هل يقلب المتضررون من الزلزال نتائج الانتخابات التركية؟

الأحزاب السياسية الكبيرة في تركيا تستعد لمهمة انتخابية لا مثيل لها خلال الساعات المقبلة، من خلال مساعدة مليون شخص، فروا بعد الزلزال المدمر في فبراير الماضي، على العودة إلى بلداتهم المدمرة، ومحاولة العثور على مدارسهم من أجل التصويت.

هل يقلب المتضررون من الزلزال نتائج الانتخابات التركية؟

ترجمات – السياق

قبل نحو ثلاثة أشهر، شعروا بالتهميش، وبأنهم دفعوا ثمن "فساد" تفشى في أركان البلاد منذ سنوات، إلا أنهم الآن يملكون القدرة على قلب الموازين، ويستطيعون أن يضعوا بصمتهم على أهم انتخابات تشهدها البلاد منذ عقود، فمن هؤلاء؟

إنهم المتضررون من زلزال 6 فبراير، الذين يملكون نحو مليون صوت، قد يكونون الكفة التي تحدد اسم رئيس تركيا القادم.

من حال إلى حال، تغيرت أوضاع هؤلاء المتضررين بنسبة كبيرة، فبالأمس كانوا يتلمسون المساعدات وقلما يجدونها، واليوم تتهافت الأحزاب على تقديم أي شيء يطلبونه طمعًا في أصواتهم، خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة الأحد 14 مايو.

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن الأحزاب السياسية الكبيرة في تركيا تستعد لمهمة انتخابية لا مثيل لها خلال الساعات المقبلة، من خلال مساعدة مليون شخص، فروا بعد الزلزال المدمر في فبراير الماضي، على العودة إلى بلداتهم المدمرة، ومحاولة العثور على مدارسهم "من أجل التصويت".

وتشير استطلاعات الرأي، إلى أن هذا العدد الضخم من الناخبين "قوة مهمة" في السباق الانتخابي الأكثر إثارة منذ عقود، فإما أن يكرس رجب طيب أردوغان على عرش البلاد لفترة رئاسية جديدة، وإما أن يُغير المسار، ويأتي بزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو.

يذكر أن الزلزال يغطي 11 مقاطعة، أسفرت عن نتائج متفاوتة بشكل حاد في الانتخابات الرئاسية السابقة.

 

نزاهة الانتخابات

ورأت "فايننشال تايمز" أن الوضع اليائس والتحدي اللوجستي الهائل، أديا إلى زيادة المخاوف القائمة منذ فترة طويلة، بشأن نزاهة الانتخابات التركية، خصوصًا بعد انزلاق البلاد نحو ما سمته "الاستبداد في ظِل حكم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية".

ففي مدينة أنطاكيا التي ضربها الزلزال، عاصمة مقاطعة هاتاي الجنوبية، قال سيرفيت ملا أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، إن فريقه تلقى آلاف المكالمات الهاتفية ورسائل التواصل الاجتماعي من أشخاص يسعون إلى العودة للتصويت بالطريقة الوحيدة الممكنة بموجب القانون التركي، أي التصويت في المكان المسجل فيه.

وأوضح أن تحالف المعارضة -المكون من ستة أحزاب رئيسة- هو الذي سيتولى تجهيز الحافلات لنقل الناخبين (الناجين من الزلزال) إلى أماكن التصويت، فضلًا عن تجهيز عدد من الخيام للمبيت فيها إذا لزم الأمر.

وأضاف ملا أوغلو، وهو يتحدث من أمام حائط مكتب متصدع بسبب زلزال فبراير: "سنسمح لهم حتى بالنوم في سياراتنا إذا لزم الأمر".

ووفقًا لتحليل "فايننشال تايمز" للبيانات الرسمية، فإن ما يقرب من سُدس الناخبين في تركيا، يعيشون في منطقة الزلزال، مشيرة إلى أن عددًا كبيرًا من المتضررين نزحوا من منازلهم، قرابة 3 ملايين بحسب الحكومة، ما جعلهم بعيدين عن المكان الذي سجلوا فيه لدى السلطات الانتخابية.

