إندبندنت: بريطانيون محاصرون في السودان يتهمون حكومتهم بالتقاعس عن مساعدتهم
صحيفة إندبندنت البريطانية، سلطت الضوء على أوضاع الرعايا البريطانيين في السودان، وبينت لأي مدى يعيشون في ظل ظروف قهرية، بينما لا يُرى بصيص أمل في إنهاء الصراع الدائر في الخرطوم.

ترجمات - السياق
في ظِل حرب دائرة لا يُعرف متى تنتهي، تُرك الرعايا الأجانب بالسودان، بمن فيهم البريطانيون، لتدبير أمورهم بأنفسهم في الخرطوم، وسط اتهامات لحكوماتهم بالتقاعس عن مساعدتهم في الهروب من الصراع، الذي أوقع آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين.
صحيفة إندبندنت البريطانية، سلطت الضوء على أوضاع الرعايا البريطانيين في السودان، وبينت لأي مدى يعيشون في ظل ظروف قهرية، بينما لا يُرى بصيص أمل في إنهاء الصراع الدائر بين قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، في القريب العاجل.
وبدأت دول عدة جهودًا مكثفة لنقل رعاياها من السودان، في ظِل المعارك المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
فأعلنت ألمانيا، وإسبانيا، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، ودول أخرى أنها تسعى لنقل رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية بأسرع وقت ممكن.
اختباء
ونقلت "إندبندنت" عن بريطاني محاصر في العاصمة السودانية، منذ ما يقرب من أسبوع، اتهامه لوزارة الخارجية البريطانية، بأنها لم تفعل شيئاً لإجلاء رعاياها، رغم القصف العنيف وإطلاق النار المستمر.
وبينت أن الرجل، وهو أب لطفلين، طلب عدم كشف اسمه حفاظًا على سلامته، يختبئ وسط الخرطوم مع زوجته وأطفاله، إضافة إلى 20 مدنيًا أجنبيًا.
وأشارت الصحيفة إلى أن المجموعة، ومعظمها من عُمال الإغاثة، محاصرون في مركز القتال منذ السبت الماضي، عندما اندلعت أعنف اشتباكات تشهدها البلاد خلال العقود الأخيرة.
وأفادت بأن المجموعة بين عديد من عمال الإغاثة والدبلوماسيين الغربيين ومسؤولي الأمم المتحدة والمدنيين السودانيين، الذين اضطروا للجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاعتماد على المتطوعين، لمحاولة تأمين الإمدادات أو إيجاد سبيل للخروج من السودان في أسرع وقت ممكن.
ونقلت الصحيفة عن الأسرة البريطانية قولها: رغم العنف المتصاعد وتضاؤل الإمدادات، فإن وزارة الخارجية البريطانية لم تقدم إلا قليلًا من المساعدة.
وأشاروا إلى أنه في صباح الجمعة 21 أبريل، طُلب منهم تسجيل أسمائهم في قائمة المحتاجين للإجلاء، بعد مرور ستة أيام من اندلاع الاشتباكات.
الآن لم يتبق لديهم سوى أسبوع أو أسبوعين من الإمدادات الغذائية، بينما "القنابل تسقط، ويُسمع إطلاق النار حولهم طوال الوقت"، كما تقول الأسرة.
وقال الرجل للصحيفة البريطانية: "طُلب مني البقاء حيث أنا، ثم بعد أربعة أيام اتصلت بالسفارة مجددًا، التي قالت: يمكننا أن نؤكد لكم أن المحادثات تجرى على أعلى المستويات".
وأوضح أن مسؤولي السفارة نصحوه بالتسجيل بموقع الحكومة البريطانية على الإنترنت، الذي يحث الناس على عدم السفر إلى السودان، لمتابعة تطورات الأمور لحظة بلحظة، لحين إجلائهم.
وأضاف: "ما يزعجني أن الحكومات الأخرى تفعل أشياء كثيرة لمساعدة رعاياها، لكن من الواضح أن حكومتنا لا تفعل ذلك"، متابعًا: "أخشى أنهم قد يستيقظون متأخرًا، وأتمنى أن يفعلوا شيئًا قبل فوات الأوان".
دروس سابقة
وحسب "إندبندنت"، فإن وزارة الخارجية قالت إنه يجب تعلم الدرس من عملية الإجلاء الفوضوية عام 2022 من أفغانستان بعد انسحاب القوات الدولية.
وأشارت إلى أن الحكومة البريطانية أقرت بسلسلة من الأخطاء، في تعاملها مع خروج بريطانيا من أفغانستان، وأنها أغلقت الباب في وجه عديد من الأفغان، الذين ساعدوا بريطانيا قبل استعادة طالبان السيطرة على السلطة.
