وثائق البنتاغون المسربة... دائرة الدول المستهدفة تتسع

فتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقًا جنائيًا، بينما تُقيّم وزارة الدفاع العواقب المحتملة لعملية التسريب هذه على الأمن القومي الأمريكي.

وثائق البنتاغون المسربة... دائرة الدول المستهدفة تتسع

السياق

مفاجآت صادمة تحدثها "وثائق البنتاغون" المسربة، وسط حالة من الاستنفار والجدل، في أروقة المؤسسات الحاكمة بعدد من البلدان ذات الصلة بالحرب في أوكرانيا، أو تربطها علاقات ود أو عداوة وتنافس بالولايات المتحدة.

التسريب الذي فتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقا بشأنه، يتضمّن عمليات تقييم وتقارير استخبارية سرّية، وتحليلات لا تقتصر على أوكرانيا وروسيا والصين والهند والقوى الكبرى، بل تشمل قدرًا كبيرًا من الحساسية لحلفاء للولايات المتّحدة، مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل وحتى مصر.

ويرى "البنتاغون" أنّ عملية التسريب التي يرجّح أنّها حصلت لوثائق أمريكية سريّة، عدد كبير منها على صلة بالحرب في أوكرانيا، تشكّل خطراً "جسيما جدّاً" على الأمن القومي للولايات المتّحدة.

أمريكا وكوريا

التسريبات أحدثت حالة من التوتر الدولي، تحاول الدول المتحالفة تجاوزها، أمس فقط أعلن المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية، أنه سيطالب الولايات المتحدة باتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن التقارير التي تناولت تجسس واشنطن -المزعوم- على كبار مسؤوليها الأمنيين، إذ احتوت الوثائق تفاصيل مناقشات خاصة بين كبار المسؤولين الكوريين الجنوبيين، تبين الضغط الأمريكي على سول، للمساعدة في إمداد أوكرانيا بالأسلحة، واليوم ظهرت نبرة كورية مختلفة، إذ أعلن مكتب الرئاسة في سول، أن وزيري دفاع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة اتفقا على أن "كثيرًا" من المعلومات الواردة في وثائق "البنتاغون" المسربة ملفقة.

وقالت كوريا الجنوبية -في بيان- إن هناك اتصالًا هاتفيًا بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره الكوري الجنوبي لي جونغ سوب، صبيحة الثلاثاء بناءً على طلب من أوستن، الذي شرح التغطية الإعلامية الأخيرة وملابسات الوثائق المسربة لنظيره الكوري.

وأشار أوستن -في مكالمته- إلى أن الولايات المتحدة ستتواصل وتتعاون مع كوريا الجنوبية في هذه القضية.

وأكد البيان اتفاق وزيري دفاع البلدين -على تنصت الحكومة الأمريكية المزعوم- على أن قدرًا كبيرًا من الوثائق ملفقة، من دون تفاصيل.

وتساءلت شبكة سي إن إن: هل الوثائق الخاصة بكوريا الجنوبية فقط أم باقي الأوراق المسربة؟ وعلى ماذا اعتمدت سيول في تصديقها أن الوثائق ملفقة ومفبركة، لكن الشبكة الإخبارية لم تتلق ردًا من الجانبين الكوري والأمريكي.

 

البيت الأزرق

لكن ذلك يتعارض مع ما قالته وزارة الدفاع الأميركية قبل يومين، وإقرارها بأن هذه الوثائق تحتوي على معلومات حسّاسة وسرّية جداً.

ونقلت تقارير صحفية عن مسؤولين أمريكيين أنّ معظم هذه الوثائق أصلية، لكن يبدو أنّ واحدة منها على الأقلّ جرى تزويرها، للإشارة إلى أن خسائر أوكرانيا تفوق خسائر روسيا، في حين تؤكد الوثيقة التي يفترض أنها أصلية العكس.

ووصفت الوثائق المسربة -بتفاصيل وافية- محادثة بين اثنين من كبار مسؤولي الأمن القومي الكوري الجنوبي، بشأن طلب الولايات المتحدة من كوريا الجنوبية تزويد أوكرانيا بالذخيرة.

وقالت رئاسة أوكرانيا إن مكتبها الحالي أشبه بالمؤسسة العسكرية ولديها "نظام أقوى لمنع التنصت على المكالمات الهاتفية من البيت الأزرق".

وأضافت:"نعلن بوضوح أن الاشتباه في التنصت على مكتب يونغسان الرئاسي، مجرد شكوك كاذبة وسخيفة".

 

خطر جسيم

ودخلت المعارضة الكورية على الخط، فوصفت الوثائق المسربة بأنها انتهاك واضح لسيادة كوريا الجنوبية، ولم تستبعد ورود مزيد من المعلومات المسربة.

