دبلوماسي صيني يُثير غضب دول البلطيق.. فماذا قال؟

سعت الصين إلى تقديم نفسها على أنها طرف محايد في الصراع الأوكراني، واقترحت حلًا سياسيًا رفضته كييف والدول الغربية الداعمة لها.

دبلوماسي صيني يُثير غضب دول البلطيق.. فماذا قال؟
سفير الصين لدى فرنسا

ترجمات - السياق

في تصريحات، قد توسع الهوة بين الغرب وبكين، أثار سفير الصين لدى فرنسا غضبًا في أوروبا الشرقية وأوكرانيا، بعدما شكّك في سيادة الدول المنبثقة من الاتحاد السوفييتي.

ووفقًا لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فإنه ردًا على سؤال عن موقفه مما إذا كانت شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، تعد جزءًا من أوكرانيا، قال السفير الصيني في مقابلة بثها التلفزيون الفرنسي "إل سي آي"، إنها "كانت تاريخيًا جزءًا من روسيا، وعرضها على أوكرانيا الزعيم السوفييتي السابق نيكيتا خروتشوف".

ورأى ليو شاي أن الدول المنبثقة من الاتحاد السوفييتي السابق "ليس لها وضع فعلي في القانون الدولي، لأنه لا يوجد أي اتفاق دولي يُكرس وضعها كدول ذات سيادة".

كما دعا الدبلوماسي الصيني، إلى وقف إثارة الجدل في قضية حدود ما بعد الاتحاد السوفييتي، موضحًا أن ما هو أكثر إلحاحًا هو تحقيق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.

 

ردود غاضبة

لم تمر هذه التصريحات مرور الكرام، وألقت بظلال من الشك، ليس فقط في أوكرانيا التي غزتها روسيا في فبراير الماضي، بل أيضًا في الجمهوريات السوفيتية السابقة، التي أصبحت دولًا مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

وأعلنت دول إستونيا ولاتفيا وليتوانيا -التي استعادت استقلالها عن الاتحاد السوفييتي أوائل التسعينيات- أنها ستستدعي دبلوماسيين صينيين، الاثنين، للشكوى من تصريحات ليو شاي، سفير بكين في باريس.

واستنكر وزراء خارجية الدول الثلاث وكل الجمهوريات السوفيتية السابقة، التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تعليقات ليو شاي الذي "وصفته فايننشال تايمز" بأنه "يُعد أحد أبناء الطبقة الجديدة من الدبلوماسيين الصينيين الجريئين".

وكتب وزير خارجية لاتفيا إدغارز رينكيفيكس على "تويتر" أن آراء لو "غير مقبولة بتاتًا" وأضاف: "نتوقع تفسيرًا من الجانب الصيني وسحبًا لهذا البيان".

في حين وصف وزير خارجية إستونيا، مارجوس تساكنا، تصريحات السفير بأنها "كاذبة وتفسير خاطئ للتاريخ"، وأضاف: "تتمتع دول البلطيق، بموجب القانون الدولي، بالسيادة منذ عام 1918، لكنها محتلة منذ 50 عامًا".

وكتب وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس على "تويتر" "إذا كان أي شخص ما زال يتساءل لِمَ لا تثق دول البلطيق بالصين للتوسط في عملية السلام بأوكرانيا، ها هو سفير صيني يُجادل بأن القرم روسية، وأن حدود بلداننا ليس لها أساس قانوني".

كما أثارت التصريحات غضب كييف، وقال مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك، إن "كل الدول المنبثقة من الاتحاد السوفييتي تتمتع بوضع سيادي واضح مكرس في القانون الدولي"، بينما اعترض على تعليقات الدبلوماسي الصيني بشأن شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا عام 2014.

وفي ما يخص شبه جزيرة القرم قال بودولياك: "يعتمد الأمر على طريقة النظر إلى المشكلة، هناك تاريخ، فقد كانت شبه جزيرة القرم في البداية لروسيا".

وأضاف على "تويتر": "من الغريب أن نسمع رواية عبثية عن تاريخ القرم من قِبل ممثل دولة دقيقة جدًا بشأن تاريخها الممتد آلاف السنين".

من جانبه، سخر فاديم أوميلشينكو، سفير أوكرانيا في فرنسا، من تصريحات الدبلوماسي الصيني، قائلًا: "يجب أن يُسأل ليو شاي، من يملك فلاديفوستوك؟"، في إشارة إلى المدينة الساحلية التي ضمتها روسيا من الصين، منتصف القرن التاسع عشر.

كما أعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن "استيائها" من تصريحات ليو شاي.

وردت باريس بإعلان "تضامنها" مع الدول الحليفة التي يشملها التصريح، التي قالت عنها باريس إنها نالت استقلالها "بعد عقود من القمع".

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إنها "بُلّغت بصدمة" تصريحات السفير الصيني، داعية بكين إلى "توضيح ما إذا كانت تعكس موقفها"، وأضافت: "نأمل ألّا تكون كذلك".

