عين إيطالية على ليبيا... ما أسباب اهتمام حكومة ميلوني بطرابلس؟
يقول المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ -السياق-، إنه بات واضحًا أن الحكومة الإيطالية الجديدة بقيادة جورجيا ميلوني، أعادت الملف الليبي إلى قائمة أولوياتها.

السياق "خاص"
على وقع الأزمة الليبية التي لم تجد حلًا، رغم مرور 12 عامًا على اندلاعها، حاولت القوى الغربية والأوروبية الدخول على مسارها، لتحقيق أهدافها وتأمين مصالحها في البلد الإفريقي.
فمن استيراد الغاز وعقود التنقيب، مرورًا بالنفط، إلى منع تدفق الهجرة غير القانونية وعقود إعادة الإعمار، مصالح أوروبية وغربية وإن اختلفت، إلا أنها التقت على المائدة الليبية، ما دفع كل دولة إلى العزف منفردة على وتر الأزمة الليبية، أملًا بأن يجد إيقاعها الخاص صدى لدى فرقاء البلد الإفريقي.
ذلك الإيقاع الخاص كان ثغرة الدخول إليه، التناحر السياسي بين حكومتين إحداهما انتهت ولايتها وترفض تسليم السلطة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، حتى إنها عُرفت بحكومة الأمر الواقع، وأخرى مُنحت ثقة البرلمان، إلا أنها عاجزة عن تسلُّم مهامها بشكل رسمي، حتى عُرفت بـ«حكومة على الورق».
شرعية حائرة
وبين هاتين الحكومتين، اختلفت مواقف الدول الأوروبية والغربية، فرغم أن تلك البلدان لا ترجح شرعية إحداهما على الأخرى، فإنها تتعامل مع حكومة الدبيبة منتهية الولاية، بشكل يوحي بأنها تعدها شرعية، من دون تجاهل لتلك التي يرأسها باشاغا.
وعلى هذا الوتر، كانت إيطاليا برئيسة حكومتها الجديدة جورجيا ميلوني تعزف منفردة، محاولة الاستئثار بكعكة الدبيبة وعدم إغلاق الباب أمام باشاغا، فوقعت -قبل أيام في طرابلس- اتفاقًا للتنقيب عن النفط والغاز وُصف بالتاريخي، بينما تستعد لافتتاح قنصليتها في بنغازي.
حكومة إيطاليا لم تكتفِ بذلك، بل حاولت الدخول على خط الدول الإقليمية المؤثرة في الأزمة الليبية، التي ترفض أغلبيتها حكومة الدبيبة، أبرزها مصر، بوفد رفيع المستوى إلى القاهرة لبحث قضايا عدة، كانت ليبيا على رأسها.
تلك الزيارة قالت عنها رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بمجلس الشيوخ الإيطالي ستيفانيا كراكسي، إن بلادها ومصر متوافقتان على استقرار ليبيا.
وأوضحت كراكسي، على هامش زيارتها للقاهرة، أن مصر وإيطاليا تعملان لضمان أن تصبح ليبيا دولة مستقرة، بحكومة يختارها الليبيون.
أولويات إيطالية
بدوره، يقول المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إنه بات واضحًا أن الحكومة الإيطالية الجديدة بقيادة جورجيا ميلوني، أعادت الملف الليبي إلى قائمة أولوياتها.
وأوضح المحلل الليبي أن تلك الحكومة، التي تعد ذات توجه يميني متطرف، تتعامل مع ليبيا «كأنها لاتزال مستعمرة إيطالية»، مشيرًا إلى أن الملاحظ في التحركات الإيطالية «التنسيق المسبق» لتحركاتها مع الدول الفاعلة والمتداخلة في ليبيا.
وأكد المحلل الليبي، أن إرسال وفد إلى مصر وتركيا، يمنح مؤشرًا على أن روما تريد العودة إلى ليبيا بشكل أكثر وضوحًا، مشيرًا إلى أن الهدف الإيطالي واضح للجميع، فالكل يعلمون أن روما تمتلك قاعدة في مصراتة، إضافة إلى توقيعها -قبل أيام- عقدًا مع المؤسسة الوطنية للنفط.
اتفاقية الغاز بين إيطاليا وليبيا... هل تؤدي إلى حرب غاز في المتوسط؟
متغيرات جديدة
وأشار إلى أن تلك التحركات تهدف روما من ورائها إلى الدخول في أية تسوية سياسية مستقبلية، لتكون لها سيطرة على الحكومة المقبلة، إن جرى تغيير الحكومة، مؤكدًا أن روما تبحث عن مصالح وعقود أكبر في ليبيا، لانتشال نفسها من الحالة الاقتصادية الهشة التي تعيشها البلاد.
