بلينكن في زيارة نادرة للصين... كيف يمكن لأكبر اقتصادين في العالم تجنُّب حرب باردة جديدة؟

رغم أنه من غير المرجح تقديم الصين مساعدات عسكرية مباشرة لروسيا، فإن الشركات الصينية سعيدة بالاستفادة من قلة المنافسة في الصادرات إلى روسيا.

بلينكن في زيارة نادرة للصين... كيف يمكن لأكبر اقتصادين في العالم تجنُّب حرب باردة جديدة؟

السياق

رحلة حاسمة في موازنة الخطاب العسكري بالدبلوماسية على وقع بالونات التجسس الطائرة، يجريها وزير خارجية أمريكا إلى الصين، أملًا في إصلاح العلاقات المتوترة، وتهدئة حدة التنافس بين أكبر اقتصادين في العالم.

فبداية من تايوان مرورًا بالمخاوف الأمريكية من الشراكة بلا حدود بين روسيا والصين، إلى صناعة الرقائق والتجارة، يجري أنتوني بلينكن -الأسبوع المقبل- الزيارة الأولى لوزير خارجية أمريكي منذ أكتوبر 2018 عندما التقى مايك بومبيو، في إدارة دونالد ترامب، وزير الخارجية آنذاك وانغ يي في بكين.

وبينما كانت زيارة 2018 محورًا لتبادل تصريحات حادة، وسط الحرب التجارية المتفاقمة بين البلدين، استبقت وسائل إعلام رسمية صينية زيارة بلينكن بنبرة تصالحية، أكدت فيها أنه من المستحيل فصل البلدين، وعليهما «تعزيز التعاون لدفع التنمية والعلاقات الثنائية».

 

فهل يمكن لأكبر اقتصادين في العالم تجنُّب حرب باردة جديدة؟

مع استغناء الصين عن سياسة صفر كورونا، ومحاولتها التركيز على الاقتصاد الذي تضرر كثيرًا بفعل الجائحة، وعلى وقع أزمة تايوان التي تسببت في توتر مع أمريكا، تأتي زيارة بلينكن إلى بكين في وقت «حساس» للبلدين.

فصحيفة فورين بوليسي، قالت إن المسؤولين في واشنطن يجدون باستمرار زوايا جديدة للضغط، للفصل بين الولايات المتحدة والصين، بما في ذلك عديد من الإجراءات على تلك الجبهة، فالأسبوع الماضي قطع الموردون الأمريكيون علاقاتهم بـ «هواوي» بينما يقتربون من صفقة كبيرة بشأن سياسة أشباه الموصلات مع اليابان وهولندا.

ورغم أن حكومة الولايات المتحدة تبدو مرتاحة لفكرة صراع اقتصادي طويل الأمد مع بكين، فإن بلينكن ونائبه ويندي شيرمان، حريصن على إيجاد أرضية مستقرة في العلاقة، ما يعني استعادة الاتصال المنتظم، الذي كان بمنزلة ثقل للعلاقات الثنائية، تحطم على صخرة كورونا ووضع معايير عمل وحدودًا للنزاع.

وتقول «فورين بوليسي»، إن تجنُّب الحرب الفعلية سيناقش بشكل غير مباشر لكنه في أذهان الطرفين، مشيرة إلى أن الحديث يكثر في الأوساط السياسية الأمريكية -كثير منها بلا دليل ملموس- عن أن الصين ستغزو تايوان عام 2027 أو 2025 أو حتى هذا العام.

وأكدت أن هذه التوقعات تروِّجها مؤسسة عسكرية أمنية، ترى بكين خصمًا لا مفر منه، وأداة مفيدة لطموحات الميزانية الخاصة بها، إلا أن الصين، في الجهة المقابلة، تمر بمرحلة من الثقة المفرطة بقدرتها على مواجهة الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن ذلك يجعل من الصعب التوصل إلى أي اتفاق، لتثبيط الحديث عن الصراع على الجزيرة.

ورغم ذلك، فإن الصحيفة الأمريكية، قالت إنه قد يكون من الممكن إرسال إشارات من الباب الخلفي، خاصة بالنظر إلى النجاح النسبي للاجتماعات الأخيرة، مثل الاجتماع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي جو بايدن، بقمة مجموعة العشرين في نوفمبر الماضي.

وأوضحت «فورين بوليسي»، أن هناك عنصرين من المحتمل أن يكونا على رأس جدول أعمال بلينكن في الرحلة، أولهما: إيصال رسائل خلف الأبواب المغلقة، مفادها أن التحركات المناهضة للصين في الكونغرس الأمريكي الجديد، لا تتطابق مع موقف إدارة بايدن، مشيرة إلى أنه من المحتمل أن يرى بعض المسؤولين الصينيين أن تشكيل لجنة جديدة للكونغرس، بشأن المنافسة مع الصين، عقوبة رسمية للصراع.

