الممتدة عبر الحدود بين منطقتي الصومال وأورومو، عبر إقحام نفسه في الصراعات ذات الطابع الديني.
ويحاول التنظيم استغلال غضب شباب الأورومو والمسلمين من هدم المساجد لتجنيدهم، آملًا أن يتخذ العنف شكلًا طائفيًا بزيادة هجمات الحرائق ضد الكنائس والمساجد، في بلد يضم تركيبة سكانية متنوعة عرقيًا ودينيًا.
وفي إطار ذلك نشر التنظيم مقاطع فيديو باللغتين الأمهرية -اللغة الرسمية في إثيوبيا- والسواحلية، وبدأت قناة تليجرام مرتبطة بداعش، بث مواد باللغة الأمهرية، وكذلك نشرت، في خطوات من شأنها كسب شعبية لدى مزيد من الشباب الغاضب.
وتشجع الانقسامات السياسية في البلاد، تنظيم داعش على خوض المغامرة لجعل هذه الدولة إحدى الساحات الرئيسة لتمركزه شرقي إفريقيا.
محاولات داعش تأتي بدعم من ذراع القاعدة في منطقة القرن الإفريقي وشرقي القارة، وتشير تقارير إلى تنسيق داخلي بين الحركتين.
ويستفيد فرع التنظيم في إثيوبيا والصومال من حركة الشباب الصومالية ذراع تنظيم القاعدة شرقي إفريقيا، إذ تصب التصديات الأمنية والعسكرية من الأجهزة في إثيوبيا وكينيا والصومال ضد فرع القاعدة النشط، في مصلحة فرع داعش الذي يلقى اهتماما أمنيًا أقل.
ويوفر التقارب المنهجي بين "الشباب" ذراع القاعدة شرقي إفريقيا وداعش للأخير فرص الانتفاع بروابط التمويل والتسليح، التي يديرها ناشطون ومسيرون منتمون إلى التنظيمين بين اليمن والصومال وإثيوبيا وأفغانستان وسوريا والعراق ومختلف أنحاء العالم.
ورغم قلة العمليات التي ينفذها داعش في إثيوبيا والصومال مقارنة بحجم عمليات فرع القاعدة، فما يميز فرع التنظيم شرقي القارة إمكاناته الكبيرة وخبرات قادته في تنسيق وتسهيل شؤون التنظيم المالية عبر معظم أنحاء إفريقيا وخارجها وفي دعم شبكته العالمية.
القرن الإفريقي
تلعب منطقة القرن الإفريقي وشرقي القارة حلقة مهمة في تمويل ودعم داعش والتنظيمات الإرهابية، وهو الدور الذي لعبه القيادي بلال السوداني، الذي قُتل قبل خمسة أشهر داخل مجمع كهوف شمالي الصومال.
ولعب السوداني، دورًا كبيرًا في دعم شبكة التنظيم العالمية بالمال والمجندين، من خلال نشاطه المتنقل عبر وسط وشرق إفريقيا وصولًا إلى موزمبيق، ما مكنه من تمويل الأنشطة الإرهابية في العراق وأفغانستان وبعض الدول الإفريقية، بخلاف خلايا محتملة في المملكة المتحدة وآيرلندا الشمالية.
وانتعشت خزانة الجماعات التكفيرية المسلحة، في مقدمتها داعش والقاعدة، من ازدهار حركة تجارة الأسلحة عبر خليج عدن، مستغلة عدم الاستقرار السائد في اليمن والصومال وإثيوبيا، حيث يجرى تهريبها بين هذه البلدان، ومنها إلى مناطق صراع أخرى.
ووفقًا لمسؤولين أمريكيين، شهدت السنوات الماضية تلقي وتوزيع مئات الآلاف من الدولارات لمنتسبي داعش في مناطق بعيدة بثلاث قارات، من خلال شبكة اتصالات سرية أقامها ناشطو التنظيم المتمركزون شرقي إفريقيا على مدى أكثر من عقد.
في الوقت نفسه، لا تجد إفريقيا دعما غربيًا كافيًا للتصدي للحركات الإرهابية، يما يشمل عدم تمثيل دول إفريقيا ضمن مجموعتي الدول السبع والعشرين، عدا جنوب إفريقيا فقط المدرجة في الثانية.
وتتطلب مساعدة دول إفريقيا، التي تكافح للاقتراض من الأسواق المالية الدولية في التصدي للجماعات الإرهابية، بجانب التنسيق الأمني والمعلوماتي، توفير احتياجاتها من التمويل للتعامل مع أزمات البطالة والجوع والفقر وتغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي.