بعد 12 عامًا.. هل الربيع العربي كان عربيًا حقًا؟ وهل كان ربيعًا من الأساس؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي خليل الرقيق، أن ما كان عام 2011 مسرحية، لهدم الدول الوطنية مثل مصر وتونس، واستغلال الأوضاع السيئة لإسقاط الأنظمة، وإدخال الدول في دوامات تنتهي بالإخوان في السلطة.

تقرير: حسن حمدي سليم
على وقع أيام مماثلة قبل 12 عامًا، كانت الشوارع العربية مسرحًا تراجيديًا وأحيانًا دمويًا لعروض غير مألوفة، خرجت الشعوب تباعًا من تونس ثم مصر فاليمن وليبيا وسوريا، مدفوعين بشرارات غضب على أوضاع متردية اقتصاديًا واجتماعيًا ملفوفة بضبابية سياسية.
الهتافات توحدت بشكل ما، وطالب المتظاهرون –كل في دولته- الأنظمة بالرحيل، ولم تشفع التنازلات الجزئية التي قدمتها السلطات، في تسكين الآلام أو تهدئة الغضب الشعبي.
في النهاية وبعد أيام مواجهات راح ضحيتها مئات، جاء إعلان مغادرة عدد من قادة الأنظمة، فغادر بن علي تونس، وتنازل مبارك مصر عن السلطة، وقُتل قذافي ليبيا، وأصُيب القصر الرئاسي في اليمن بقذيفة غادر بعدها الرئيس على عبدالله صالح البلاد للعلاج، ليتنازل عن صلاحياته في ما بعد، وصمد بشار الأسد في كرسيه بينما سوريا تنهار وتنخرها التدخلات الأجنبية من كل اتجاه، إيران و تركيا وروسيا والولايات المتحدة، وظهرت بين أطلالها داعش.
هل كان ربيعا عربيًا خالصًا؟
تبدلت الأنظمة واختلفت الأوضاع، وقفز الزمن 12 عامًا وبقيت الأسئلة بلا أجوبة: هل نجح ما بات يسمى الربيع العربي؟ هل كان ربيعًا في الأساس أو حتى كان عربيا خالصًا؟ هل وصلت بلاد الثورة إلى ما تمناه شبابها قبل 12 عامًا.
وفقًا للباحث المصري المتخصص في شؤون التنظيمات الإسلامية د. أسامة السعيد، فالانتفاضات العربية عام 2011 كانت نصف تلقائية نابعة من شعوب غاضبة تعاني ظروفًا اقتصادية وسياسية صعبة، يُزيد تنامي نغمة توريث الحكم في بعض الدول، ولاسيما مصر، غضبها، وآخر مصنوع من مبادرات قادتها مراكز الفكر الأمريكي والأوروبي، عقب أحداث سبتمبر 2001 رغبة منها في إيجاد تيار إسلام سياسي معتدل -بالنسبة لأفكارهم- يكون صمام الأمان في المنطقة ضد الحركات المتطرفة.
يصر السعيد على إطلاق لفظ "الانتفاضة" على أحداث 2011 لأن الثورة -وفقًا لأدبيات السياسة- تعريفها يختلف تمامًا عما حدث، ويشير إلى أن إطلاق "الربيع" مستقى من الأدبيات الغربية، التي أطلقت هذا المصطلح على الدول التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفييتي، على اعتبار أنه بعد شتاء طويل بارد تحت قيادة الأنظمة ظهر الربيع بتلك الدول.
إجراءات شكلية
ويوضح السعيد، في تصريحات خاصة لـ "السياق"، أن المبادرات الأمريكية جاءت تحت مسمى الحرص على حقوق الإنسان، والإصلاح السياسي والسماح بإنشاء أحزاب على أساس ديني لاسيما في مصر باعتبارها الدولة الأهم عربيًا.
في أعقاب ذلك عدلت مصر الدستور للسماح بإجراء انتخابات رئاسية لأول مرة، ونجح 88 عضوًا منتمين لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية بمصر عام 2005، في ما حللها السعيد بأنها كانت تحركات مصرية للتوازن أمام الضعوط الخارجية، لكن الولايات المتحدة أدركت وقتها الالتفاف على مبادراتها بإجراءات شكلية، لن تسمح بتنفيذ آمالها في ما بعد، وهو ما صنع النصف الآخر عام 2011.
في السياق نفسه يرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي خليل الرقيق، أن ما كان عام 2011 مسرحية، لهدم الدول الوطنية مثل مصر وتونس، واستغلال الأوضاع السيئة لإسقاط الأنظمة، وإدخال الدول في دوامات تنتهي بالإخوان في السلطة.
ويوضح الرقيق، في تصريحات خاصة لـ "السياق"، أنه منذ الأزمة العالمية عام 2008 والدول تعاني أوضاعًا اقتصادية سيئة وبطالة، وأن التحركات الاجتماعية عندما خرجت نادت بتحسين أوضاع وحل الأزمات، ولم تطالب بإسقاط الأنظمة في البداية، مشيرًا إلى أن من قام بهذا الدور شخصيات مدربة بالفعل، لتأجيج الأزمات وتقسيم الدول، مدفوعين بأجندات خارجية.
ويتابع أن الدول التي ساندت الإخوان، أول من أرادت التخلص منهم عندما وصل الإرهاب إلى قلب أوروبا، وأن الإخوان لم يعد لهم أي وجود يذكر في أي دولة.
إتقان التخفي
خليل الرقيق، أرجع نجاح الإخوان في الوصول للسلطة بتونس، لإتقانهم ما وصفه بالتخفي خلف شخصيات حقوقية، توحي بأنهم لا يسيطرون على السلطة، مثلما فعلوا مع المنصف المرزوقي ودعموه للوصول للرئاسة، ثم أعادوا التجربة في البرلمان.