ووفقًا لرئيس اللجنة الجديدة، يمكن أن يتبع ذلك مزيد من الإجراءات التي تعدها الصين استفزازية، بما في ذلك «جلسة استماع ميدانية» في تايوان نفسها.

ويتشكك القادة الصينيون في الحكومة المنقسمة وفصل السلطات في الولايات المتحدة، ويرون أن إخلاء البيت الأبيض مسؤوليته من تصرفات الكونغرس «مخادع»، لكن رد الفعل النسبي تجاه زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايبيه العام الماضي، بما في ذلك الاستعادة الهادئة لبعض مجموعات العمل الأمريكية الصينية، التي جرى تعليقها بعد الزيارة، تشير إلى أنه قد يكون هناك حرص من المسؤولين الصينيين على الاستماع لبلينكن.

 

الحرب الأوكرانية

وتقول «فورين بوليسي»، إن بلينكن سيركز أيضًا على الحرب الروسية في أوكرانيا، والجهود الأمريكية المستمرة لإبعاد بكين عن موقفها الداعم لعملية موسكو العسكرية، ما قد يستدعي دور الشركات الصينية المزعوم في تقديم مساعدات «غير مميتة» للمجهود الحربي الروسي.

ورغم أنه من غير المرجح تقديم الصين مساعدات عسكرية مباشرة، فإن الشركات الصينية سعيدة بالاستفادة من قلة المنافسة في الصادرات إلى روسيا، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه من المحتمل أن يتجه شي إلى روسيا، في أول رحلة خارجية له عام 2023، مشيرة إلى أنها من المحتمل أن تكون ودية وليست توبيخية.

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن فريق بايدن يريد الانفصال عن الصين من دون زعزعة الاستقرار، بما يعني قطعًا تدريجيًا للعلاقات الاقتصادية، إلا أنه مع ذلك، فقد دعت رسائل الصين -قبل زيارة بلينكن- إلى إعادة التشارك بين البلدين.

وأشارت إلى أن القيادة الصينية لديها مصلحة راسخة في تجنُّب مزيد من زعزعة الاستقرار، ليس فقط لأسباب جيوسياسية لكن أيضًا لأسباب محلية، مؤكدة أن عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي العام الماضي، أدى إلى تراجع بكين، التي ستتجه إلى تجنُّب المخاطرة أكثر من ذي قبل، ما دفعها إلى استبعاد من يسمون «المحاربين الذئاب» من مناصب بارزة.

بدورها، قالت صحيفة جنوب الصين الصباحية، في تقرير ترجمته «السياق»، إن زيارة بلينكن من غير المرجح أن تصلح الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، مشيرة إلى أن التعريفات الجمركية وحقوق الإنسان والتغير المناخي، من الموضوعات المثيرة للجدل، التي يتوقع أن يناقشها كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في بكين، إضافة إلى الخلافات الثنائية بشأن تايوان، التي تمثل مجالات الخلاف الأكثر حدة وسط الحديث عن صراع محتمل عبر المضيق.

وقال محللون أمريكيون إن واشنطن وبكين متباعدتان للغاية، في معظم القضايا الثنائية المعلقة، بحيث يتعذر على العلاقات بينهما أن تتحسن بشكل ملحوظ، عندما يلتقي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نظراءه الصينيين، نهاية هذا الأسبوع، مشيرين إلى أنه من المرجح أن تكون روسيا الجبهة الوحيدة لإحراز تقدم محتمل.

 

عقبات كبيرة

وتقول «جنوب الصين» الصباحية، إن المزاعم بشأن دعم الصين لحرب روسيا ضد أوكرانيا، والتعريفات الجمركية، وحقوق الإنسان، وقيود الصادرات الأمريكية، والتعاون في تغير المناخ، تستعد للظهور على جدول الأعمال، إلا أن لكل منها عقبات كبيرة أمام تحقيق اختراقات محتملة.

ونقلت الصحيفة عن رئيس فريمان للدراسات الصينية في مركز الأبحاث للدراسات الاستراتيجية والدولية جود بلانشيت، قوله إنه ينبغي ألا تكون هناك «توقعات كثيرة لأي اختراقات مهمة من الرحلة»، مشيرًا إلى أن هذا لم يكن «شيئًا سيئًا بالنظر إلى مدى تدهور العلاقة على مدى السنوات الخمس الماضية».

وقال بلانشيت إن زيارة بلينكين كانت لـ«إعادة تأسيس دعائم العلاقة ووضع بعض الإجراءات والآليات لتكون قادرة على إدارة التوترات».