يأتي كل ذلك وسط زيارة رسمية مقررة من رئيس كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة، في ضيافة الرئيس الأمريكي بايدن، 26 أبريل الجاري.

وبالعودة إلى التسريبات قال كريس ميغر، مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، في تصريح للصحفيين إنّ الوثائق التي على الإنترنت تشكّل "خطراً جسيماً جدّاً على الأمن القومي ولديها القدرة على نشر معلومات مضلّلة".

وأضاف: "ما زلنا نحقق في كيفية حدوث ذلك، لقد اتُّخذت خطوات للاطّلاع على كيفية نشر هذه المعلومات ووجهتها".

وسُرّبت عشرات الوثائق والصور على منصّات تويتر وتلغرام وديسكورد وغيرها من المواقع في الأيام الأخيرة، وقد يكون بعضها متداولاً على الإنترنت منذ أسابيع إن لم يكن منذ أشهر، قبل أن تلفت هذه الوثائق اهتمام وسائل الإعلام الأسبوع الماضي.

وكثير من هذه التسريبات لم يعد متاحاً على المواقع التي نُشرت فيها للمرة الأولى، وسط تقارير تفيد بأنّ واشنطن تعمل على حذفها.

وقال ميغر إنّ وزير الدفاع لويد أوستن لم يطّلع على الأمر إلا صباح السادس من أبريل، اليوم الذي نشرت فيه صحيفة نيويورك تايمز تقريراً عن الوثائق المسرّبة.

 

موسكو تنفي

كثير من هذه الوثائق على صلة بأوكرانيا، إذ توفّر إحداها معلومات عن الدفاعات الجوية للبلاد، بينما توفّر وثيقة أخرى معلومات عن جهود دولية تبذل لتعزيز قدراتها العسكرية.

وتشير وثائق أخرى إلى مراقبة الولايات المتحدة لحلفائها، إذ تفيد إحداها بأن قادة في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" يدعمون التحركات الاحتجاجية في الدولة العبرية ضد تعديلات قضائية مثيرة للجدل، وكذلك نية تل أبيب إرسال أسلحة لأوكرانيا.

كما كشفت أن مصر نوت سِرًا إرسال آلاف الصواريخ إلى روسيا لمساعدتها، وهو ما نفاه مصدر مصري مسؤول، ووصفه بالعبث المعلوماتي.

ونفت موسكو من ناحيتها ما كشفته الوثائق المسربة بأن مصر خططت سِرًا لإرسال ما يصل إلى 40 ألف صاروخ إلى روسيا، ووصفها المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف بـ"الكاذبة".

ويرى بيسكوف أن هذه "المزاعم" تصب في سياق التقارير "المضللة المعتادة" وفقًا لموقع روسيا اليوم.

ويرتبط كثير من هذه الوثائق بالحرب في أوكرانيا، بعضها يقيّم أوضاع النزاع مطلع مارس، بما في ذلك الخسائر الروسية والأوكرانية، بينما يتطرّق الآخر إلى الوضع على جبهات محدّدة، مثل باخموت.

وتتحدّث الوثائق، بين مواضيع أخرى، عن دفاعات كييف الجوية الحاسمة لمواجهة الضربات الروسية، وعن المساعدات الدولية للقوات الأوكرانية.

 

ما ردّ السلطات؟

فتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقًا جنائيًا، بينما تُقيّم وزارة الدفاع العواقب المحتملة لعملية التسريب هذه على الأمن القومي الأمريكي.

وقال "البنتاغون" إنّ مسؤولين أمريكيين تواصلوا مع حلفاء واشنطن بهذا الشأن، كما اطلعت على ذلك اللجان البرلمانية ذات الصلة.

 

العواقب

وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية كريس ميغر لصحفيين -الاثنين- أن تداول هذه الوثائق على الإنترنت يشكل "خطراً جسيما جدّاً على الأمن القومي للولايات المتّحدة وأنّها قد تنشر معلومات مضلّلة".

ويمكن أن يُعرّض التسريب مصادر استخباراتية أمريكية للخطر، بخلاف تزويده روسيا بمعلومات قيّمة عن أوضاع القوات الأوكرانية.

ويمكن أن تشكّل الوثائق التي تتناول الدول الشريكة للولايات المتّحدة حرجاً لواشنطن، خصوصاً تلك التي تشير إلى عمليات تجسّس أمريكية محتملة على حلفاء مقرّبين.

 

أين ظهرت الوثائق؟

سُرّبت عشرات الوثائق والصور على منصّات تويتر وتلغرام وديسكورد وغيرها من المواقع في الأيام الأخيرة، لكن لم يعد عديد منها متاحاً على هذه المواقع، إذ يبدو أنّ الولايات المتحدة تعمل على إزالتها.

