لماذا يرفض بايدن تسليم مقاتلات إف 16 لأوكرانيا؟

وفقًا للسيناريو المعتاد، تقول إدارة بايدن في البداية: لا، ثم يسارع المسؤولين الأمريكيين لتأكيد أن لا قد تكون مؤقتة

لماذا يرفض بايدن تسليم مقاتلات إف 16 لأوكرانيا؟

ترجمات - السياق

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن عدم موافقة الولايات المتحدة على تسليم أوكرانيا مقاتلات إف16، قد يكون قرارًا مؤقتًا، مشيرة إلى أن هناك سيناريو بين واشنطن وحلفائها من جهة، وكييف من جهة أخرى، يبدأ بـ"لا" لأي طلب للأخيرة، ثم تتطور الأمور حتى تصل لمرحلة التسليم.

كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قال مؤخرًا، إن بلاده لن تزود أوكرانيا بمقاتلات إف16 لمساعدتها في التصدي للعمليات العسكرية الروسية.

وردًا على سؤال لصحفيين في البيت الأبيض، عما إذا كان يؤيد إرسال هذه المقاتلات إلى كييف، كما طلب منه ذلك عدد من القادة الأوكرانيين أجاب بايدن: "كلا".

كانت دول غربية قد وافقت مؤخرًا على تزويد أوكرانيا بدبابات متطورة، تعد الأقوى في جيوش دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد رفض تسليمها.

ومنح هذا الدعم الأمل لكييف بحصولها قريبًا على طائرات حربية من طراز إف16 لتعزيز قواتها الجوية، لكن القضية لا تزال قيد البحث في الغرب.

فما أن تحصل أوكرانيا على سلاح "نوعي" من حلفائها الغربيين، حتى تمر إلى المطالبة بمعدات وقطع عسكرية أخرى، فبعدما وافق الداعمون، مؤخرًا، على إرسال دبابات، صارت كييف تضغط للحصول على طائرات مقاتلة، وسط رفض صريح من واشنطن وبرلين ولندن، فهل يتحول هذا الرفض إلى موافقة، كما حدث مع الدبابات؟

وبينت الصحيفة الأمريكية، أن ما سمته (دليل اللعبة) بين أوكرانيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في "الناتو" من جهة أخرى، بات واضحًا، إذ تبدأ (اللعبة) بطلب كييف نظام أسلحة متقدمًا، ثم تقول إدارة بايدن لا، قبل أن تقترح أن تحصل أوكرانيا على النوع نفسه من الأسلحة من جيرانها الأوروبيين.

ثم تأتي الخطوة التالية، بأن تعلن دول "الناتو" في أوروبا، رفضها الالتزام بإرسال أي شيء إلى أوكرانيا، من شأنه أن يستفز روسيا، ما لم تكن الولايات المتحدة معهم في ذلك، ومن ثمّ بعد أشهر من التضييق والتشدق، تعود إدارة بايدن لتقول "نعم" ، وبذلك تصبح البوابات مفتوحة لمزيد من الأسلحة المتطورة.

 

أمثلة

واستشهدت "نيويورك تايمز" بأمثلة واضحة على وجهة نظرها، تتمثل في "أنظمة الدفاع الجوي"، مشيرة إلى أنه عندما قرر الرئيس بايدن أواخر ديسمبر إرسال بطارية باتريوت إلى أوكرانيا، أعلنت ألمانيا وهولندا بعد ذلك أنهما سترسلان أيضًا قاذفات صواريخ باتريوت.

كذلك كان الأمر مع المركبات القتالية المدرعة، حيث فتحت فرنسا وألمانيا مخازنهما بمجرد أن أشارت إدارة بايدن في يناير الماضي إلى أنها سترسل دبابات برادلي إلى كييف، وهو ما انطبق مع الدبابات، حيث وافقت ألمانيا على إرسال دبابات ليوبارد2 بمجرد موافقة إدارة بايدن على إرسال دبابات أبرامز الأمريكية.

والآن يدور الحديث عن الطائرات المقاتلة، التي باتت أحدث عنصر في قائمة أمنيات الاستحواذ الأوكرانية.

وأشارت إلى أن كييف طلبت عشرات من طائرات إف16، وهي طائرة مقاتلة ذات محرك واحد تم تطويرها في السبعينيات من شركة الدفاع الأمريكية "جنرال ديناميكس" والقوات الجوية الأمريكية.

ولفتت إلى أنه بعد مرور ما يقرب من 50 عامًا على تصنيعها، لا تزال القوات الجوية الأمريكية تستخدم طائرات إف16، وكذلك القوات الجوية في مجموعة من الدول الشريكة للولايات المتحدة.

