من العمل السري إلى العلن.. محطات في حياة حركة النهضة الإخوانية

مسار حركة النهضة الإخوانية يبدو أنه يتجه إلى العودة إلى العمل السري مرة أخرى، كما بدأت عبر الاتجاه الإسلامي، فهل تصدر السلطات التونسية، قرارًا بتصنيفها حركة إرهابية؟

من العمل السري إلى العلن.. محطات في حياة حركة النهضة الإخوانية

السياق

تمر بأسوأ مراحلها وتعيش أزمات داخلية وخارجية، لم تعشها في زمن العمل السري، إنها حركة النهضة التونسية التي تعد الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في تونس، والتي مرت -قبل أيام- ذكرى تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي، التي كانت الأصل في بدايتها.

وما بين الأصل والفرع، مرت حركة الاتجاه الإسلامي و«النهضة» التي انبثقت منها بالعديد من التحولات الجذرية، إلا أنها لم تغادر مربع السباق السريع نحو السلطة، بعد أن خسرت الرهان، في أعقاب العشرية السوداء التي تمكنت فيها من إحكام قبضتها على البلد الإفريقي.

 

محطات وتحولات

قبل ذكرى تأسيسها الثانية والأربعين (6 يونيو 1981 - 6 يونيو 2023)، كانت حركة النهضة الإخوانية، جماعة إسلامية متناقضة المشارب والاتجاهات، فالمؤطرون كانوا من شيوخ الزيتونة، والفاعلون كانوا قادمين من الشرق بشكل جعل الشباب الذين استُقطبوا مذبذبين بين خطين متناقضين.

وتقول حركة النهضة الإخوانية عن نفسها إنها «حزب سياسي وطني ذو مرجعية إسلامية يعمل في إطار الدستور، ووفقًا لأحكام المرسوم 87 لعام 2011 المتعلق بالأحزاب السياسية، وفي إطار النظام الجمهوري، على المساهمة في بناء تونس الحديثة، الديمقراطية المزدهرة والمتكافلة والمعتزة بدينها وهويتها».

تعريف للحركة ورد في وثيقتها التأسيسية، أكدت فيها أنها تسعى إلى ترسيخ قيم المواطنة والحرية والمسؤولية والعدالة الاجتماعية، والنضال من أجل تحقيق وحدة المغرب العربي كخطوة باتجاه تحقيق الوحدة العربية، فالوحدة الإسلامية وتحرير فلسطين، والعمل على التعاون مع كل الشعوب في إطار الاحترام المتبادل».

وثيقة أكدت أن الحركة الإخوانية لا تعترف بحدود الوطن، بل إنها تعمل في سياق مشروع توسعي، يحلم بعودة دولة الخلافة المزعومة، وضم البلدان الإسلامية، تحت لوائها، وهو ما بدا واضحًا في سلوكها منذ تأسيسها حتى اليوم.

 

البذرة الأولى

عام 1969 أي قبل تأسيسها بأكثر من 15 عامًا، بدأت تتشكل النهضة كحركة دعوية على يد راشد الغنوشي، أستاذ الفلسفة الذي كان عائدًا -آنذاك- من سوريا وفرنسا، واحميدة النيفر أستاذ التفكير الإسلامي، إضافة إلى عبد الفتاح مورو طالب الحقوق آنذاك.

إلا أنه بعد قرابة 3 أعوام، وتحديدًا عام 1972، أسست «الجماعة الإسلامية» -التي انبثقت منها الحركة في ما بعد- في اجتماع بين 40 قياديًا بالعاصمة التونسية، لتبدأ تلك الجماعة الانتشار وبث سمومها بين طلاب المعاهد الثانوية والجامعات، حتى نجحت في تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي كجناح طلابي لتلك الجماعة الإسلامية.

تطورات على الطريق، قادت الجماعة الإسلامية للانتقال من السر إلى العلن، حتى عقدت في يونيو 1981، مؤتمرًا صحفيًا، معلنة تأسيس مكتب لها.

وفي بيانها التأسيسي، قالت الجماعة الإسلامية -آنذاك- إنها تعمل على «بعث الشخصية الإسلامية لتونس وتجديد الفكر الإسلامي، وإعادة بناء الحياة السياسية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة توزيعًا عادلًا».