وقال موقع بيلينغكات الاستقصائي، إنّ بعض هذه الوثائق متداول على الإنترنت قبل يناير 2023.

وشدّد "البنتاغون"على أنّ الولايات المتحدة على تواصل بحلفائها الدوليين في هذه القضية، وأنّ اللّجان المعنية في الكونغرس أحيطت علماً بهذه المسألة.

ولم يشأ ميغر التعليق على ما إذا كانت هذه الوثائق أصلية، مكتفياً بالقول إنّ فريقاً من "البنتاغون"يجري تقييماً.

ولفت المسؤول الأمريكي إلى أنّ بعض الصور المتداولة على الإنترنت، يُظهر -على ما يبدو- معلومات حسّاسة.

وقال إنّ هناك "صوراً يبدو أنّها تُظهر وثائق مشابهة في الشكل لتلك التي تُستخدم في تقديم تحديثات يومية لكبار قادتنا عن عمليات على صلة بأوكرانيا وروسيا، وأيضاً تحديثات استخبارية أخرى"، مشيراً إلى أنّ بعضها "يبدو معدّلاً".

 

تداعيات كبيرة

وأوضح أنّ بين هذه الوثائق واحدة على الإنترنت، يبدو أنّها عُدّلت لكي تُظهر أنّ أوكرانيا تكبّدت خسائر بشرية أكثر مما تكبّدته روسيا، في حين أنّ الوثيقة الأصلية تشير إلى أنّ العكس صحيح.

وقد تكون تداعيات التسريب كبيرة وحتى مدمّرة، إذ يمكن أن تعرّض للخطر مصادر استخبارية للولايات المتحدة، وأن تمنح "أعداء البلاد" معلومات قيّمة.

وقال ميغر: "كشف مواد حسّاسة مصنّفة يمكن أن تكون له تداعيات كبيرة، ليس فقط على أمننا القومي، بل قد يؤدي إلى خسارة أرواح".

وبطبيعة الحال، حظيت أوكرانيا بالنصيب الأوفر من التسريبات، لأن وضعها العسكري لا يسر، في ظل ضغط روسي يخنقها من باخموت، ومعلومات دقيقة عن خطتها لشن هجوم مضاد مفاجئ أصبح في متناول الجميع، واحتوت الوثائق على معلومات مفصلة للذخيرة والإمكانات العسكرية لكييف، بما في ذلك التشكيلات العسكرية، وعملية تدريب القوات وأوجه القصور في الجيش الأوكراني، وبينت الوثائق مدى اختراق الولايات المتحدة لوزارة الدفاع الروسية ومجموعة فاغنر القالية.

وانتشرت الوثائق على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد يوم من قول مسؤولين بارزين في إدارة بايدن، إنهم يحققون في تسرب محتمل لخطط حرب أوكرانية سرية، بما في ذلك تقييم مقلق لقدرات الدفاع الجوي الأوكرانية المتعثرة.

 

معلومات عسكرية

وتتضمن الوثائق، الوتيرة التي تستخدم بها القوات الأوكرانية ذخائر قاذفات الصواريخ من طراز هيمارس، والجدول الزمني لتسليم الأسلحة والتدريبات التي يوفرها الغرب للجيش الأوكراني.

وجاء في هذه التسريبات، أن كييف بصدد تشكيل 12 لواءً جديدًا، بينها 9 تدربها الولايات المتحدة، وتجهزها، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".

في المقابل، يرى مسؤول أوكراني أن الوثائق تتضمن "كمية كبيرة من المعلومات الزائفة"، وأن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي حملة تضليل روسية، في ما يبدو للتشكيك بالهجوم المضاد، الذي يتطلب الحصول على أسلحة غربية متطورة.

وقال ميخائيلو بودولياك المسؤول بالرئاسة الأوكرانية في بيان: "هذه مجرد أدوات معروفة في ألاعيب العمليات التي تصنعها المخابرات الروسية... ولا شيء أكثر من ذلك".

"سي إن إن" أكدت أنه بكشف الخطط القتالية الأوكرانية من الوثائق المسربة، أسرعت كييف لتغيير استراتيجيتها الحربية، بحسب مصدر مقرب من الرئيس زيلينسكي.

وتظهر الوثائق الخاصة بالجيش الأوكراني، كصور لرسوم بيانية لتسليم الأسلحة المتوقعة، وعدد القوات والكتائب، وخطط حربية أخرى.

وخطورة هذه الوثائق، تكمن في كشفها معلومات عسكرية عن حرب دائرة، وليست فقط تسريبات دبلوماسية.