نظام إيران بين مطرقة الاحتجاجات وسندان العقوبات... لماذا لجأت طهران إلى القمع الرقمي؟

الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات جديدة على شركات المراقبة الصينية، بسبب مبيعاتها لقوات الأمن الإيرانية

نظام إيران بين مطرقة الاحتجاجات وسندان العقوبات... لماذا لجأت طهران إلى القمع الرقمي؟

السياق

تجدد الاحتجاجات، تزايد الاعتقالات، أحكام «قاسية» بحق المتظاهرين وإضراب السجناء السياسيين عن الطعام في السجون... ملامح غضب يتجدد مع إشراقة كل شمس في إيران، رفضًا لاستمرار النظام الإيراني.

ذلك الغضب، الذي انطلق في احتجاجات وتظاهرات عارمة منذ منتصف سبتمبر الماضي، وُصفت بـ«التحدي الأكبر»، تنديدًا بقتل الشابة الكردية مهسا أميني، على يد ما تعرف بـ«شرطة الأخلاق»، مازال حاضرًا، رغم مرور قرابة 5 أشهر على اندلاعها.

فما جديد الاحتجاجات؟

كانت مدن إيرانية عدة على موعد الجمعة مع احتجاجات انطلقت ضد النظام والمرشد علي خامنئي، رافعة شعارات «يسقط النظام، الموت للديكتاتور»، بحسب مقاطع فيديو تداولها مغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب وسائل إعلام إيرانية معارضة، فإن محتجين هرعوا إلى الشوارع في مدينة سنندج وأضرموا النار وسط هتافات ضد النظام والمرشد علي خامنئي، بينما انطلق متظاهرون في العاصمة طهران، ضد النظام.

ومن العاصمة إلى مدينة رشت الواقعة في مركز محافظة جيلان شمالي إيران، انطلقت احتجاجات ضد النظام الإيراني، بالتزامن مع احتجاجات في محافظة إيلام الكردية غربي البلد الآسيوي.

يأتي ذلك، بينما قالت صحيفة إيران إنترشيونال المعارضة، إن الاعتقالات والعقوبات القاسية ضد المتظاهرين والضغط على السجناء السياسيين ما زالت مستمرة، بالتزامن مع المخاوف المتزايدة بشأن صحة السجناء المضربين عن الطعام في سجون إيران.

وقال موقع هرانا الإخباري، إن العضو السابق في مجلس بلدية أصفهان مهدي مقدري، المسجون بتهمة «الدعاية ضد النظام»، أضرب عن الطعام في سجن دستغرد، احتجاجًا على معارضة إطلاق سراحه بشكل مؤقت.

وتقول «إيران إنترشيونال»، إن الاعتقالات والتعذيب والضغط على السجناء السياسيين يتزايد، مشيرة إلى نقل المحامي مصطفى نيلي والسجين السياسي سهيل عربي، من سجن طهران إلى سجن رجائي شهر في كرج.

إجراءات ضد غير المحجبات

يأتي ذلك، بينما أعلن رئيس اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني موسى غضنفر آبادي، إرسال رسالة نصية قريبًا لمن لا ترتدي الحجاب، مشيرًا إلى أنها إن أصرت على موقفها سيتم تغريمها، وحظر بطاقتها الوطنية، حتى تدفع الغرامة.

المسؤول الإيراني قال إن السلطات ستمنع عن غير المحجبة الخدمات الاجتماعية، حتى دفع الغرامة وارتداء الحجاب، مشيرًا إلى أن قانون مراقبة عدم ارتداء الحجاب في السيارات، على جدول الأعمال، على أنه ترسل بشكل مكرر رسائل نصية لمن لا يلتزمن.

ولم تكتفِ السلطات الإيرانية بذلك، بل أعلنت عن مشروع قانون جديد، يحدد من لا ترتدي الحجاب في الشوارع والأماكن الأخرى، على أن يكشف عنهن من خلال «منظومة رصد»، بحيث يمكن تسجيل المخالفات.

عقوبات أمريكية

في محاولة من أمريكا والدول الغربية لتطويق إيران ومعاقبتها على «قمع» الاحتجاجات، كشفت «وول ستريت جورنال»، السبت، أن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات جديدة على شركات المراقبة الصينية، بسبب مبيعاتها لقوات الأمن الإيرانية، مشيرة إلى أن السلطات الإيرانية تعتمد -بشكل متزايد- على التكنولوجيا لقمع الاحتجاجات.

وتجري السلطات الأمريكية مناقشات متقدمة بشأن العقوبات، وفقًا لمسؤولين مطلعين، قالوا إنها ركزت على "تياندي" للتكنولوجيا، وهي شركة لتصنيع معدات المراقبة ومقرها مدينة تيانجين شرقي الصين، بيعت منتجاتها إلى وحدات من الحرس الثوري الإيراني. 

