نيويورك تايمز: مع احتدام الحرب... الجميع يريدون 'قطعة' من السودان
بعد أن بات هدف التحول الديمقراطي في حالة يرثى لها، فإن الغرب قد يدفع دول الخليج، لاستخدام نفوذهما، لإجبار دقلو والبرهان على التنحي.

ترجمات - السياق
قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إنه مع احتدام المعارك في السودان، تحركت دول من جميع أنحاء العالم بسرعة، ما يعكس ديناميكية كانت تلوح في أفق البلاد، قبل أن ينقلب جنرالاها البارزان على بعضهما الأسبوع الماضي: السودان لقمة سائغة منذ سنوات.
ودعا دبلوماسيون من إفريقيا والشرق الأوسط والغرب إلى وقف القتال، الذي حوَّل أجزاء من العاصمة الخرطوم إلى ساحة معركة، كذلك عرض زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريغوزين، علانية المساعدة في التوسط بين الجنرالين المتنافسين على السلطة، لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه عرض الأسلحة أيضًا.
وقال يفغيني بريغوزين، مؤسس "فاغنر"، في بيان: «الأمم المتحدة وآخرون يريدون الدم في السودان»، مضيفًا: «أريد السلام».
فرص للقوى الخارجية
تقول صحيفة نيويورك تايمز، إن الثورة السودانية التي أطاحت الرئيس عمر البشير عام 2019، كان من المفترض أن تبشر بمستقبل مشرق وديمقراطي، لكنها فتحت فرصًا جديدة للقوى الخارجية، لتحقيق مصالحها الخاصة في ثالث أكبر دولة في إفريقيا، الواقعة على نهر النيل والبحر الأحمر، وتتمتع بثروة معدنية هائلة وإمكانات زراعية، وخرجت من العقوبات الدولية والعزلة.
وأشارت «نيويورك تايمز»، إلى أن الدول الغربية حاولت الدفع بما قد يكون أصعب فكرة على الإطلاق -الانتقال إلى الديمقراطية- بينما تأمل أيضًا مواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا في إفريقيا.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مجدي الجزولي، المحلل السوداني في معهد ريفت فالي، وهي مجموعة بحثية: «الكل يريدون قطعة كبيرة من السودان ولا يتحملون التدخل»، مضيفًا: «هناك كثير من المصالح المتعارضة والادعاءات، ما أدى إلى انهيار التوازن الهش، كما ترون».
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإنه عندما انحازت بعض القوى الأجنبية إلى جانب، وأرسلت الأسلحة، فقد أضعفت القوى المؤيدة للديمقراطية في السودان، وساعدت في دفع البلاد نحو الحرب، من خلال دعم الخصمين العسكريين اللذين يقاتلان في شوارع الخرطوم.
والأسبوع الماضي قُتل أكثر من 400 شخص وأصيب 3500، في معارك ضارية بين الجانبين، الجيش النظامي بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للجيش السوداني، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول حمدان دقلو، بحسب الأمم المتحدة.
وساطة الإمارات
أوضحت الصحيفة الأمريكية، أن الإماراتيين لم يتخذوا جانبًا في صراعات السلطة بالسودان، وهم جزء من مجموعة دبلوماسية تُعرف باسم الرباعية، تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، مشيرة إلى أنها حاولت -حتى وقت قريب- إعادة السودان إلى الحكم المدني.
ومنذ بدء القتال، نهاية الأسبوع الماضي، قال عديد من المسؤولين الأجانب إن «دبلوماسيين إماراتيين شاركوا في جهود وقف القتال».
ماذا تريد مصر؟
تقول «نيويورك تايمز»: مع تصاعد التوترات داخل السودان العام الماضي، انحاز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، علنًا إلى قائد الجيش اللواء البرهان، وأضافت: «الثورة المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت الرئيس السوداني الأسبق معادية للسيسي».
وأشارت إلى أن الرئيس المصري يشك بشدة في الجنرال حمدان، ويفضل أن يرى السودان يحكمه ضابط مدرب تدريبًا رسميًا مثله، مؤكدة أن هناك أيضًا علاقة شخصية بين السيسي والبرهان، اللذين التحقا بالكلية العسكرية نفسها.