وكشفت "إندبندنت" –حينها- أن الأفغان اليائسين المختبئين من طالبان، قيل لهم إنه لا يمكنهم الوصول إلى بر الأمان في بريطانيا، إلا بالموافقة على وثائقهم أولًا، وهو ما أسهم في تأخير عملية الإجلاء، وأوقع عديدًا منهم في أيدي طالبان.
وبينت أن أحد قدامى المحاربين الأفغان، الذين خدموا إلى جانب القوات المسلحة البريطانية، كان بين أولئك الذين فروا إلى المملكة المتحدة في قوارب صغيرة، ويتعرض الآن مع آخرين للتهديد بالترحيل إلى رواندا.
يذكر أنه لقي أكثر من 400 شخص مصرعهم وأصيب آلاف، منذ اندلاع القتال الضاري بين الجيش السوداني والقوات شبه العسكرية المنافسة قوات الدعم السريع للسيطرة على البلاد.
ونوهت الصحيفة إلى أنه يقود هذا الصراع جنرالان: قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان دقلو.
وشارك الثنائي في رئاسة مجلس السيادة الحاكم الجديد في البلاد، ومع ذلك، امتدت التوترات إلى أعمال عنف، حيث اختلفوا على تفاصيل اتفاق الانتقال إلى الحكم المدني، الذي كان من المفترض توقيعه الشهر الماضي، وكان من الممكن أن يشهد اندماج قوات الدعم السريع في الجيش.
ورغم الوعود المتكررة بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وآخرها بمناسبة عيد الفطر، فقد أصيبت الحكومات الأجنبية ووكالات الإغاثة الدولية بالشلل، بسبب تصاعد العنف، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
وأفادت تقارير بأن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان نشرت الجمعة قوات أو طائرات عسكرية بقاعدة أمريكية في جيبوتي، على خليج عدن، في انتظار إمكانية إجلاء المدنيين، وفي الوقت نفسه أرسلت هولندا طائراتها الخاصة إلى الأردن للسبب ذاته.
لكن من غير الواضح ما إذا كانت أي محاولة للإجلاء ستستمر.
وذكرت مجلة شبيغل الإخبارية أن الجيش الألماني أُجبر -قبل يومين- على إجهاض مهمة لإجلاء نحو 150 مواطنًا بسبب تجدد الاشتباكات.
وفي الوقت نفسه، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها تتلقى مكالمات "كل يوم" من أشخاص ومنظمات، تطلب المساعدة للوصول إلى بر الأمان.
ضمانات أمنية
وبينت "إندبندنت" أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لم تتمكن من إيصال المساعدات والإمدادات الطبية إلى العاصمة السودانية، حيث لم تمنح "الضمانات الأمنية اللازمة التي تحتاجها للعمل بأمان".
ونقلت عن متحدث باسم اللجنة قوله: "بلغنا أن الإمدادات الطبية تنفد بشكل خطير من المستشفيات، وأن سيارات الإسعاف غير قادرة على التحرك بأمان لمساعدة الجرحى".
وأضاف: "اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تقوم بعمليات إجلاء في السودان وليس لدينا أي خطط في الوقت الحالي لذلك"، مشددًا على أنه للقيام بذلك يجب وقف فوري للأعمال العدائية أولًا.
ويقول الأب البريطاني المحاصر بإحدى المدراس، لـ "إندبندنت"، إن أكبر مخاوفه أن شركات الهاتف أعلنت أن خطوط الهاتف قد تنقطع قريبًا، ما يجعل تنسيق الإجلاء أكثر صعوبة مما هو عليه بالفعل.
وأعرب عن إحباطه من عدم استعداد المملكة المتحدة للتدخل في مساعدتهم على الخروج من هذا البلد المضطرب، مضيفًا: "من الهراء أن المخابرات البريطانية والغربية عمومًا لم تتوقع هذه الاشتباكات، إذ إن كل الأحداث كانت تسير في هذا الاتجاه".
وأشارت "إندبندنت" إلى أنها تحدثت مع عديد من الغربيين، بما في ذلك مسؤولو الأمم المتحدة، الذين رفضوا التعليق بشكل مباشر، لكنهم كشفوا أن الوسيلة الوحيدة لطلب المساعدة، تتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالوا للصحيفة إن عملية الإجلاء "شبه مستحيلة" مع اشتداد القتال، مشيرين إلى أن الجميع -رعايا ومواطنين- يتعرضون لإطلاق نار عشوائي أو الاعتقال.
في المقابل، قال متحدث باسم حكومة المملكة المتحدة: "نحن ننسق عبر الحكومة السودانية ومع شركائنا الدوليين لتقديم أفضل مساعدة قنصلية مستمرة للبريطانيين ودعم موظفينا الدبلوماسيين، وسنواصل إصدار التعليمات الجديدة مع تطور الوضع".