شبكة تحويلات غامضة... قتل بلال السوداني يكشف أسرارًا عن داعش في إفريقيا
السوداني كان على رادار الولايات المتحدة منذ عام 2012، عندما فرضت عقوبات عليه باسمه الحقيقي، سهيل سالم عبدالرحمن، لدوره في تسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى الصومال لصالح حركة الشباب

ترجمات - السياق
رغم هزيمة «داعش» في العراق والشام رسميًا، قبل أربع سنوات تقريبًا، فإن التنظيم الإرهابي، ما زال خطرًا كبيرًا في البلدان التي هُزم فيها، وفي مواضع أخرى اتخذها موطنًا بديلا.
فعبر تحويلات نقدية، من خلال شبكة غامضة، يسعى «داعش» إلى تأسيس إمارة جديدة، متخذًا من الفراغ الأمني والأزمات الاقتصادية في بلدان إفريقية ثغرة لإعادة نسج خيوطه الإرهابية، إلا أن تلك الآمال عرقلتها مؤقتًا جهود أمريكية أطاحت رأس الأفعى.
فالولايات المتحدة تمكنت -الأسبوع الماضي- من قتل بلال السوداني، الذي يعد أحد كبار قادة تنظيم داعش، في مجمع كهوف صومالي، في ما وصفه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بأنه «كان مسؤولاً عن تعزيز الوجود المتزايد لداعش في إفريقيا وتمويل عمليات التنظيم في العالم، بما في ذلك أفغانستان».
وتقول «واشنطن بوست»، في تقرير لها، إن السوداني كان على رادار الولايات المتحدة منذ عام 2012، عندما فرضت عقوبات عليه باسمه الحقيقي، سهيل سالم عبدالرحمن، لدوره في تسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى الصومال لصالح حركة الشباب، فرع تنظيم القاعدة في البلاد.
أين داعش؟
في أغسطس 2016، شنت القوات الخاصة الصومالية التي دربتها الولايات المتحدة ونظراؤها من بونتلاند، وهي منطقة شبه مستقلة شمالي الصومال، غارة لمحاولة القبض عليه، وفقًا لقائد القوات الخاصة الصومالية في ذلك الوقت أحمد شيخ، الذي وصف السوداني بأنه «أكبر قائد أجنبي لتنظيم داعش في البلاد».
واستولى «داعش» على بلدة ساحلية عام 2016 وسيطر عليها شهرًا تقريبًا، قبل أن تدفع القوات الصومالية -بدعم الولايات المتحدة- المسلحين إلى جبال بونتلاند، التي اتخذها المسلحون التابعون للسوداني مركزًا ماليًا وإداريًا لـ«داعش»، وفقًا لمحققي الأمم المتحدة ومسؤولي المخابرات الصوماليين الحاليين والسابقين.
وقال مسؤول استخبارات صومالي سابق: «لم تكن نيتهم الاستيلاء على أرض في بونتلاند، بل عملوا كجسر بين وسط إفريقيا وموزمبيق والشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أن هؤلاء المسلحين استخدموا شبكة من الشركات تديرها عشيرة علي صليبان، لنقل الأموال في إفريقيا.
وأوضح المسؤول الصومالي السابق، أن معظم قادة «داعش» في الصومال يتحدرون من العشيرة الكبيرة والقوية، مشيرًا إلى أن سلطات بونتلاند التي تستعد لإجراء الانتخابات المحلية هذا العام، امتنعت عن التشابك معها.
وقال تقرير للأمم المتحدة نُشر في يوليو الماضي، فحص دور جماعة السوداني في تمويل «الإرهابيين»، إن إحدى الدول الأعضاء «ذكرت أن هذه الأموال وصلت إلى أفغانستان عبر اليمن، بينما أكدت دولة أخرى أن الأموال جرى تحويلها عبر خلية في المملكة المتحدة لأيرلندا الشمالية».
أمريكا تعود إلى قطف الرؤوس في الصومال...كيف تؤثر الاستراتيجية في خريطة الإرهاب بالقرن الإفريقي؟
ابتزاز الأموال
ونقلت «واشنطن بوست» عن مسؤول مخابرات صومالي حالي قوله، إن «داعش» في الصومال حقق إيرادات من خلال ابتزاز الأموال من الشركات، مستشهدًا على تصريحاته بهجوم بالقنابل اليدوية على شركة اتصالات رفضت في البداية الدفع، ما أدى إلى قتل موظفين.