كانت مصر قد أعلنت مبادرة سياسية في القاهرة للجمع بين الفصائل السودانية، لكن الدبلوماسيين الأجانب في الخرطوم، الذين كانوا يحاولون التوصل إلى حل وسط بين دقلو والبرهان، «رأوا أن المصريين يتصرفون لصالح الجيش السوداني وضد قوات الدعم السريع»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، المتخصص في شؤون إفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: «لقد أوضحت مصر أنها لن تتسامح مع زعيم ميليشيا على حدودها الجنوبية».
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن التوترات بسبب دور مصر في دفع الجنرالين إلى الحرب، ففي 12 أبريل الجاري، قبل ثلاثة أيام من اندلاع القتال، حاصرت القوات شبه العسكرية التابعة للجنرال حمدان قاعدة عسكرية في مروي، على بعد 200 ميل شمال الخرطوم، حيث تمركز جنود مصريون ونحو 12 طائرة حربية مصرية.
جاءت هذه الخطوة كرد علني من الجيش السوداني، الذي أصر على أن المصريين كانوا هناك في تدريب، بينما كان دقلو يخشى أن يأتي المصريون لتقديم الدعم الجوي لـ«عدوه»، الجيش السوداني، حال القتال، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وأشارت إلى أنه عندما اندلع الصراع، ألقت قوات اللواء حمدان القبض على ما لا يقل عن 27 مصريًا من قاعدة مروي، ما دفع المسؤولين الغربيين إلى بذل جهود مكثفة لنزع فتيل الأزمة وتجنب احتمال اتساع الصراع الإقليمي.
وبدا أن تلك الأزمة ستنتهي الخميس، عندما سلمت قوات اللواء حمدان المعتقلين المصريين، لكن مسؤولين غربيين قالوا إن خطر انزلاق مصر في صراع السودان لا يزال قائمًا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ماذا تريد روسيا؟
قالت «نيويورك تايمز»، إن روسيا حاولت الحصول على موطئ قدم بحري لسفنها الحربية، في الموانئ السودانية على البحر الأحمر، بينما قدمت «فاغنر» المركبات المدرعة وتدريبات، مقابل امتيازات وتنازلات في مجال التنقيب عن الذهب.
لكن في الأيام الأخيرة، تلقت قوات الدعم السريع عرضًا بأسلحة قوية، بما في ذلك صواريخ أرض جو، من زعيم "فاغنر" بريغوزين، على حد قول المسؤولين الأمريكيين.
وقال المسؤولون إن الجنرال حمدان لم يقرر ما إذا كان سيقبل الأسلحة، التي ستأتي من مخزونات فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وتتمتع روسيا بعلاقة طويلة الأمد مع الجيش السوداني، ومنذ عام 2019، وسعت «فاغنر» أنشطتها في البلاد، وتعدين الذهب، واستكشاف اليورانيوم، وتزويد منطقة دارفور المضطربة بالمرتزقة.
ماذا تريد إسرائيل؟
إسرائيل أيضًا لها مصلحة، فبدعم من الولايات المتحدة، وقَّعت صفقة لتطبيع العلاقات مع السودان عام 2020. والعام الماضي، زار وفد من وكالة المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد)، السودان لعقد اجتماعات مع قادة أمنيين بمن فيهم الجنرال حمدان، الذي عرض التعاون في مكافحة الإرهاب والاستخبارات، وفقًا لمسؤولين سودانيين مطلعين على المحادثات.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إسرائيل التي ظلت منبوذة منذ فترة طويلة، رأت فرصة لكسب شيء كانت تطمح إليه من السودان: الاعتراف الرسمي.
وتقول «نيويورك تايمز»، إن المشروع الأجنبي الأقل نجاحًا في السودان، هو ذلك الذي أيدته الدول الغربية، من خلال التحول إلى الديمقراطية، مشيرة إلى أنه كان من المفترض هذا الشهر أن يسلم الجنرالان، السلطة، إلى حكومة يقودها مدنيون.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه بعد أن بات هدف التحول الديمقراطي في حالة يرثى لها، فإن الغرب قد يدفع قوى الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لاستخدام نفوذهما، لإجبار دقلو والبرهان على التنحي.
«هل سيجمدون الأصول إذا لم يستمعوا؟»... قال الخبير في مجموعة الأزمات الدولية آلان بوسويل، عارضًا فكرة أن دول الخليج يمكن أن تضغط على الجنرالين المتحاربين، من خلال استهداف ثرواتهم، «فلا أحد يريد دولة فاشلة في السودان».