 

موازنة الخطاب العسكري

وقال الزميل البارز في معهد كوينسي بواشنطن مايكل سوين، إن الخلافات بشأن تايوان، أكثر مجالات الخلاف حدة، بسبب التقييمات الخاصة بنزاع مسلح محتمل عبر مضيق تايوان، ما يجعل رحلة بلينكن حاسمة في موازنة الخطاب العسكري بالدبلوماسية.

وأضاف: «في سياق أكبر من انعدام الثقة المتزايد بشأن الدوافع العامة للجانب الآخر، حيث ترى الصين أن الولايات المتحدة من المفترض أنها تحاول إضعاف الصين واحتواءها، وترى الولايات المتحدة أنه من المفترض أن تحاول الصين تحقيق الهيمنة في آسيا... اعتمد الجانبان على الردع العسكري بشأن أشكال الطمأنينة».

وتابع: «لقد أوجد ذلك حلقة مفرغة تولد سباقات أسلحة أولية، وإحساسًا متزايدًا بحتمية الصراع على إحدى هذه القضايا أو الأخرى، لا سيما قضية تايوان، التي هي -إلى حد بعيد- الأكثر أهمية لأهميتها القومية التاريخية للصين، والطبيعة الرسمية طويلة الأمد للدعم الأمريكي لأمن تايوان».

وتقول الصحيفة الصينية، إن رحلة بلينكن ستكون الأحدث في الارتباطات رفيعة المستوى، بين مسؤولي بكين وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، خاصة بعد أن تعهد شي وبايدن في نوفمبر، خلال اجتماعهما الأول كرؤساء دول، بتهدئة التوترات التي تصاعدت بشكل مطرد في السنوات الأخيرة.

 

الصين الواحدة

وقال بلانشيت إن بكين ستدفع -على الأرجح- إدارة بايدن لتقول شيئًا يبدو أكثر ارتباطًا بسياسة صين واحدة، التي تنتهجها أمريكا منذ فترة طويلة.

تقليديًا، حافظت الولايات المتحدة على «الغموض الاستراتيجي» تجاه تايوان، وهي سياسة غامضة عمدًا عما إذا كانت ستصل إلى الدفاع عن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، بحسب «جنوب الصين» الصباحية، التي قالت بكين إن تايوان تدعي أنها جزء من أراضيها، ما دفعها إلى عدم التخلي عن استخدام القوة لتحقيق إعادة التوحيد.

وأشار بلانشيت إلى «عام مليء بالمخاطر إلى حد ما»، مستشهدًا برحلة محتملة هذا العام إلى تايوان، من رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي، و«انتخابات بالغة الأهمية» في تايوان.

ودفعت زيارة سلف مكارثي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان في أغسطس الماضي، الصين إلى إجراء تدريبات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، وتعليق التعاون مع الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا، بما في ذلك تغير المناخ وأزمة المواد الأفيونية.

وكثف بايدن -العام الماضي- جهوده لإعاقة صناعة أشباه الموصلات في الصين، بإقرار قانون الرقائق والعلوم، الذي يهدف إلى تعزيز البحث والتطوير والإنتاج في مجال أشباه الموصلات الأمريكية، من خلال الإعانات الفيدرالية لقطع الصين عن سلاسل توريد الرقائق الدقيقة.

وقال بلانشيت: من الواضح أن بكين ستدخل في الحوار مع بلينكن لإبطاء بعض الإجراءات الأمريكية في مجال التكنولوجيا، بينما هناك من توقع تقدمًا في التعاون بشأن تغير المناخ، بسبب زيادة موجات الجفاف والفيضانات في البلدين.

وقال مايكل ديفيدسون، الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، إن الصين والولايات المتحدة لديهما مقاربتان متناقضتان لكيفية تغير المناخ، مضيفًا أنه إذا كان هناك مجال للتفاؤل في المحادثات المقبلة، فمن المحتمل أن يكون على روسيا.

 

هل تترك الصين روسيا؟

بينما قال سكوت كينيدي، كبير المستشارين أيضًا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنه يعتقد أنه من غير المرجح أن تنحرف الصين بعيدًا عن روسيا، مشيرًا إلى النشاط الاقتصادي الطبيعي والمراسلات مع حلفاء الولايات المتحدة مثل الهند.

ومن المتوقع أن يضغط بلينكن على نظرائه لمعالجة ما إذا كانت الشركات الصينية تقدم مساعدة غير مميتة للحرب الروسية في أوكرانيا، وهو الصراع الذي أعربت بكين عن تحفظات بشأنه، بعد تعهدها بشراكة "بلا حدود" قبل غزو موسكو.

وصرح بلينكن ومسؤولون أمريكيون -مرارًا وتكرارًا- بأنهم لا يرون أي دليل على تزويد الحكومة الصينية الكرملين بأسلحة أو مساعدة عسكرية مباشرة.