وذكرت أن معظم هؤلاء الأشخاص انتقلوا للعيش في مدن أخرى، ويملكون تفويضًا خاصًا للتصويت في المكان الذي يعيشون فيه، لكن ما يقرب من مليون شخص ما زالوا بحاجة إلى العودة إلى موطنهم الأصلي من أجل التصويت، وهي شريحة كبيرة من الناخبين في المنطقة.

أمام هذه المعضلة، حذر عديد من المراقبين من احتمال حرمان هؤلاء من التصويت، في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

وأجرى وفد من مجلس أوروبا -زار منطقة الزلزال الشهر الماضي- مقابلات مع مجموعة من السياسيين والمسؤولين والمراقبين، حيث حذرهم من عدم توفير التسجيلات اللازمة لمساعدة هؤلاء في التصويت، وشدد على ضرورة توفير احتياجات المتضررين للإدلاء بأصواتهم.

وأثار ذلك أيضًا مخاوف بشأن التنظيم اللوجستي للانتخابات، في المناطق المتضررة من الزلزال (بما في ذلك مراكز الاقتراع)، حسب تقرير الوفد الأوروبي.

ولقي أكثر من 50 ألف شخص مصرعهم، في أشد زلزال تشهده تركيا منذ قرن في 6 فبراير الماضي، ومازال عديد المباني المتضررة بشدة جراء الزلزال، شاغرة في منطقة مترامية الأطراف وسط أنطاكيا، بعد نزوح الملايين.

وبينما يواصل العمال إزالة أكوام ضخمة من الأنقاض "الأسياخ الحديدية، والشظايا الخرسانية ، وبقايا منازل منهارة"، من الصعب اجتياز الطرق المتربة وغير الممهدة، بسبب الحفر والحطام المتناثر.

 

"ذهب كل شيء"

وروت "فايننشال تايمز" المشاهد المدمرة التي تركها الزلزال، مشيرة إلى أن العائدين يسيرون بين الأنقاض يتحسرون على ما فات، وعلى أرواح أهاليهم التي راحت جراء الكارثة.

أحدهم سار يتمتم في نفسه وهو يتفقد الأضرار وسط أنطاكيا -حيث تضرر مسجد عمره قرابة 1400 عام بشدة- قائلا: "ذهب كل شيء".

وقال لوتفو سافاش، رئيس بلدية هاتاي الحضرية، إنه يتوقع أن يعود 10-15 في المئة فقط من قرابة 200 ألف ناخب، ممن غادروا المقاطعة للإدلاء بأصواتهم.

وأرجعت الصحيفة أهمية نتائج الانتخابات بهذه المحافظة، إلى أنه خلال انتخابات 2018، هزم أردوغان خصمه الرئيس بست نقاط مئوية فقط هناك، في إشارة إلى أن التضرر من الزلزال وما شابه من فساد، قد يزيدان عدد مؤيدي مرشح المعارضة.

وبيّن سافاش أن إعادة الناخبين إلى موطنهم الأصلي، تتطلب "جهدًا هائلاً"، مقدّرًا أنه من الناحية النظرية يحتاج إلى ترتيب ما يقرب من 4 آلاف حافلة للنازحين، وهو حل مستحيل عمليًا.

وأضاف: "نظرًا لتزايد عدد الأشخاص في أنطاكيا، نحتاج إلى مزيد من المساكن وتوزيع الطعام خلال يوم الانتخابات، لكن إمكاناتنا محدودة".

وأشارت الصحيفة إلى أن عديد النازحين مازالوا يعيشون في "أبنية غير رسمية" بمنطقة الزلزال، جرى إنشاؤها أمام منازلهم أو في الأماكن المفتوحة، مثل الأندية والشوارع الواسعة.

بينما فر آخرون إلى أماكن أخرى، مثل المدن الساحلية مرسين وأنطاليا، إضافة إلى مناطق حضرية كبيرة، مثل اسطنبول وأنقرة.

ووفقًا للمجلس الأعلى للانتخابات في تركيا، سُجل 133 ألف شخص فقط، في جميع أنحاء منطقة الزلزال، في عنوان جديد خارج مسقط رأسهم.

