الحساب قادم... هل يتحمل أردوغان مسؤولية كارثة الزلزال؟

يتساءل المواطنين الأتراك: لماذا لم نكن مستعدين لهذه الكوارث قبل وقوعها؟.

الحساب قادم... هل يتحمل أردوغان مسؤولية كارثة الزلزال؟

ترجمات -السياق 

رأت صحيفة وول ستريت الأمريكية، أن الشعب التركي ينتظر الانتخابات العامة المقررة في مايو المقبل، لمحاسبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أداء الحكومة -غير الجيد- وتعاملها السيئ، مع الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، وخلف آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين، بخلاف تشريد مئات الآلاف.

وذكرت أن أردوغان -الذي عزز سيطرته على مؤسسات الاستجابة للكوارث- يواجه غضبًا متصاعدًا قبل الانتخابات، لافتة -في تقرير بعنوان "بعد زلزال تركيا سيأتي الحساب"- إلى أن السؤال الصعب على ألسنة المواطنين: "لماذا لم نكن مستعدين لهذه الكوارث قبل وقوعها؟".

وأشارت إلى أنه بعد زلزال عام 1999، الذي أوقع آلاف الضحايا بالقرب من اسطنبول، عزز أردوغان -الذي كان رئيس بلدية المدينة-مسيرته السياسية، من خلال تناول الشاي مع الناجين في خيامهم، وتساءل حينها: "أين الدولة؟".

الآن بعد مرور ما يقرب من ربع قرن، يتعرض أردوغان للموقف ذاته والسؤال نفسه: "أين الدولة؟" من هذا الزلزال المدمر؟

وأوضحت الصحيفة أن أردوغان يواجه -كرئيس لتركيا- اختبار الزلزال الصعب، لافتة إلى أنه بعد سبعة أيام من الزلزالين المزدوجين، اللذين خلفا أكثر من 20 ألف قتيل، تحول حزن تركيا إلى غضب، معظمه ضد حكومة أردوغان، التي أمضت سنوات في تعزيز سيطرتها على مؤسسات تركيا، بما في ذلك منظمات الإغاثة من الكوارث.

صراخ ورعب

وروت "وول ستريت جورنال" بعض المواقف الصعبة التي يعيشها الأتراك، في المناطق التي ضربها الزلزال.

ففي مدينة كهرمان ماراس -بالقرب من مركز الزلزال الأكبر، الذي ضرب البلاد الاثنين الماضي، والذي بلغت قوته 7.8 درجة- قال حارس أمن أحد البنوك ويدعى "كومالي كويس": خلال الثماني والأربعين ساعة الأولى، كنت أسمع أصواتًا من المبنى السكني المكون من سبعة طوابق، حيث تعيش ابنتي وطفلاي الرضيعان، مشيرًا إلى أنه حاول عبثًا إخراجهم، مع تأخر وصول الحفارات وقلة المساعدات، إلا أنه، في النهاية، رغم وصول أربع حفارات، الجمعة (اليوم الخامس من الزلزال) لم يعثر سوى على جثث ذويه مع

جثث آخرين.

وفي مكان قريب، صرخت إحدى الجارات في رعب، عند إخراج جثتي ابنها (4 سنوات)، وابنتها (6 سنوات)، قائلة: "يا إلهي، خذ حياتي أيضًا".

ويعلق كويس، الذي كان ينتظر دفن عائلته، على هذه المحن: "الغضب يسيطر على الجميع، كل من يقف هنا غاضب بشدة لتأخر وصول المساعدات".

وبينت الصحيفة، أنه عبر منطقة الزلزال الشاسعة، التي أثرت في قرابة 14 مليون شخص، أو 16% من السكان، اشتكى الأتراك من نقص المعدات والدعم لمساعدة المحاصرين، بينما لا يزال ملايين المشردين ، ينامون في الخيام والسيارات وسط نيران، خلفها الزلزال، تلاحقهم من كل مكان، ويتجمع الأطفال الثكلى في المساجد التي أصبحت حضّانات مؤقتة.

