لماذا لا تستطيع باكستان هزيمة طالبان؟
باكستان في مأزق مرة أخرى... لماذا لا تستطيع إيقاف طالبان؟

ترجمات - السياق
سلط الانفجار الذي أوقع أكثر من 90 قتيلاً في مدينة بيشاور أمس الاثنين، الضوء على أسباب تزايد الهجمات الإرهابية في الدولة الآسيوية منذ وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021.
وتساءلت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، عن أسباب عدم هزيمة إسلام أباد لحركة طالبان باكستان، مشيرة إلى أن على الباكستانيين الاستعداد لأوقات صعبة.
كانت حركة طالبان باكستان أعلنت –الاثنين- مسؤوليتها عن تفجير مسجد في مدينة بيشاور، وفقًا لما ذكرته قناة جيو الباكستانية.
وترى المجلة الأمريكية، في تحليل للكاتب أروين راحي، المستشار السابق لحاكم ولاية بارفان الأفغانية، أن باكستان تعيش في مأزق كبير مع تزايد أعمال العنف، لافتة إلى أنه منذ عودة طالبان الأفغانية إلى السلطة في أغسطس 2021، شهدت باكستان تصاعدًا في أعمال العنف التي ترتكبها حركة طالبان باكستان (تي تي بي)، التي تستخدم أفغانستان كملاذ آمن.
خيبة أمل
ويرى راحي أن إحجام طالبان أفغانستان عن كبح جماح نظيرتها (طالبان باكستان) أو تسليمها لإسلام أباد، خيَّب آمال الباكستانيين، الذين احتفلوا بإسقاط حكومة أشرف غني الأفغانية، وتولي الحركة المتشددة السلطة.
وأشار إلى أنه بين عامي 2021 و2022، توسطت طالبان في وقف إطلاق النار بين الجيش الباكستاني وحركة طالبان باكستان، ومع ذلك أنهت حركة طالبان باكستان وقف إطلاق النار في نوفمبر 2022، وأمرت مقاتليها باستئناف هجماتهم.
أمام ذلك، يقترح صُناع القرار والرأي في باكستان ضرب "حركة طالبان باكستان" بشدة، لكن داخل الأراضي الباكستانية في البداية، وإذا لزم الأمر نقل الصراع إلى أفغانستان ذاتها.
لكن -حسب الكاتب- على صانعي القرار الباكستانيين أن يتذكروا أنهم حاولوا التفاوض والقتال مع "حركة طالبان باكستان" منذ إنشائها عام 2007، ولا يبدو أن أيًا من النهجين نجح في مصلحة باكستان.
لذلك -يضيف راحي- نظرًا لتجارب باكستان مع حركة طالبان الباكستانية، فإن أي حملة عسكرية من قِبل الجيش الباكستاني، من المرجح ألا تحقق نجاحًا استراتيجيًا طويل المدى، كما أن أفغانستان ليست في وضع يمكنها من مساعدة باكستان لحل هذه المشكلة.
ومن ثمّ، في هذه المرحلة "طالما أن خيارات باكستان محدودة بالنظر إلى الحقائق التاريخية والأرضية، فإنه ليس أمام الباكستانيين سوى التعايش مع حركة طالبان"، حسب قول الكاتب.
أفغانستان وتحدي طالبان باكستان
وفي ما يخص تعامل أفغانستان مع التحديات التي تمثلها طالبان باكستان، أراد راحي تذكير الباكستانيين بتاريخ تعامل كابل، خصوصًا في ظِل حكم طالبان أفغانستان، مع حركة (تي تي بي)، مشددًا على أن الأفغان لا يسلبون الحماية التي يقدمونها للآخرين، في إشارة إلى أن طالبان أفغانستان لا يمكن أن تتخلى عن دعمها لنظيرتها الباكستانية، مهما كانت التحديات.
وذكّر بأن حركة طالبان فضلت خسارة حكومتها عام 2001 على تسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة إلى الولايات المتحدة.
وبيّن أنه حتى في ذروة الحرب العالمية الثانية، بينما كانت أفغانستان محصورة بين البريطانيين والروس، لم تُسلم أفغانستان الألمان والإيطاليين للبريطانيين أو الروس.
إضافة إلى ذلك، قدمت أفغانستان الحماية لكل من البشتون الفارين من مناطق الأغلبية البشتونية في شبه القارة الهندية (الهند تحت الحكم البريطاني، وباكستان منذ عام 1947).
وأشار المستشار الأفغاني السابق، إلى أنه من حكم الأمير عبدالرحمن خان (1880-1901) إلى الرئيس محمد نجيب الله (1987-1992)، كانت سياسة الحماية أساسية للحكومات الأفغانية المتعاقبة.
كما استضافت أفغانستان مُنشقين باكستانيين من البلوش والسند، بما في ذلك أبناء وأتباع رئيس الوزراء الباكستاني السابق ذو الفقار علي بوتو.
وأوضح راحي، أن هذه الممارسة (سياسة الحماية) ساعدت أفغانستان في الحفاظ على نفوذها بين الباكستانيين، وممارسة الضغط على باكستان عند الضرورة.