وذكّرت الخارجية الفرنسية بالاعتراف الدولي بأوكرانيا "داخل الحدود التي تضم القرم عام 1991 من المجتمع الدولي، بما في ذلك الصين، عند سقوط الاتحاد السوفييتي، كدولة عضو جديدة في الأمم المتحدة"، موضحة أن ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 "غير قانوني بموجب القانون الدولي".

 

موقف ماكرون

وبينت "فايننشال تايمز" أن هذا الجدل يأتي في توقيت محرج للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي زار بكين لحث الرئيس الصيني شي جين بينغ على الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء غزوه لأوكرانيا.

كانت رحلة ماكرون أثارت انزعاج بعض الحلفاء الغربيين، الذين يشككون في نيات الصين بسبب تحالف شي الرسمي مع روسيا.

وقال ماكرون بعد زيارته الأخيرة لبكين، إن خطة الصين لأوكرانيا أظهرت "إرادة للعب دور مسؤول" في الصراع.

وفي وقت لاحق، واجه الرئيس الفرنسي انتقادات لاقتراحه أن على الاتحاد الأوروبي تجنب الانجرار إلى التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان.

وحسب الصحيفة البريطانية، تتناقض تصريحات الدبلوماسي الصيني مع سياسة بلاده المعلنة تجاه دول الاتحاد السوفييتي السابق، مشيرة إلى أن بكين دخلت بالفعل في علاقات دبلوماسية مع هذه الجمهوريات المستقلة في سبتمبر 1991.

وسعت الصين إلى تقديم نفسها على أنها طرف محايد في الصراع الأوكراني، واقترحت حلًا سياسيًا رفضته كييف والدول الغربية الداعمة لها.

ونقلت الصحيفة البريطانية، عن موريتز رودولف، الباحث في مركز بول تساي الصيني بكلية الحقوق بجامعة ييل، قوله: "ليو شاي لديه رأي راديكالي غير سائد ينحرف عن موقف بكين الرسمي وممارساتها".

 

الذئاب المحاربة

في المقابل، لم تعلق وزارة خارجية بكين على تصريحات ليو شاي.

وحسب "فايننشال تايمز"، فقد أقر ليو شاي -الذي يتولى منصبه بباريس منذ 4 سنوات- بأنه جزء من طبقة "الذئاب المحاربة" من الدبلوماسيين الصينيين، اللقب الذي يطلق على الذين يردون بشراسة على المنتقدين الذين يعدونهم معادين للصين.

وفي يناير 2019، اتهم ليو شاي، كندا باعتماد منطق "تفوق البيض" بعدما دعت إلى الإفراج عن كنديَين محتجزين في الصين، بعد أيام من توقيف الرئيسة التنفيذية لشركة هواوي، مينغ وانتشو في كندا بناءً على طلب من الولايات المتحدة.

وبعد توليه دورًا جديدًا في باريس، تسبب في خلاف دبلوماسي عام 2021 عندما وصف باحثًا فرنسيًا على "تويتر" بأنه "بلطجي صغير".

كذلك، استهدف نوابًا فرنسيين كانوا يخططون لزيارة لتايوان التي تهدد الصين بالسيطرة عليها بالقوة إن لزم الأمر.

وبعد استدعائه من قِبل وزارة الخارجية الفرنسية بسبب "الإهانات والتهديدات" اتخذ خطوة غير عادية بتأجيل حضوره، متذرعًا بـ"تضارب المواعيد".

وقد أثار ذلك غضبًا إضافيًا في باريس، وعلّق سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية آنذاك كليمان بون بالقول: "لا فرنسا ولا أوروبا ممسحة أرجل، عندما تُستدعى كسفير، عليك أن تأتي إلى وزارة الخارجية".

كانت دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) أعلنت استقلالها عام 1918 في أعقاب الثورة الروسية.

وقد احتلها الاتحاد السوفييتي وضمها خلال الحرب العالمية الثانية عام 1940 ثم مرة أخرى عام 1944، بينما رفضت أغلبية الدول الغربية الاعتراف بالضم.

وبعد استقلال البلدين عام 1990، انضمت الدول الثلاث إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وكانت من أشد المؤيدين لأوكرانيا في كفاحها ضد العدوان الروسي.

كانت ليتوانيا في مرمى نيران الصين، بعد تعميق العلاقات مع تايوان عام 2021 ، التي ردت عليها بكين بعقوبات انتقامية، ومنذ ذلك الحين، انسحبت دول البلطيق الثلاث من حوار الصين السابق "17+ 1" لدول وسط وشرق أوروبا.

تايبيه من جانبها أدلت بدلوها في الأمر، وأبدى وزير خارجية تايوان، جوزيف وو، تضامنه مع نظيره الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس، وغرد قائلًا: "صدقن ، ذلك يجعل تايوان تدرك وتعرف إلى أي مدى قد تسير الأمور وإلى أي قدر من السوء".