ورغم تكثيف عملية الإنقاذ الحكومية التركية -التي يدعمها متطوعون من أكثر من اثنتي عشرة دولة- مع تمشيط الحفارات منطقة مدمرة أكبر من ولاية ويسكونسن الأمريكية، فإن الانتقادات تتصاعد من أن الاستجابة في الثماني والأربعين ساعة الأولى، كانت بطيئة وغير منسقة، ما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح.

أمام ذلك، سعى أردوغان، الذي زار منطقة أديامان الجمعة، إلى تهدئة الغضب المتصاعد، من خلال التعهد بإعادة بناء المناطق المتضررة في غضون عام، ودفع إيجارات لملايين النازحين.

وأقر الرئيس التركي، للمرة الأولى، الجمعة، بأن جهود الإغاثة التي تبذلها الحكومة، في أعقاب الزلزال المدمر، لا تمضي بالسرعة المأمولة.

وقال أردوغان، الجمعة، خلال تفقده مدينة أديامان (جنوبي تركيا) التي تضررت بشدة: "للأسف عديد من المباني تضررت إلى حد لم نتمكن معه من تسريع استجاباتنا بالقدر الذي كنا نتمناه، لكن منذ لحظة وقوع الزلزال، كانت حكومتنا في الميدان بكل معداتها وفرقها".

كما ألقى أردوغان باللوم على ما سماهم "المحرضين" في نشر أخبار كاذبة، ووصفهم بأنهم "انتهازيون يريدون تحويل هذا الألم إلى مكاسب سياسية".

قيود حكومية

في محاولة لمنع نشر مزيد من الانتقادات لبطء تعاملها مع الزلزال، قيدت حكومة أردوغان استخدام "تويتر" في تركيا، الأربعاء الماضي، وفقًا لمراقبة حركة المرور على الإنترنت "نت بلوكس"، بعد مشاركة مقطع فيديو على نطاق واسع للرئيس، يخبر امرأة حزينة في كهرمان ماراس بأن الزلزال كان "جزءًا من مسار القدر".

بينما اعتُقل عشرات، بزعم نشر معلومات كاذبة.

كان الرئيس التركي اعترف بأوجه القصور التي شابت استجابة الدولة لأزمة الزلزال المدمر، لكنه تحدث، أثناء زيارته لأحد المواقع المنكوبة، عن أن الأمر يتعلق بالقضاء والقدر قائلًا: "هذه الأشياء دائمًا ما تحدث، إنها جزء من مسار القدر".

والخميس، قطعت وسائل الإعلام التي تبث زيارة الرئيس إلى مدينة غازي عنتاب، لقطات لأحد الناجين يدعى مصطفى يلماظ، يطالب أردوغان بالرد على الأسئلة المتعلقة بالزلزال.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن يلماظ -وهو رب أسرة على المعاش- قوله: "قلت له هذه مدينة صناعية، لماذا نحن غير مستعدين لهذه الكوارث الطبيعية؟"، مشيرًا إلى أن أفراد عائلته ما زالوا مدفونين تحت أنقاض المنزل، لافتًا إلى أنه لم يكمل أسئلته للرئيس إذ أبعِد من المسؤولين الحكوميين.

وترى الصحيفة الأمريكية، أن جهود الإغاثة قد تُحدد المستقبل السياسي لأردوغان، في الوقت الذي تواجه فيه إعادة انتخابه المسار الأصعب منذ سنوات، خصوصًا بعدما انقلب أعضاء من قاعدته المحافظة ضده، خلال أزمتي العملة والتضخم.

وأشارت إلى أنه منذ فوزه الرئاسي عام 2018، فقد حزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية، السيطرة على العاصمتين التجارية والسياسية للبلاد، اسطنبول وأنقرة، في الانتخابات البلدية الأخيرة.

وأفادت بأن أردوغان كان قد استعاد بعض الرضا الشعبي، من خلال استطلاعات الرأي العام الماضي، لدوره البارز كوسيط بين روسيا وأوكرانيا والغرب، في أعقاب غزو الكرملين لجارتها الأصغر، إلا أن الزلزال قد يعيده مجددًا إلى المربع صفر.

