اجتماع تنظيمات إرهابية في مالي... هل يجر المنطقة إلى حرب جديدة؟

قدم في مالي والأخرى بجيرانها.. باماكو رهينة الأزمات وضحية الجماعات الإرهابية

اجتماع تنظيمات إرهابية في مالي... هل يجر المنطقة إلى حرب جديدة؟

السياق "خاص"

على وطأة الأزمات السياسية وعدم الاستقرار الذي تشهده بلدان إفريقية، تنتشر التنظيمات الإرهابية في القارة السمراء، متخذة من غياب الدولة وضعف دورها في عديد من المناطق، ثغرة للنفاذ إلى مفاصل البلد الذي تريد أن تستوطنه.

ذلك الانتشار الإرهابي في إفريقيا، خاصة منطقة الساحل والصحراء، كان مدفوعًا بعوامل عدة، أبرزها ضعف القبضة الأمنية لعديد من الدول الإفريقية على حدودها، الأمر الذي يمنح حرية الحركة لهذه الجماعات، والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والفساد، إضافة إلى تزايد الفقر.

أوضاع وُصفت بـ«المأساوية» جعلت كثيرين من الشباب بين خيارين، إما الهجرة غير القانونية، وإما الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، التي تستغل حاجة هذه الفئة إلى الأموال، وتجندها في صفوفها، لتكون كالخنجر المسموم في ظهر الدولة.

تلك الأوضاع مكنت تنظيمات إرهابية عدة من مد نفوذها في بلدان إفريقية، خلال النصف الثاني من عام 2022، لا سيما في مالي وتشاد والنيجر والكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو ونيجيريا والصومال.

ونتيجة انتشار تلك التنظيمات، تزايدت العمليات الإرهابية خلال عام 2022، التي اكتوت بنارها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، إذ سقط في البلدان الثلاثة نحو ألفي شخص العام الماضي، لتتصدر قائمة بلدان المنطقة، من حيث ضحايا الإرهاب.

ذلك الخطر الكامن الذي تحول إلى واقع يستدعي تدخلًا عاجلًا، باستراتيجيات فاعلة لمكافحة الإرهاب، وتوفير الأطر التي تزود القوات الأمنية بأحدث المعلومات الاستخباراتية، التي تحدد طبيعة الجماعات الإرهابية ومصادر تسليحها وتمويلها، دق جرس إنذار من تحول في المشهد، قد تكون مالي أول البلدان التي تتجه نحوه.

فكيف ذلك؟

8 فبراير الجاري، عُقد اجتماع استمر يومين، بين فرع تنظيم القاعدة ومحسوبين على «داعش»، بعدد من أعضاء الجماعات السياسية المسلحة في كيدال شمالي مالي.

وبحسب تقرير أمني، فإن أمير جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (فرع القاعدة) إياد أج جالي، التقى جماعات الطوارق المسلحة ومقاتلي داعش، لإبرام اتفاق عدم اقتتال بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (القاعدة) و«داعش»، والجماعات المسلحة في تلك المنطقة.

ذلك الاجتماع، قالت عنه مصادر موريتانية، في تصريحات لـ«السياق»، إنه ليس جديدًا على القاعدة تحديدًا، إذ إن زعيمها في بلاد المغرب الإسلامي الراحل عبدالمالك دروكدال وخليفته أبو عبيدة يوسف العنابي، حاولا الضغط للتقارب مع السكان.

إلى ذلك، قال الباحث المغربي في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، الدكتور محمد الطيار، في تصريحات لـ«السياق»، إن اجتماع الحركات الكبيرة في منطقة إزواد، التي سبق أن أعلنت استقلالها عام 2012، عقب سقوط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، يعد حدثًا مهمًا.

ضم الاجتماع، الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد والحركة العربية الإزوادية، إضافة إلى حركات «إرهابية»، منها المحسوب على تنظيم القاعدة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ومنها المحسوب على تنظيم داعش، والحركات ذات طابع الإثني.