وأوضحت الصحيفة، أن أوكرانيا تسعى للحصول على منظومة الدعم الجوي وعلى رأسها مقاتلات إف16، كمحاولة لاستعادة المدن والبلدات التي تحتلها روسيا في الشرق والجنوب، فضلًا عن حماية باقي المدن من القصف الجوي الروسي المستمر.

ولكن وفقًا للسيناريو المعتاد، تقول إدارة بايدن في البداية "لا"، ثم يسارع المسؤولين الأمريكيين لتأكيد أن "لا" قد تكون مؤقتة، حسب الصحيفة الأمريكية.

فبعد أن قال بايدن "لا" عندما سأله أحد الصحفيين، الاثنين الماضي، عما إذا كانت الولايات المتحدة ستقدم مقاتلات إف16 إلى أوكرانيا، تابع كبار المسؤولين المحادثات بسرعة بعد ذلك، وقال بعضهم إن "لا" التي أعلنها بايدن لن تمنع الإدارة الأمريكية من اتخاذ قرار بتقديم هذه المقاتلات لكييف، أو على الأرجح، التوصل إلى اتفاق يسمح لدولة أخرى بإرسال طائرات إف16 الأمريكية الصُنع إلى أوكرانيا.

وبالفعل، أعلن منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، الثلاثاء، أن الإدارة الأمريكية، بصرف النظر عن مقاتلات إف16 تورد كميات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا.

وقال كيربي في حديث لقناة سي إن إن: "يمكنني القول إنه تورد حاليًا كميات كبيرة من الأسلحة وسيستمر توريدها في الأسابيع والأشهر المقبلة، والحديث يدور عن أنواع الأسلحة التي كما نعرف ستكون لها أهمية كبيرة في مساعدة القوات الأوكرانية بالمعارك الحالية في الشتاء، وكذلك في المعارك التي نتوقع أن تكون في الربيع المقبل".

وأضاف: "نتحدث باستمرار مع الأوكرانيين، ومع حلفائنا وشركائنا بشأن القدرات التي تحتاجها القوات الأوكرانية".

 

إصرار أوكراني

في المقابل، هناك إصرار أوكراني بشأن الحصول على مقاتلات إف16، وهو ما قد ينتهي بموافقة أمريكية، وحسب "نيويورك تايمز"، فإن أوكرانيا تلح في مطالبة حلفائها الغربيين بطائرات مقاتلة تستطيع إحداث واقع جديد على أرض المعركة.

كانت الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، قد ترددت طوال أشهر قبل إرسال دبابات إلى أوكرانيا، وسط تحذيرات مستمرة من موسكو التي تنبه إلى أن التمادي في الدعم يزيد خطر الاصطدام المباشر مع "الناتو".

ويحتدم نقاش الطائرات المقاتلة، بينما يستعر القتال في باخموت، في حين تسعى القوات الروسية إلى تطويق المدينة الواقعة شرقي أوكرانيا.

ورغم هذا التردد الأمريكي، يبدو أن فرنسا وبولندا لا تستبعدان هذه الخطوة من قائمة الخيارات الممكنة، رغم مغبة إثارة حفيظة موسكو.

فعندما سُئل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إمكانية إرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا، ألمح إلى أنه لا يستبعد الخطوة، بحسب ما نقلت وكالة أسوشيتد برس.

في الوقت نفسه، تحدث مدير مكتب الرئاسة الأوكرانية، أندري يرماك، عبر "تيليغرام" عن إشارات إيجابية من بولندا، لمواصلة العمل للحصول على طائرات إف16.

وقال يرماك - وهو أحد مستشاري الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي- إن "العمل على الحصول على مقاتلات إف16 مستمر"، مضيفًا أن أوكرانيا شهدت "إشارات إيجابية من بولندا، وهي جاهزة لنقلها بالتنسيق مع حلف الناتو ".

وذهب وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، إلى حد وصف الحصول على مقاتلات إف 16 بالأولوية في خضم الحرب الحالية.

لكن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين يقولون إنه من المرجح أن تأتي هذه التحويلات من الدنمارك أو هولندا.

ونقل موقع الأخبار الهولندي إن إل تايمز، عن وزير الخارجية فوبكه هويكسترا، قوله الشهر الماضي، إن مجلس الوزراء الهولندي سينظر في طلب من كييف لشراء طائرات إف16 "بذهن متفتح".

بينما أعلن رئيس الوزراء الهولندي، مارك روتي، أن بلاده لم تتلق طلبًا رسميًا من أوكرانيا لتزويدها بمقاتلات إف16، لكنها مستعدة للنظر في ذلك.

وقال روتي في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لاهاي: "بالنسبة لمقاتلات إف16، لم نتلق هذا الطلب من أوكرانيا، لكن إذا حدث، ستكون هذه مرحلة مهمة، سننظر في الأمر ونتشاور مع حلفائنا".