وأكد المسؤول الصومالي الذي رفض كشف هويته، أن «داعش» لم يكن فعالًا في الابتزاز مثل حركة الشبا،ب إلا أنه تمكن من انتزاع ملايين الدولارات سنويًا من الشركات الكبرى.
وتقول «واشنطن بوست»، إنه طالما كان شرق إفريقيا حكراً على حركة الشباب، التي تعد من أقوى وأغنى فروع القاعدة في العالم، ونفذت عديدًا من الهجمات في المنطقة، أسفرت عن قتل آلاف المدنيين في المطاعم ومراكز التسوق والجامعات.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه عام 2015، انشقت مجموعة صغيرة من المسلحين، بما في ذلك السوداني، عن حركة الشباب وتعهدت بالولاء لـ«داعش».
وقال مصدر أمني صومالي، نقلاً عن أحد المنشقين، إن «داعش» جندت تحديداً السوداني، وهو متشدد سوداني يعمل في قسم الإعلام بحركة الشباب، لأن شقيقه كان نشطًا مع التنظيم الإرهابي.
اتصال الكونغو
وقالت تارا كاندلاند، نائبة رئيس الأبحاث والتحليل في مؤسسة بريدجواي، إن التحويلات النقدية من فرع السوداني، أعادت تنشيط تمرد القوات الديمقراطية المتحالفة، وهي جماعة متمردة تتخذ من الجبال الحرجية شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية مقرًا لها.
وأضافت أن أول نقل أموال لـ «داعش» تمكنت المؤسسة التي تعمل فيها (بريدجواي) من تعقبه كان أواخر 2017، مشيرة إلى أنه في العام التالي، حدد «داعش» رسميًا وسط إفريقيا كإحدى مقاطعاتها، وعام 2019 أكدت مسؤوليتها عن الهجمات في الكونغو.
وربطت أبحاث بريدجواي أيضًا تمويل «داعش» بتفجيرات تحالف القوى الديمقراطية في أوغندا ومحاولة قصف رواندا عام 2021، مشيرة إلى أن «داعش» نفذت تفجيرات في المناطق الريفية وفي عمليات دفاعية.
تمرد موزمبيق
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن قتل السوداني أثبت أن هناك بعض الروابط مع المسلحين أقصى الجنوب، في موزمبيق، رغم أن التمرد هناك مدفوع إلى حد كبير بالمظالم المحلية.
وأشارت إلى أن القوات الرواندية التي تساعد جيش موزمبيق استولت على كمبيوتر محمول خاص بالمسلحين هناك، يحتوي على مراسلات موجهة إلى مكتب بونتلاند، تكشف أنهم يرسلون تقارير دورية عن ساحة المعركة.
واندلع تمرد «داعش» شمالي موزمبيق منذ عام 2017، وأودى بحياة أكثر من 4000 شخص وأجبر ما يقرب من مليون شخص على ترك منازلهم، لكنه لم يجد اهتمامًا عالميًا إلا عام 2021، عندما أسفر هجوم على مدينة بالما عن قتل عشرات المدنيين، بما في ذلك الأجانب، وأدى إلى وقف مشاريع في المنطقة.
وقال مسؤول استخبارات صومالي سابق، إنه يعتقد أن أحد مساعدي السوداني انتقل إلى موزمبيق، مرددًا استنتاجات فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن الرجل كان من أولئك الذين عاقبتهم وزارة الخزانة الأمريكية في موجة من الأوامر في نوفمبر.
إثيوبيا على الخريطة
وتقول «واشنطن بوست» إن تنظيم داعش يضع إثيوبيا أيضًا في مرمى بصره، وفقًا لمسؤولي المخابرات الصوماليين والمصدر الأمني، الذين قالوا إن التنظيم سعى منذ عام 2019 إلى تجنيد رجال من أوروميا، أكثر مقاطعات إثيوبيا اكتظاظًا بالسكان.
ويوجد في أوروميا عدد كبير من السكان المسلمين وحركة تمرد عرقية متنامية، بينما غالبًا ما يسافر المهاجرون من أوروميا عبر بونتلاند بحثًا عن وظائف في الشرق الأوسط.
وقال المصدر إن «داعش» خطف بعض هؤلاء، وأقنعهم بالبقاء وقدم لهم رواتب صغيرة، مشيرًا إلى أن قرابة نصف المجموعة الصغيرة المجندين من الأورومو.