حرب جديدة

حسب الباحث المغربي، فإن اجتماع تلك الحركات، الذي جاء لتوحيد جهودها العسكرية والسياسية لمواجهة أي جهة تهدد منطقة إزواد، سيكون سببًا في جر المنطقة إلى «أتون حرب جديدة»، مشيرًا إلى أن الجماعات التي ستوقِّع الاتفاق المرتقب، تسيطر -بشكل أو بآخر- على منطقة إزواد عسكريًا وسياسيًا.

وأشار الباحث المغربي في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، إلى أنه في حالة وحدة هذه الجماعات وإعلان كيان سياسي وعسكري واحد، ستنقلب على مخرجات اجتماعاتها مع القاعدة وداعش، ما يؤدي إلى دخولها في مواجهة مع الحركات «الإرهابية» التي تتهمها الفصائل الإزوادية بخدمة أجندات استخبارات دول مجاورة لطردها من المنطقة، إلى جانب معارك أخرى ضد الجيش المالي و"فاغنر" الروسية.

اجتماعات متكررة

في السياق نفسه، قال الخبير المصري في شؤون الجماعات الأصولية، أحمد سلطان، في تصريحات لـ«السياق»، إنها ليست المرة الأولى التي تجتمع بها الجماعات المسلحة في مالي مع تنظيم القاعدة، مشيرًا إلى أنهم اجتمعوا عام 2012 وأعلنوا إمارة إزواد شمالي مالي، التي كانت جزءًا من مشروع التنظيم وقتها.

وأوضح الخبير المصري في شؤون الجماعات الأصولية، أن التحالف بين الطرفين ليس وليد اللحظة، لكنه مرتبط بسياق أوسع، خاصة مع ضم أفراد من «داعش»، مؤكدًا أنه بينما الجماعات في مالي مسلحة، فإن ضبط الأمن ما زال بعيد المنال.

وأشار إلى أن المسألة ليست فقط توزيع نفوذ، فسبق أن كان هناك تحالف بين تلك الإرهابيين، وتدخلت فرنسا عبر عملية «برخان» للقضاء على القاعدة والجماعات التي تحالفت معها، مؤكدًا أن المجلس العسكري في مالي يعتمد على "فاغنر"، وليست أفضل حالًا من التدخل الفرنسي.

بيئة خصبة

الخبير المصري في شؤون الجماعات الأصولية، قال إن الإرهاب مازال مشكلة كبرى تقوِّض الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، مشيرًا إلى أن عديدًا من دول الساحل والصحراء باستثناء موريتانيا، تعاني فشلًا أمنيًا واضحًا، ولديها مشكلات عدة في الاقتصاد والسياسة، ما يشكل بيئة خصبة لتمدد الجماعات الإرهابية.

وتوقع الخبير في شؤون الجماعات الأصولية، أن تسفر الاجتماعات الأخيرة عن تحالف تكتيكي، قد يأخذ شكل «التحالف الصامت»، مشيرًا إلى أن الطرفين يكنان العداء للجيش المالي والمجلس العسكري.

وختم تصريحاته بقوله، إن المؤشرات تقول إن الوضع في مالي ومنطقة الساحل والصحراء، مرشح لمزيد من التصعيد والتوتر خلال الفترة المقبلة، مؤكدًا أن التكتيكات التي تتبعها الحكومة المالية، قادرة على احتواء الأزمة.

استراتيجية جديدة

تلك المؤشرات، قال عنها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في تقرير اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنه عقِب خروج فرنسا من مالي، سعت باريس إلى استراتيجية جديدة لمواجهة تمدد الجماعات الإرهابية والتمدد الروسي في إفريقيا.

وبحسب المركز الأوروبي، فإنه وفقاً للاستراتيجية الجديدة، فإن نقطة الارتكاز هي النيجر، كبداية لإعادة ابتكار جهاز أمني وعسكري فرنسي، لا سيما في منطقة الساحل الإفريقي. 

ويتركز النشاط الإرهابي في حوض بحيرة تشاد، الذي يضم أجزاء من الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا ومنطقة الساحل الوسطى، على طول حدود بوركينا فاسو ومالي والنيجر.