كما صرح ماكرون، بأن تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة لتعزيز قدرتها على التصدي للقوات الروسية "غير مستبعد".

يذكر أن هولندا تمتلك قرابة 40 طائرة من طراز إف16، إلا أنها ستنتقل إلى المقاتلة الأكثر تقدمًا من طراز إف35 (التي صنعتها أيضًا شركة لوكهيد مارتن)، لذا فإن إرسال بعض طائرات إف16 إلى أوكرانيا سيكون منطقيًا، على حد قول المسؤولين الأمريكيين.

لكن -وفق الصحيفة الأمريكية- يجب أن توافق حكومة الولايات المتحدة على مبيعات أو نقل طائرات إف16 من الدول الشريكة إلى دول خارجية أولًا، ما يعني أن أي عضو في "الناتو" يرغب في إرسال طائرات مقاتلة أمريكية الصُنع إلى أوكرانيا، يجب أن يحصل أولاً على الضوء الأخضر من إدارة بايدن.

 

نمط متكرر

ولتأكيد السيناريو المحتمل الذي يبدأ بالرفض، ثم الانتقال إلى القبول، نقلت "نيويورك تايمز" عن إيفلين فاركاس، كبيرة مسؤولي البنتاغون في أوكرانيا خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، قولها: " النمط نفسه يتكرر.. فإذا قلنا إننا سنوفر فئات من المعدات العسكرية، فإن حلفاءنا لاشك سيفعلون ذلك"، مضيفة: "يبدو أنهم خائفون للغاية من أن توجه روسيا غضبها إلى أي من دول الناتو".

وأشارت الصحيفة إلى أنه في حالة دبابات أبرامز ، كان مجرد الإعلان الأسبوع الماضي عن إرسال الولايات المتحدة لها كافيًا لإعلان ألمانيا موافقتها الرسمية على إرسال دبابات ليوبارد2 لأوكرانيا، لافتة إلى أنه رغم أن البنتاغون يقول إن أبرامز قد لا تصل إلى ساحة المعركة قبل أشهر، إن لم تكن سنوات، فإن المسؤولين يقرون بأن تعهد بريطانيا بإرسال دباباتها من طراز تشالنغر لم يكن كافيًا لتغيير الموقف الأوروبي تجاه هذه القرارات الصعبة.

ونقلت عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية قولهم: إدارة بايدن تعد حزمة أسلحة جديدة لأوكرانيا، ومن المتوقع أن تشمل الحزمة، التي تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار، صواريخ بعيدة المدى، لكن من المرجح ألا تُسلم لأشهر عدة، إن لم تكن سنوات.

وأوضحوا أن الأسلحة الأكبر والأفضل التي تم التعهد بها، لكن لم يتم تسليمها على الفور، لا تزال تخدم غرضًا يتمثل في إيصال رسالة إلى روسيا، مفادها أن الجيش الأوكراني، المحصن بالمقاتلات والدبابات، يمكنه -في غضون عام على الأرجح- شن هجمات مضادة لاستعادة الأراضي التي استولت عليها موسكو.

وتعليقًا على ذلك، نقلت الصحيفة الأمريكية عن الجنرال مايكل فانتيني -وهو لواء متقاعد استخدم المقاتلة إف16 خلال حرب العراق- قوله: "نظرًا لأن العديد من حلفاء الولايات المتحدة لديهم طائرات إف16، فإن نقلها إلى أوكرانيا قد يكون سلسًا".

ووصف المقاتلة بأنها "الأكثر قدرة على المناورة"، مشددًا على أنها يمكنها أن تقدم "مساهمة كبيرة" في ساحات القتال، وإحداث تغير نوعي لصالح كييف.

من جانبه، قال يوري إيهنات، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، في إفادة الأسبوع الماضي، إن الطيارين الأوكرانيين سيستغرقون أسبوعين لتعلم كيفية الطيران بالمقاتلات ولكن "قرابة ستة أشهر" لإتقان كيفية القتال بالطائرة.

ونقل موقع أوكرانيسكا برافدا، الثلاثاء، عن إيهنات، قوله إن كييف بحاجة إلى 200 مقاتلة متعددة المهام، مثل إف16، لتتمكن من الدفاع عن أجوائها.

وأضاف أن روسيا تتفوق على أوكرانيا من 5 إلى 6 أضعاف حاليًا، في ما يتعلق بالطائرات الحربية.

وتعد طائرات "إف16 فايتنغ فالكون" المقاتلة الأمريكية الصنع، من أكثر الطائرات المقاتلة موثوقية في العالم، وتستخدمها دول أخرى، بينها بلجيكا وباكستان.