ويرى د. أسامة السعيد أن وصول الإسلام السياسي إلى رأس السلطة في مصر وتونس كان منطقيًا، باعتبارهم الأكثر تنظيمًا وسط فراغ سياسي خلفه استمرار الأنظمة القديمة في السلطة نحو ثلاثة عقود بلا تأهيل صفٍ ثانٍ.
تعامل الإخوان مع السلطة في تونس، اختلف تمامًا عما حدث في مصر، إذا استولت الجماعة على مفاصل الحكم في البرلمان والحكومة، إضافة إلى الرئاسة، مغيرة شعاراتها من مشاركة لا مغالبة للاستحواذ على السلطات، حتى أن الرئيس الراحل محمد مرسي أصدر إعلانًا دستوريًا يحصن قراراته، ويجعها نهائية غير قابلة للطعن، حتى من المحكمة الدستورية العليا.
ويوضح السيعد أن أخطاء إخوان مصر أضعاف ما ارتكبه الفرع التونسي للتنظيم الدولي، لاسيما في نطاق الاستحواذ على السلطات، وأن عدم تصدر المشهد في البداية بتونس، أطال عمر تجربتهم السياسية هناك.
وأرجع السعيد الاختلاف لقضاء الغنوشي رجل الإخوان الأبرز في تونس سنوات منفيًا في أوروبا، ما جعله محتكـًا بالحياة السياسية الأوروبية، ولديه مساحة أكبر للمناورة، عكس إخوان مصر المنغلقين على أنفسهم.
انتفاضة جديدة
ويرى الباحث في شؤون الإسلام السياسي، أن تعامل الإخوان في مصر مع السلطة على أنها نهاية التجربة، سرَّع نهايتها، وأنهم لو تعاملوا مع السلطة على أنها بداية جديدة للتنظيم لاختلف الأمر، مشيرًا إلى أن استخدام خطاب استقطابي عدائي لكل الفئات، من الأقباط والأحزاب السياسية والإعلاميين، مع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية، جعل الشعب ينتفض مجددًا.
ويشدد السعيد على أن الجيش المصري انحاز للشعب، بعد البيانات والخطابات الداعية للتهدئة واحتواء الموقف ومبادرات للقوى السياسية بالرئاسة وتصفية الأوضاع السياسية، إلا أن الإخوان استمروا في الحديث الاستقطابي الطائفي، وهو ما كان يمهد إلى حرب أهلية ونقطة لاعودة، فرضت تدخل الجيش لاستعادة الأمن القومي.
أما في تونس فيرى الرقيق أن الشعب التونسي كشف الإخوان عام 2013 بعد حوادث الاغتيالات التي نالت معارضين، وبدأت حركات الغضب في الشارع من جديد، وفق إطار المدنية والسلمية، ثم جاءت انتخابات 2014 التي حجمت دور الإخوان نوعًا ما، ثم حركة 25 يوليو 2021 بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيد والشعب، مرورًا باعتصام الغضب وغيره من موجات الاحتجاج ضد الإخوان وطريقة تسييرهم لامور الدولة.
الطريق الصحيح
ويختم المحلل السياسي التونسي خليل الرقيق حديثه لـ "السياق"، بأنه رغم الأزمات التي تضرب تونس، لاسيما مع صندوق النقد الدولي، الذي تورطت معه تونس بسبب الإخوان، فإنه يعتقد أن تونس على الطريق الصحيح، وأن أهم إنجاز هو إغلاق المؤسسات التي كانت تعمل حظيرة خلفية للإخوان مثل البرلمان، وإصرار الرئيس قيس سعيد على محاكمات عادلة ناجزة بحق المسؤولين السابقين المتهمين بقضايا فساد وتصدير الإرهابيين.
رؤية الرقيق تتوافق مع إشارة السعيد إلى أنه رغم كل ما مرت به مصر منذ 2011 كانت معدلات النمو عام 2019 قريبة من مستويات ما قبل ثورة يناير، ووصل احتياطي النقد الأجنبي لمستوى آمن، وبدأت الدولة تجذب استثمارات من جديد حتى جاءت أزمتا كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، اللتان أثرتا مباشرة في مصر سواء في السياحة، أم في الواردات، لاسيما القمح الذي كانت تستورده مصر من كييف.
ويختم السعيد حديثه لـ "السياق" بأن ما تقوم به القاهرة الآن هو تكيف مع الأزمة، لحين وضوح الرؤية النهائية في ما يخص الحرب تحديدًا، مع تخوفات من تصعيدات أوروبية روسية تلقي بظلالها على دول المنطقة من جديد، وتزيد من أعبائها الاقتصادية.
وبينما تكابد مصر وتونس أزمات اقتصادية، مدفوعة بركود عالمي وحرب مشتعلة مرشحة للتوسع، يتجافى المجتمع الدولي عن اليمن وليبيا وسط أزمة إنسانية في الأولى، وهدن متقطعة بين الحوثيين والحكومة، وسيطرة الجماعة المدعومة من إيران على ميناء الحديدة الرئيس في اليمن، مع تقارير عن استخدامه حظيرة خلفية لطهران لتهريب الأسلحة.
أما ليبيا فالشعب حائر بين حكومتين، الأولى مدعومة من تركيا الحالمة بموطئ قدم جديد في لييبا، وسط آبار النفط مع إطلالة البحر المتوسط، والأخرى اختارها مجلس نواب لإجراء انتخابات مؤجلة، ويبقى الوضع السوري أكثر تعقيدًا مع تشابك خيوط التدخلات الخارجية في البلاد.