وقال صاحب متجر يبيع أغراضًا نثرية وسط مدينة أنطاكيا -كان لديه نشاط تجاري طويل الأمد قبل وقوع الزلزال- للصحيفة، إنه قلق من عدم معرفة كثيرين المكان الذي عليهم الذهاب إليه للتصويت.

وأضاف: "لا نعرف شيئًا عن الانتخابات، إذا سألت 10 أشخاص أين يذهبون للتصويت، فإن معظمهم لا يعرفون الإجابة".

ونقلت الصحيفة عن بيريهان آغا أوغلو، المسؤولة الإقليمية في حزب الشعب الديمقراطي -وهي جماعة مؤيدة للأكراد وتعد ثالث أكبر حزب سياسي في تركيا- قولها، إنها كانت على اتصال منتظم بزملائها في تحالف كليجدار أوغلو المعارض.

يذكر أن حزب الشعوب الديمقراطي ليس جزءًا من تحالف المعارضة رسميًا، لكنه يدعم كليجدار أوغلو في السباق الرئاسي.

ومن المقرر أن يعتمد تحالف المعارضة على حزب الشعوب الديمقراطي في مراقبة التصويت بمعاقله، خصوصًا بالجنوب التركي.

وكشفت بيريهان أغا أوغلو أن حزب الشعوب الديمقراطي أسهم في الجهود المبذولة لجلب الناخبين إلى هاتاي قبل أيام، خوفًا من أن تبدأ الحكومة أو التابعين لحزب العدالة والتنمية "جهودًا لمنع الناس من التصويت".

من جهة أخرى، يشعر محللون ومراقبون دوليون -خارج منطقة الزلزال- بالقلق من حيادية المجلس الأعلى للانتخابات، الذي يتمتع بصلاحيات كاسحة لإلغاء نتائج التصويت، ولا يمكن الطعن فيه أمام المحاكم.

يذكر أن عديد المؤسسات القضائية المهمة في البلاد، التي يُفترض أن تكون مستقلة، مثل المجلس الأعلى للانتخابات، وعديد المحاكم التركية، تخضع لأوامر أردوغان.

وتعليقًا على ذلك، قال ملا أوغلو من حزب الشعب الجمهوري: "سنمارس حقوقنا الديمقراطية"، مضيفًا أنه إذا كانت هناك أي مخالفة تتعلق بمجلس الانتخابات، فإن الرد سيكون بالمظاهرات وبأشياء أخرى ستظهر وقتها.

في المقابل، قال مسؤول يعمل في مكتب لحزب العدالة والتنمية في مخيم حاويات صغير، طلب عدم ذكر اسمه، إنه يشعر بالقلق من "عدم وجود مكان لاستيعاب العائدين إلى ديارهم للتصويت".

وزعم أن الموارد التي تقدمها حكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية ستكون كافية لإعادة الناخبين إلى هاتاي للإدلاء بأصواتهم.

كانت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) أعلنت -في أبريل الماضي- أنها ستتحمل نفقات السفر لأولئك الذين يسعون للعودة إلى منطقة الزلزال للتصويت، سواء بتوفير الحافلات أم السكن المناسب.

وانتهت هذا الأسبوع حالة الطوارئ التي استمرت ثلاثة أشهر، ومنحت حكومة أردوغان سلطات أوسع بدعوى الزلزال.

ففي ظل حالة الطوارئ المعلنة، يمكن للحكومة أن تطلب من المؤسسات العامة والخاصة أو الأفراد، التنازل عن أراضٍ ومبانٍ ومركبات وأغذية وأدوية وغير ذلك.

وتكون للحكومة أيضًا سلطة أكبر بشأن استخدام مجموعة من الموارد، من الوقود والأدوية إلى مواد البناء، ويمكن أن تصادر منشآت تنتج أو تبيع أو تخزن هذه المواد، وأن تغلق الشركات التي تتورط في أعمال مثل التلاعب بالأسعار أو اكتناز الإمدادات أو إعاقة إنتاج السلع اللازمة للتغذية والتدفئة والنظافة والإضاءة، وهي أمور كانت أحزاب المعارضة تخشى استغلالها وقت الانتخابات.