وعن تصريح كراكسي، بأن بلادها ومصر متوافقتان على استقرار ليبيا، رغم أن رؤية البلدين مختلفة تجاه حكومة الدبيبة، قال المحلل الليبي، إن ذلك التصريح يجب ربطه بالتسريبات والمتغيرات الجديدة في ليبيا، التي تؤشر إلى قرب تغيير الحكومة التي تخسر دعمها الدولي شيئًا فشيئًا.
وأشار إلى أن إيطاليا لا تدعم حكومة الدبيبة، لكن أي حكومة ترعى مصالحها، مؤكدة أنه حال وجود حكومة ترعى مصالحها، فهي لا يهمها الدبيبة ولا غيره، خاصة أن المشهد الليبي يسير نحو تغيير الحكومة، وهو أمر اتفق عليه، بعد فشل عقد اجتماع وزراء الخارجية العرب في طرابلس.
«ابتزاز» ليبيا
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن حكومة اليمين المتطرف الإيطالية، بعد أن نجحت في «ابتزاز الاتحاد الأوروبي وحصلت منه على مئات الملايين من اليوروهات واستطاعت تسييس قضية الهجرة وإخراجها من مسألة حقوقية، تسعى لابتزاز حكومة عبدالحميد الدبيبة وتحقيق مكاسب جديدة في ما يتعلق بتدفقات الغاز والنفط الليبي وبأسعار زهيدة»، على حد قوله.
وأوضح المحلل الليبي، أن إيطاليا تعمل على فتح معسكرات على الأراضي الليبية، لإعادة المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها، مشيرًا إلى أن حكومة ميلوني تحاول للوصول إلى ذلك الهدف «أبشع أنواع الابتزاز»، بـ«استغلالها الانقسامات الليبية ودعم حكومة لم تعد تحظى بالشرعية»، على حد قوله.
وأشار إلى أن اليمين المتطرف الإيطالي مولود جديد للفكر الإيطالي «الفاشيستي» الذي قاده موسليني، والذي تسبب في «إبادة جماعية لليبيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي».
سر الزيارة
وأكد المحلل الليبي، أنه لإنجاح المساعي الايطالية في «ابتزاز» ليبيا وتحقيق أحلام الأحزاب اليمينية الأوروبية، توجب على إيطاليا الذهاب إلى مصر، في محاولة لمنعها من إيقاف المخططات «الفاشستية» لحكومة ميلوني، التي توقع أن تفشل في تحييد مصر التي ترى أيضًا هذا التهديد الإيطالي للجهود التي تقودها لحل الأزمة الليبية.
وأوضح المحلل الليبي، أن الخطوة الإيطالية جاءت لتعرقل جهود مصر المتقدمة في جمع الأطراف الليبية، على حل يفضي لانتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة، وهو ما تخشاه إيطاليا وتعده لا يخدم مصالحها المتطرفة.
وأكد المحلل الليبي، أن زيارة الوفد الإيطالي لمصر تهدف لجس نبض القاهرة حيال تحرك روما، وخاصة وأنه مكون من هيئة تشريعية وليس تنفيذية، ما يجعل من تصريحاته ليست معبرة بالشكل الكافي عن رأي الحكومة الإيطالية.
وأشار إلى أن مصر لا توافق إيطاليا على استمرار حكومة الدبيبة والتي تعتبر العقبة الأساسية لأي حل مرتقب في ليبيا وخصوصا الجهود المصرية الأخيرة التي حظيت بدعم أمريكي واضح.
مصالح كبيرة
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن إيطاليا لديها مصالح كبيرة في ليبيا بحكم «الإرث الاستعماري والتقارب الجغرافي»، مشيرًا إلى أن هذه المصالح على رأسها موضوع الغاز والذي تستحوذ إيطاليا علي أكثر من 80% من الغاز الليبي.
وأوضح المحلل الليبي، أنه بينما إيطاليا شريك أساسي في مجال الغاز مع ليبيا، فإن هذا أمر يوجه بوصلتها نحو الدفاع عن مصالحها وبقوة في ليبيا، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي غير المستقر يصب في مصلحة روما، لأن الدبيبة بحاجة لدعم من أجل الاستمرار، فيما إيطاليا بحاجة إلى حماية مصالحها.
وأشار إلى أن مصلحة إيطاليا هو بقاء الدبيبة لأطول فترة ممكنة حتى تتمكن روما من «تكبيل الدولة اللييية بعدد من الاتفاقيات الملزمة والتي تضمن المصالح الإيطالية»، مؤكدًا أن دولة إيطاليا «تتعايش وبشكل مريح مع هذا الوضع اللييي غير المستقر».
وأشار إلى أنه بينما تردد إيطاليا أنها تريد إجراء انتخابات، إلا أن ذلك مجرد فقاعات إعلامية؛ فروما ومعها دول أخرى تخشى من وجود حكومة وطنية في ليبيا مختارة من الشعب تعيد النظر في كل الاتفاقيات المبرمة معها.