إلا أنه منذ مؤتمرها الصحفي، وكشف نواياها الخبيثة، بدأت السلطات التونسية رحلة ملاحقة تلك الجماعة، ففي عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، وتحديدًا عام 1981، اعتقلت السلطات عشرات من قيادييها ومنتسبيها، وقضت -آنذاك- بالسجن 11 عامًا بحق رئيسها الغنوشي والقيادي صالح كركر، و10 سنوات بحق مورو.

إلا أنه بعد أحداث ما عرفت بـ«ثورة الخبز» في يناير 1984، التي كان الإخوان وقودها، أفرجت السلطات عن منتسبي حركة الاتجاه الإسلامي، ليبدأ تصاعد نشاطها في الجامعات التونسية وتسهم بفاعلية مع بعض المستقلين واليساريين، في تأسيس منظمة طلابية جديدة بالجامعة في أبريل 1985، تحت مسمى الاتحاد العام التونسي للطلبة.

ورغم قوتها -آنذاك- فإن السلطات التونسية، شنت حملة عام 1987 ضدها، واعتقلت آلاف المنتسبين وصدرت أحكام بالإعدام بحق قياديين فيها، بينهم اثنان من أعضائها اتُهما بارتكاب أعمال تفجير وعنف، وصدر حكم بالسجن المؤبد بحق الغنوشي.

وعام 1987، أعلن الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، اكتشاف مجموعة أمنية وعسكرية كانت تعمل لصالح حركة الاتجاه الإسلامي.

عامان شهدا هدوءًا نسبيًا، عادت بعده المواجهة بين الحكومة التونسية آنذاك وحركة النهضة الإخوانية، ففي مايو 1991، أعلن وزير الداخلية آنذاك عبدالله القلال، إجهاض محاولة انقلابية للنهضة على نظام بن علي، ما دفع وزارة الداخلية إلى شن حملة اعتقالات واسعة وملاحقات أمنية لقياديي النهضة ومنتسبيها.

اعتقالات شملت أكثر من 30 ألفًا من القياديين والمنتسبين والمتعاطفين، وفق الأرقام التي تقولها الحركة، من دون تأكيد لها، ما أدى إلى فرار آلاف المنتسبين إلى نحو 50 بلدًا.

وعقب أحداث ما عُرف بالربيع العربي عام 2011، عادت حركة النهضة الإخوانية إلى العمل السياسي العلني في تونس، فشاركت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وأمنت لنفسها 89 مقعدًا.

ليس هذا فحسب، بل إنها تمكنت من تشكيل الحكومة بالتحالف مع حزبين علمانيين، هما المؤتمر من أجل الجمهورية، بقيادة المنصف المرزوقي، والتكتل من أجل العمل والحريات، إلا أنه بعد اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد (6 فبراير 2013) ومحمد البراهمي (25 يوليو 2013) وما تبع ذلك من توترات، دفعت الحركة إلى التنحي، وتسليم الحكم إلى حكومة تكنوقراط في يناير 2014.

إلا أنها لم تترك السياسة، بل رشحت أعضاءها في الانتخابات التشريعية التي تلت ذلك عام 2014، وتمكنت من الاستئثار بـ69 نائبًا بعد حركة «نداء تونس» بقياد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.

وفي مايو 2018، فازت حركة النهضة في الانتخابات البلدية آنذاك، إلا أن مرشحها للانتخابات الرئاسية مورو، فشل في الوصول إلى الدور الثاني من انتخابات الرئاسة.

وبعد أعوام من المناكفات السياسية، اتخذت السلطات التونسية برئاسة قيس سعيد في يوليو 2021، قرارات قال إنها لتصحيح المسار، حل خلالها البرلمان الذي كانت تسيطر عليه حركة النهضة، وباتت قياداتها ملاحقة في تونس، بتهم قضائية، تراها وحدها سياسية.

إلا أن مسار حركة النهضة الإخوانية يبدو أنه يتجه إلى العودة إلى العمل السري مرة أخرى، كما بدأت عبر «الاتجاه الإسلامي»، فهل تصدر السلطات التونسية، قرارًا بتصنيفها حركة إرهابية؟!