من أحلام الديمقراطية إلى حمام الدم... السودان على شفا الانهيار

نيران الدبابات وقذائف الهاون والمدفعية وحتى الغارات الجوية، في المناطق الحضرية الكثيفة بالعاصمة ومدن أخرى، تسببت في قتل مئات المدنيين وإصابة آلاف، في حين تُرك معظم الناس مختبئين في منازلهم أو يحاولون الفرار من المدينة.

من أحلام الديمقراطية إلى حمام الدم... السودان على شفا الانهيار

ترجمات – السياق

قارنت صحيفة واشنطن بوست، بين وضع السودان قبل أربع سنوات، والآن، مشيرة إلى أنه بينما كان يستعد السودان إلى التجربة الديمقراطية، تحطمت الوعود والآمال على صخرة التناحر العسكري.

فقبل أربع سنوات، التقطت صورة مذهلة من الخرطوم لامرأة تبلغ من العمر 22 عامًا ترتدي رداءً أبيض، تقف فوق سيارة وتشير بإصبعها إلى السماء، ما يعكس تطلعات الشعب السوداني إلى مستقبل أفضل.

كانت تلك المرأة تقود حشدًا في ترنيمة «ثورة – ثورة» باللغة العربية، في احتجاجات شعبية أدت إلى إطاحة حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي دام 30 عامًا، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه البديل مجلس عسكري مدني مشترك، كان من المفترض أن يمهد الطريق إلى الديمقراطية.

تحطم الآمال

إلا أن الآمال والوعود تحطمت في ذلك اليوم، بسبب «المذبحة» التي لا معنى لها، التي وقعت في الخرطوم، حيث يتصارع عسكريان متنافسان، وكلاهما جزء من مجلس السيادة، تقول «واشنطن بوست»، مشيرة إلى أن نيران الدبابات وقذائف الهاون والمدفعية وحتى الغارات الجوية، في المناطق الحضرية الكثيفة بالعاصمة ومدن أخرى، تسببت في قتل مئات المدنيين وإصابة آلاف، في حين تُرك معظم الناس مختبئين في منازلهم أو يحاولون الفرار من المدينة.

وتقول التقارير إن الجرحى لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات، وإن إيصال المساعدات مستحيل، بينما تحطم وقف إطلاق النار الذي وعد به الجانبان، ثلاثة أيام بمناسبة عيد الفطر، على صخرة استمرار القتال بلا هوادة، واستعداد الولايات المتحدة ودول أخرى لإجلاء مواطنيها.

وتقول «واشنطن بوست»، إن على الزعيمين إصدار أوامر لقواتهما بالتنحي والالتزام بوقف فوري لإطلاق النار، مشيرة إلى أن تجاهلهما حياة المدنيين، وازدراءهما الواضح لتطلعات الشعب السوداني الديمقراطية التي عبر عنها بوضوح، تظهر أن أياً منهما لا يصلح للحكم.

وأضافت الصحيفة الأمريكية: «الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، الرئيس الفعلي للبلاد، قاد انقلابًا عام 2021 وتولى مسؤولية مجلس السيادة الانتقالي المشكل حديثًا، وتخلص من التحالف العسكري المدني».

وتابعت: كان الجنرال برهان، وهو عسكري طوال حياته، قاتل في حرب دارفور أوائل العقد الأول من القرن الحالي، شخصية مشكوكًا في قيادتها الانتقال إلى أي شيء، باستثناء دكتاتورية أخرى».

«أما محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، فهو نائب الرئيس الحالي، قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي قد تضم 100 ألف مقاتل»، تقول الصحيفة الأمريكية.

وأضافت «واشنطن بوست»، أن «قوات الدعم السريع نتاج ميليشيا الجنجويد العربية القديمة، التي كانت مسؤولة عن الإبادة الجماعية وغيرها من الفظائع، التي ارتكبت في دارفور ضد القبائل السودانية الإفريقية»، مشيرة إلى أنه «إذا كان من الممكن العثور على شخص أكثر سوءًا من الجنرال برهان، فسيكون حميدتي ذلك الشخص».

 

تقاسم السلطة

وقالت الصحيفة الأمريكية: «رغم التنافس طويل الأمد بينهما، تمكن الرجلان القويان من دفن خلافاتهما فترة كافية للعمل معًا، في اتفاق لتقاسم السلطة، لإحباط أي تحرك نحو الحكم المدني، وإدامة وجودهما في السلطة، والاستمرار في إثراء نفسيهما وفصائلهما».

وأشارت إلى أن «الفريق البرهان يشرف على شبكة من الشركات الخاصة والمملوكة للدولة، بينما حميدتي ثري من شبكة من الشركات العائلية، بما في ذلك تعدين الذهب، ما يمنح كلا الرجلين صناديق الحرب المالية التي يحتاجانها للحفاظ على استمرار المجزرة»، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وقالت «واشنطن بوست»، إن «صفقة الشيطان انهارت بسبب إصرار الفريق البرهان على ضم قوات الدعم السريع نفسها رسميًا في القوات المسلحة، بدلاً من الوجود كقوة قائمة بذاتها لها هيكل قيادي خاص بها، إلا أن الشعب أصبح رهينة طموحاتهما المتنافسة».

 

انتشار القتال

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن «انتشار القتال عبر حدود السودان أصبح واردًا، فقد يشهد جنوب السودان تعطلًا في صادراته النفطية، التي يجب أن تمر عبر السودان، وقد تتأثر تشاد المجاورة، بسبب عدم الاستقرار حيث من المعروف أن قوات حميدتي تعبر الحدود كما تشاء، ويمكن للاجئين الفارين من القتال التوجه إلى بلدان أخرى».

وأشارت «واشنطن بوست» إلى احتمال تدخل قوى خارجية في تأجيج القتال، مؤكدة أنه بينما «تدعم مصر الفريق البرهان يقال إن حميدتي يحظى بدعم الجيش الذي يسيطر على شرقي ليبيا».

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن «الأمر الأكثر خطورة أن مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر، التي تنشط في أجزاء أخرى من إفريقيا، بما في ذلك ليبيا، لها صلات مع قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي».

 

سيناريو مألوف

وقالت «واشنطن بوست»: «للأسف، هذا سيناريو مألوف في إفريقيا، حيث تؤدي إطاحة ديكتاتور قديم إلى العنف والفوضى بدلاً من مستقبل ديمقراطي أكثر إشراقًا».

واستدلت الصحيفة الأمريكية على رؤيتها بما حدث في الصومال عام 1991، «حيث أدى سقوط الدكتاتور محمد سياد بري إلى عقود من الفوضى والمجاعة»، مضيفة أن، «أمراء الحرب الصوماليين المتنافسين كانوا يقاتلون من أجل السيطرة».

وأضافت: «أدى الربيع العربي عام 2011 إلى اندلاع حرب أهلية وصراع في ليبيا وعودة رجل قوي في مصر»، مشيرة إلى أن «على المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، ممارسة كل الضغوط الممكنة لإعادة هذين القائدين العسكريين المتنازعين إلى رشدهما، والموافقة على وقف إطلاق النار الفوري واحترامه».

وطالبت الصحيفة الأمريكية، المجتمع الدولي بإصدار تحذيرات بمحاسبة البرهان ودقلو، مثل عمر البشير الذي وجهت إليه لائحة اتهام من المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أنه «ينبغي لحكام السودان العسكريين السماح بالانتقال الموعود إلى حكم ديمقراطي مدني... هنا فقط تتحقق أحلام متظاهري 2019».