ونقلت عن سولي أوزيل، المحاضر في جامعة قادر هاس باسطنبول قوله، إن نتائج الزلزال عواقب تفريغ مؤسسات تركيا، وعدم احترام الخبرات وتجاهلها، مضيفًا: "هذه الحكومة لم تكن مستعدة لأي كوارث طبيعية قد تحدث، ومن ثمّ قد تكون أحد أبرز من يدفع ثمن هذا الزلزال".

وحسب الصحيفة، يتهم السياسيون المعارضون، أردوغان بتسييس وإضعاف منظمات الاستجابة للكوارث، ويطالبون بمعلومات عن 38 مليار دولار جمعت من ضريبة الزلزال، لأول مرة بعد كارثة 1999 للإنفاق على الوقاية والإغاثة.

ويقول محللون سياسيون إن "موجات التطهير" في الخدمة المدنية وتفضيل الولاء لأردوغان على المعرفة المهنية، أدت إلى مزيد من تآكل المؤسسات، وظهرت تداعيات ذلك في الوقت الذي تعاني فيه البلاد، أسوأ الكوارث الطبيعية على الإطلاق.

وبينما يتهم كثيرون الحكومة بالتراخي الشديد في استجابتها للزلزال، يقول آخرون إن الحكومة لم تكن مستعدة بشكل كافٍ.

وقال كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيس في تركيا: "إذا كان هناك شخص واحد مسؤول عن هذا، فهو أردوغان".

كان أردوغان قد أعلن حالة الطوارئ ثلاثة أشهر في 10 مناطق هي الأشد تضررًا بالزلزال، تنتهي قبل الانتخابات المقررة في 14 مايو، عندما يسعى الرئيس التركي، 68 عامًا، إلى البقاء في السلطة بعد 20 عامًا.

وقال كيليجدار أوغلو إن حكومة أردوغان "لم تستعد للزلزال طوال 20 عامًا".

كان عالم هولندي أبلغ السلطات في تركيا بقرب وقوع زلزال شديد في المنطقة، إلا أن نداءه لم يلق أي استجابة، ومع وقوع الكارثة تعرض ما لا يقل عن 7000 مبنى -شيد بشكل سيئ للغاية- للخطر، ولم تتمكن وكالة الإغاثة من الكوارث "آفاد"، من نشر الحفارات وفرق الإنقاذ في الأماكن التي احتاجتها سريعًا، ما فاقم الكارثة.

أين المسؤولون؟

وكشفت "وول ستريت جورنال" أن المسؤولين تأخروا في التحرك وتقديم الدعم اللازم، بنحو ثلاثة أيام، ما فاقم الكارثة.

ففي مقاطعة غازي عنتاب، قال متطوعو إدارة الكوارث والطوارئ، إنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى المديرين أو المسؤولين، خلال الأيام الثلاثة الأولى للحصول على الدعم، وأشاروا إلى أنهم "عندما ذهبوا إلى المكتب، لم يكن هناك أحد، ولم يتمكنوا من الوصول إلى المسؤولين".

وهو ما برره أردوغان بقوله، إن بعض المسؤولين المفقودين ربما قُتلوا في الزلزال أو فقدوا أفراد عائلاتهم.

وقالت سيرين يديلار(29 عامًا)، متطوعة في إدارة الطيران والفضاء الأمريكية في غازي عنتاب: "مات كثيرون لانخفاض درجة حرارة الجسم بسبب تأخر وصول الدعم"، مضيفة: "كانت هناك عائلات غاضبة للغاية لدرجة أنها اعتدت علينا".

وفي مقاطعة هاتاي المنكوبة، تضرر مقر إدارة الكوارث والطوارئ من الزلزال، ما أدى إلى تباطؤ الاستجابة، وقال المتطوعون وعمال الإنقاذ، الذين هرعوا للمساعدة، إن التنسيق الحكومي لجهود الإنقاذ ضئيل، ما زاد غضب الأهالي المتضررين.

بينما قال أحد أعضاء فريق الإنقاذ للصحيفة الأمريكية: "أُجبر عمال الإنقاذ على منح الأولوية للأحياء على حساب الموتى".