وتظهر بيانات الجمارك الصينية أن صادرات معدات تسجيل الفيديو إلى إيران قفزت العام الماضي، وسط احتجاجات حاشدة أشعلتها وفاة مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى الشرطة بزعم انتهاك قواعد اللباس الصارمة لإيران.

وتقول جماعات حقوق الإنسان، إن الشرطة الإيرانية بدأت استخدام تقنية مراقبة متطورة، بالاشتراك مع رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية لمواجهة الاحتجاجات، حيث أصبح المتظاهرون أكثر ذكاءً في عروض التحدي.

وأشارت «وول ستريت جورنال»، إلى أن قوات الأمن الإيرانية تخطط لاستخدام التكنولوجيا الصينية، لاكتشاف اللاتي لا يرتدين الحجاب ومعاقبتهن.

وعرضت الشرطة في طهران على التلفزيون الرسمي استخدام كاميرات مراقبة شبكية لمعرفة المتظاهرين ومتابعتهم واعتقالهم، بحسب الصحيفة الأمريكية. 

وأثار الدور المتزايد لشركات التكنولوجيا الصينية بمساعدة إيران في تضييق الخناق على المعارضة تدقيقًا متزايدًا من واشنطن، حيث زاد قلق المسؤولين من صادرات بكين من أدوات المراقبة.

وقال المسؤولون إن وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكية تدرسان العقوبات المفروضة على «تياندي»، مشيرين إلى أنه إذا جرى تنفيذ هذه الخطوة، فقد تعرض الشركة لخطر الانقطاع عن النظام المالي الأمريكي وتعطيل قدرتها على ممارسة الأعمال التجارية بالدولار الأمريكي.

وعيد أمريكي

ورفضت وزارة الخارجية التعليق على احتمال فرض عقوبات على شركات المراقبة الصينية، إلا أنها قالت، في بيان: «لن نتردد في تحميل الأشخاص والكيانات المسؤولية عن دعم انتهاكات حقوق الإنسان من الصين وإيران مع كل أداة في صندوق أدواتنا».

باعت منصة المراقبة «تياندي»، كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة ومعرفة الوجه وغيرها من القدرات التحليلية المتطورة إلى وحدات من الحرس الثوري الإيراني والباسيج، في بلدات خارج طهران، وفقًا لموزع الشركة الإيراني، بحسب «وول ستريت جورنال»، التي قالت إن كلتا المجموعتين لعبتا دورًا رئيسًا بقمع الاحتجاجات في الشوارع.

وأبلغت شركة أبحاث صناعة المراقبة الأمريكية لأول مرة عن تعاملات «تياندي» التجارية مع إيران نهاية عام 2021، بينما لم تعترف الحكومة الإيرانية بشراء معدات المراقبة الصينية، رغم أن المشرِّعين الإيرانيين قالوا إن كاميرات المراقبة المثبتة لمراقبة حركة المرور سيعاد استخدامها لفرضها. 

وتعد الصين موطنًا لأكبر صناعة للمراقبة بالفيديو وأكثرها تقدمًا في العالم، بينما سوقت بكين أنظمة التتبع الرقمية في البلاد بقوة للحكومات الأخرى، كحل جاهز لقضايا الأمن مثل الجريمة العنيفة والإرهاب.

قمع رقمي

وقال ستيفن فيلدشتاين، الزميل البارز في مركز أبحاث كارنيغي للسلام الدولي، إن الأدلة ضعيفة على أن هذه الأنظمة فعالة في معالجة الجريمة، مشيرًا إلى أنه حتى لو كانت الحكومات غالبًا ما تستخدم ذلك كذريعة لتركيب معدات المراقبة. 

وأضاف: «من الأسهل بكثير تبرير شراء أنظمة مراقبة للحفاظ على النظام العام، بدلاً من الاعتراف بالحصول عليها للقمع السياسي».

ماذا عن "تياندي"؟

ووفقًا لموقعها على الإنترنت، باعت «تياندي» المملوكة للقطاع الخاص، التي تأسست عام 1994، كاميراتها ومنتجات المراقبة الأخرى إلى أكثر من 60 دولة ومنطقة، بما في ذلك كوريا الجنوبية وتركيا وهولندا والمملكة المتحدة.

ووضعت وزارة التجارة الأمريكية "تياندي" على قائمة التصدير السوداء في ديسمبر الماضي، مستشهدة بالمبيعات للحرس الثوري الإيراني. 

وقالت شركة تابعة لـ "تياندي" في شينجيانغ، عبر موقعها على الإنترنت، إنها توفر أنظمة مراقبة بالفيديو بالمنطقة في خدمة صيانة السلامة والاستقرار.