وأفاد بأنه نظرًا لأن الأفغان لم يفقدوا اهتمامهم بالمناطق ذات الأغلبية البشتونية في باكستان، فإن مطالبة حركة طالبان باكستان بإعادة الوضع القبلي للمناطق القبلية، حيث تتمتع حركة طالبان باكستان بمزيد من الحكم الذاتي، تعد احتمالًا مُغريًا للغاية للأفغان.
تاريخيًا -يضيف الكاتب- تدخل الأفغان للدفاع عن حقوق قبائل البشتون في شبه القارة الهندية، مشددًا على أن استعادة المناطق القبلية كانت له فائدة عملية كبرى لأفغانستان، تتمثل في "نقل حركة طالبان باكستان والجماعات الإرهابية الأخرى من أفغانستان إلى المناطق القبلية".
روابط أيديولوجية
وأوضح راحي أنه إضافة إلى الروابط التاريخية، هناك أيضًا روابط أيديولوجية بين طالبان أفغانستان وحركة طالبان باكستان.
وأشار إلى أن حركة طالبان باكستان تعد زعيم طالبان أفغانستان، هبة الله أخوندزاده، زعيمًا لها، ومن ثمّ فإنه لا يمكن لأي زعيم لطالبان أن يسلم أتباعه وأنصارهم، الذين قاتلوا مع مقاتليه، إلى دولة أخرى مهما كانت الضغوط.
كما أن ادعاء حركة طالبان باكستان أنها تريد فرض الشريعة في المناطق القبلية، له صدى لدى قادة طالبان، الذين يزعمون أنهم حاربوا أيضًا لفرض الشريعة، وفق الكاتب.
وشدد المستشار الأفغاني السابق، على أنه لا يمكن لطالبان أيضًا أن تطرد حركة طالبان باكستان بالقوة، لافتًا إلى أن طالبان لا تريد انقسامات طائفية بين الحركتين، مهما كانت الدوافع.
كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت طالبان أفغانستان لديها القدرة على عمل عسكري ضد حركة طالبان باكستان، والأهم من ذلك، حتى لو كانت طالبان قادرة على ذلك، لن تقوم بأي عمل عسكري، لتفادي دفع هذه الحركة إلى تحالف مع "داعش".
أمام كل ذلك، استبعد الكاتب إقدام طالبان أفغانستان على محاربة نظيرتها الباكستانية، بناءً على طلب رسمي من حكومة باكستان، خصوصًا أن أعوانهم من البشتون لديهم أيديولوجية طالبان باكستان ويتبعون الزعيم نفسه.
علاوة على ذلك، فإن قبائل البشتون، الذين يشكلون الجزء الأكبر من طالبان باكستان، ويعيشون على الحدود الأفغانية الباكستانية، لديهم تاريخ طويل في مقاومة الغرباء، مثل المغول والبريطانيين والسوفييت وحلف شمال الأطلسي.
وأشار الكاتب إلى أن ما سماه "نضال البشتون" في المناطق الحدودية ضد البريطانيين، الذين حاربوا قرنًا، له أهمية خاصة، لافتًا إلى أنه رغم عشرات العمليات العسكرية وإنفاق عشرات الملايين من الجنيهات وخسارة عدد لا يحصى من الجنود، لم تستطع بريطانيا إخضاع قبائل البشتون مثل (المسعود والوزراء وأوركزيه ومهماند وأفريديس).
كانت الغارات القبلية -التي استبدلتها حركة طالبان باكستان بالكمائن والهجمات الانتحارية- على المدن والبلدات، بما في ذلك بيشاور، شائعة تحت حكم البريطانيين، الذين كانوا بالكاد قادرين على الخروج من معسكراتهم بعد الظلام.
على هذا النحو ، يشير التاريخ إلى أن العمليات العسكرية ضد قبائل البشتون، لن تؤدي إلا إلى زيادة مشكلات الجيش الباكستاني، إذ إنه من المحتمل أن تدافع القبائل عن شرفها وأرضها بأي ثمن.
لكن إذا اضطروا للتراجع، قد ينسحبون إلى أفغانستان لإعادة بناء صفوفهم، وبما أن رجال القبائل لا ينسون ولا يغفرون، فإنهم بمجرد أن يستعيدوا قوتهم سيعيدون غاراتهم ضد الجيش الباكستاني.
ويبين الكاتب أنه إضافة إلى أنها جماعة إرهابية، فإن حركة طالبان باكستان تعد قناة للتعبير عن الإحباط من الجيش الباكستاني واستمرار وجوده على الأراضي القبلية.
ويضيف: "فكرة أن الجيش الباكستاني يمكن أن يتعامل مع البشتون بشكل أفضل من الجيش الهندي البريطاني، لوجود عدد كبير من البشتون العرقيين تحتاج إلى إعادة تقييم"، منوهًا إلى أنه كان هناك عدد كبير من البشتون العرقيين في الجيش الهندي البريطاني أيضًا، كما شكل البريطانيون -مرات عدة- ميليشيات قبلية، من البشتون، لمواجهة زملائهم من رجال القبائل البشتون، ومع ذلك لم يساعد وجود البشتون على الجانبين في كبح العنف ذلك الوقت، ومن ثمّ لن يكون مفيدًا الآن.