ورغم ذلك، وفي موقع أحد المباني السكنية المنهارة، أشار رجل يرتدي غطاء رأس بغضب: "لم تسحب الدولة شخصًا واحدًا من هنا، سواء حيًا أم ميتًا".

وأشارت الصحيفة، إلى أنه عندما تولى أردوغان السلطة عام 2002، كان لدى تركيا منظمتان مشهورتان للاستجابة للكوارث؛ كيزيلاي، الهلال الأحمر التركي، الذي انتشر اختصاصيوه بمواقع الكوارث في جميع أنحاء العالم ومناطق الحرب في أفغانستان والعراق، و"آكوت"، وهي مجموعة بحث وإنقاذ شكلها متسلقو الجبال بعد زلزال 1999.

بينما كانت المنظمة الأكثر أهمية للاستجابة للكوارث، الجيش، الذي انتشر بشكل جماعي من ثكناته عام 1999 لقيادة جهود الإنقاذ.

أراد أردوغان تطوير مؤسسات الاستجابة للكوارث، للتمسك بالسياسات الإسلامية لحزبه، وعام 2009 أسس "إدارة الكوارث والطوارئ"، وهي وكالة جديدة مترامية الأطراف، أصبحت الهيئة التنسيقية للجيش والمنظمات غير الحكومية، وانتشرت في غزة والصومال وسوريا وباكستان، ما جعل تركيا لاعبًا عالميًا في توزيع المساعدات الإنسانية.

وقد كانت مليارات الدولارات من ضريبة الاتصالات الخاصة، ما تسمى ضريبة الزلازل لعام 1999، لا تزال تتدفق في خزائن الحكومة، لكن حزب أردوغان لم يعد يخصصها للوقاية وإعادة الإعمار.

وعام 2012، قال وزير المالية محمد شيمشك، إن الإيرادات أنفِقت على الطرق السريعة والسكك الحديدية والبنية التحتية.

بينما قال محرم إنجه، الذي خاض الانتخابات ضد أردوغان على منصب الرئيس عام 2018، إنه لا يوجد بند في الميزانية التركية للتأهب للزلازل، وأن عشرات الأسئلة البرلمانية التي طرحها المشرِّعون بشأن هذه القضية لم يجب أحد عليها.

وفي نوفمبر 2022، بعد زلزال بقوة 5.9 درجة في منطقة دوزغي، أقرت إدارة الكوارث والطوارئ، بأنها لم تكن مستعدة للتعامل مع الأمر.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه خلال الدقائق التي أعقبت الزلزال الأخير، اضطرت الممرضات في سكن للمرضى وكبار السن بمدينة كهرمان ماراس، لإحراق بعض أثاث السكن لتدفئة المرضى وكبار السن، بعد أن افترشوا الشارع هربًا من الزلزال، وسط البرد القارس.

وبينت، أن الممرضات أقدمن على هذا الفعل، رغم أن المقر الإقليمي الجديد لإدارة الكوارث والطوارئ يقع على بُعد أمتار قليلة.

ونقلت الصحيفة عن أحد المسعفين ويدعى رمضان سمبل، قوله: "فشلت الحكومة في الاختبار... مقر إدارة الكوارث ليس بعيدًا، ويقع في منطقة شاسعة بما يكفي لتخزين الأدوات التي تحتاجها لإنقاذ السكان، وهذا هو سبب غضبنا، إذ كان عليهم إحضار كل شيء لمساعدتنا في عمليات الإنقاذ، بينما كنا نحفر بأظافرنا بين الركام".

بينما قال علي أكورت (57 عامًا)، مدير الأمن، الذي فقد خمسة من أفراد عائلته: "لقد كان أردوغان قائدًا جيدًا، لكن لا يمكنه الفوز في الانتخابات مرة أخرى"، مضيفًا: "لم يستعدوا جيدًا لهذه الكوارث، وانهارت المباني، وبدت رائحة الموت تنتشر في أرجاء المدينة".

وفي الليل ، كانت الحرارة تصل لدرجة التجمد، مع تساقط الثلوج على الأنقاض، ما اضطر السكان للف أنفسهم في صناديق من الورق المقوى وأكياس بلاستيكية للدفء، وسط نقص شديد في البطاطين.