علاوة على ذلك، يجب إعادة النظر في فكرة أن حركة طالبان باكستان لا تحظى بأي دعم شعبي في المناطق القبلية، إذ يبين الكاتب أنه، لعقود من الزمان ، تُكذب الحكومة الأفغانية ما يتردد بأن طالبان لا تحظى بدعم شعبي في أفغانستان.
في المقابل، تجد الحكومة الباكستانية أنه من المحرج والمكلف الاعتراف بأن حركة طالبان باكستان لديها دعم شعبي بين البشتون في باكستان.
ومن المفارقات أن الهدف الرئيس لحركة طالبان الباكستانية لفرض الشريعة، مشترك على نطاق واسع، خاصة من الدوائر الدينية، في باكستان.
تتمتع حركة طالبان باكستان، أيضًا، بدرجة كبيرة من الدعم الشعبي بين الأفغان، تمامًا كما تمتعت طالبان بالدعم الشعبي بين الباكستانيين، فإضافة إلى الروابط العِرقية واللغوية، يعتقد الأفغان أنه إذا تلقت طالبان دعمًا شعبيًا من باكستان لفرض الشريعة في أفغانستان، فلماذا لا تحظى حركة طالبان باكستان بشعبية من أفغانستان لفرض الشريعة في باكستان؟
المواجهة العسكرية
وفي ما يخص المواجهة العسكرية، بيّن راحي، أنه رغم خطورة الوضع الأمني واستمرار أعمال العنف، فإنه لا يوجد مخرج سهل لباكستان، لافتًا إلى أن الجيش الباكستاني قد يرغب في عمل عسكري ضد حركة طالبان باكستان، لكن لمواجهة ذلك ستعبر حركة طالبان باكستان إلى أفغانستان، وتنتظر الفرصة للعودة إلى باكستان، وشن هجمات عنيفة مجددًا.
أما السبب الثاني الذي يُصعب قيام الجيش الباكستاني بعملية عسكرية ضد طالبان، فهو أن الجيش الباكستاني -بشعاره الإيمان والتقوى والجهاد- متمركز حول الهند، ومن ثمّ من المستبعد اتخاذ قرار بمحاربة مقاتلي طالبان من المسلمين.
إضافة إلى ذلك، فإن سكان المناطق القبلية لن يقبلوا بشن الجيش الباكستاني أي عملية عسكرية ضد طالبان.
ويوضح الكاتب ذلك، بأن تدفق سكان المناطق القبلية بأعداد كبيرة للمشاركة في مسيرات حركة البشتون تحفوز (بي تي إم) ضد الحرب في المناطق القبلية مؤشر مهم على أن القبائل سئمت العمليات العسكرية للجيش الباكستاني.
ثالثًا -حسب الكاتب- قد يؤدي شن الحرب على "حركة طالبان باكستان" داخل أفغانستان إلى عواقب أمنية خطيرة طويلة الأمد على باكستان.
إذ إنه ردًا على ذلك، ستتوقف طالبان عن التعاون مع باكستان، ومن المرجح أيضًا أن تتحول طالبان من التسامح الضمني إلى الدعم النشط لكل من مقاتلي حركة طالبان باكستان ومقاتلي البلوش، الذين أوقفوا تمردهم خلال الفترة الأخيرة.
ويتابع راحي: "على باكستان أن تأخذ على محمل الجد مخاطر تعاون حركة طالبان باكستان مع المتمردين البلوش"، مشددًا على أن هذا التحالف من شأنه أن يسبب كارثة لباكستان، خاصة إذا تلقت دعمًا نشطًا من الهند.
رابعًا: قد تشعر باكستان بإغراء طلب الدعم من الولايات المتحدة ضد حركة طالبان أفغانستان، وحركة طالبان باكستان، خاصة في ما يتعلق بتنفيذ هجمات بطائرات من دون طيار في أفغانستان، لكن ما يصعب هذه المسألة أن هذه الطائرات أودت بحياة أبرياء لا حصر لهم، وأسهمت في الاستياء من أولئك الذين نفذوها وسهّلوها.
ويرى الكاتب أن أحد أهم أسباب شعور طالبان بالمرارة تجاه باكستان، تورط الأخيرة في هجمات الطائرات من دون طيار ضد الأولى.
محليًا، إذا كُشف عن تعاون باكستان مع الولايات المتحدة ضد أفغانستان، من المرجح أن تواجه السلطات الباكستانية رد فعل شعبي عنيفًا، خاصة داخل الأوساط الدينية، وستفقد الدعم لاتخاذ إجراءات قوية ضد حركة طالبان باكستان.
أخيرًا، لا تخشى طالبان أفغانستان إغلاق الحدود مع باكستان، لأنها يمكنها الاعتماد على إيران وآسيا الوسطى في التجارة.
وردًا على ذلك -حسب المستشار الأفغاني السابق- لن تسمح طالبان لباكستان بالتجارة مع آسيا الوسطى عبر أفغانستان، الأمر الذي يكلف باكستان عشرات الملايين من الدولارات سنويًا.