فاتورة تغيُّـر المناخ... الصراع طويل الأمد والانقسام وانعدام الثقة تقوِّض المكاسب
الهوة لا تزال واسعة بين الدول الغنية وبعض الدول النامية، بشأن الطريقة المثلى لمعالجة قضايا المناخ الملحة، ما يستدعي اتخاذ قرارات وإجراءات عاجلة وجدية في الوقت نفسه.

السياق
حالة من الانقسامات ما زالت تسود العالم، بشأن كيفية معالجة قضايا المناخ قبل قمة كوب 28 المقررة بدبي في ديسمبر المقبل، التي ينتظر أن تؤسس لتوحيد الرؤى.
وبينما كانت الدول تعوِّل على مفاوضات بون، التي أسدل الستار على أعمالها الخميس الماضي، لتحقيق اختراق، قد يمهد لاتفاق في ديسمبر المقبل، إلا أنه بحلول الوقت الذي غادر فيه المفاوضون العاصمة الألمانية الغربية السابقة، تفاقمت المخاوف بشأن الكيفية التي ستعالج بها قضايا المناخ.
فالهوة لا تزال واسعة بين الدول الغنية وبعض الدول النامية، بشأن الطريقة المثلى لمعالجة قضايا المناخ الملحة، ما يستدعي اتخاذ قرارات وإجراءات عاجلة وجدية في الوقت نفسه.
فماذا دار في مؤتمر بون؟
قال الأمين التنفيذي لتغيُّـر المناخ في الأمم المتحدة سيمون ستيل، إنه بعد أن استغرقت ما يقرب من أسبوعين للاتفاق على جدول الأعمال، «من السهل تصديق أننا بعيدون جدًا في عديد من القضايا، لكن مما رأيته وسمعته، هناك جسور يمكن بناؤها لتحقيق الأرضية المشتركة التي نعلم بوجودها».
وأوضح ستيل، أن «الاتفاقات المتغيرة تحدث عندما يرتقي المفاوضون إلى مستوى المناسبة، ويتوصلون إلى حلول وسط، ثم ينجحون في إقناع عواصمهم بجدارة وضرورة تلك التسويات».
في اجتماع بون، أحرز تقدم في القضايا ذات الأهمية الحاسمة، بما في ذلك التقييم العالمي، وتمويل المناخ، والخسائر والأضرار، والتكيف، بين أمور أخرى.
وأشار ستيل إلى التقييم العالمي، الذي سينتهي في «كوب 28»، لوضع العالم على المسار الصحيح، للحد من ارتفاع درجة الحرارة بما يتماشى مع اتفاقية باريس.
وختم المندوبون في مؤتمر بون الاجتماع الأخير للحوار الفني لعملية التقييم العالمي الأولى، ما مهد الطريق لمزيد من الإجراءات المناخية الطموحة، بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وقال ستيل: «إن تعهدات الأطراف وتنفيذها بعيدان عن أن تكون كافية. لذا، فإن الاستجابة للتقييم ستحدد سنجاح كوب 28، والأهم من ذلك بكثير، النجاح في استقرار مناخنا».
في بون، شارك مندوبون حكوميون ومراقبون وخبراء في الحوار الفني الثالث والأخير للتقييم، الذي تألف من موائد مستديرة وفعاليات امتدت ستة أيام، وناقشوا كيفية تسريع التقدم الجماعي في التخفيف، بما في ذلك تدابير الاستجابة، والتكيف، والخسارة والضرر ووسائل التنفيذ (تمويل المناخ، نقل التكنولوجيا، بناء القدرات).
وركزت المناقشات والأحداث الأخرى في مؤتمر بون للمناخ على التمويل المتعلق بالمناخ، لا سيما تقديم الدعم المالي الكافي، الذي يمكن التنبؤ به إلى البلدان النامية للعمل المناخي، بما في ذلك تحديد هدف جماعي كمي جديد بشأن تمويل المناخ عام 2024. وفي ما يتعلق بالهدف العالمي للتكيف، اتفقت الأطراف على العناصر الهيكلية لقرار دبي.
وجمع مؤتمر بون أكثر من 4800 مشارك من العالم، أي ما يقرب من ضعف عدد المشاركين الذين حضروا مؤتمر العام الماضي. تحدثت الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية والشركات والمدن والمجتمع المدني، بما في ذلك الشباب والأطفال، عن كيفية تعاملهم مع تغيُّـر المناخ، وسلطوا الضوء على التحديات التي يجب التغلب عليها.
ماذا بعد؟
أوائل سبتمبر المقبل، سينشر الميسران المشاركان للحوار التقني تقريرًا تجميعيًا يتضمن النتائج الرئيسة للاجتماعات الثلاثة للحوارات، يحتوي على معلومات تقنية وممارسات جيدة ودروس مستفادة لمساعدة الأطراف وأصحاب المصلحة من غير الأطراف لتحديد ما يجب لتصحيح المسار وتحقيق أهداف اتفاق باريس.
هل حققت مفاوضات بون نتائج إيجابية؟
قال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي، لم يكشف عن هويته، لصحيفة بوليتيكو الأمريكية، إن «الجسور لا تُبنى. أنا قلق من أنه في كوب 28، سيرغب نصف الدول في التحدث عن التمويل والنصف الآخر عن الحد من الانبعاثات، كما حدث هنا».
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الاتحاد الأوروبي أضاف -بدعم من دول غربية أخرى إضافة إلى عديد من دول أمريكا اللاتينية وتحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS)- بندًا في جدول الأعمال عن «برنامج عمل التخفيف»، الذي يهدف إلى زيادة خفض الانبعاثات في العالم.
إلا أن ذلك البند دفع مجموعة البلدان النامية متشابهة التفكير -التي يهيمن عليها بواعث الاقتصاد الناشئ مثل الصين والهند والمملكة العربية السعودية- إلى عرقلة جدول الأعمال، ما لم تقبل الدول الغنية أيضًا بندًا جديدًا في جدول الأعمال عن تمويل المناخ.
واتهم آخرون الدول الغربية، بالرغبة في تجنب نقاش عن تمويل المناخ -كما تطالب الدول النامية متقاربة التفكير- الذي يركز على ما تدين به الدول الغنية لجنوب الكرة الأرضية».
وقال ألدن ماير، وهو مراقب مخضرم في مؤتمر الأطراف ومساعد كبير في مركز أبحاث E3G: «نحتاج إلى الجانبين للتحرك. أنت بحاجة إلى رئاسة لقيادة الجميع إلى حد ما في تلك العملية».
وأضاف أنه بينما تظل الرئاسة المصرية المنتهية ولايتها في السلطة رسميًا حتى انطلاق الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في 30 نوفمبر المقبل، فإن «اجتماعات منتصف العام في بون هي عندما تبدأ الرئاسة المقبلة تولي زمام الأمور سياسيًا وتقديم بعض التوجيهات».
تغيير الخطاب
وعندما وصل رئيس «كوب 28» القادم سلطان الجابر إلى بون الخميس الماضي في زيارة سريعة -غادر في اليوم التالي- وصف التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري بأنه «لا مفر منه».
وأضاف أن وتيرة ذلك ستعتمد على «مدى السرعة التي يمكننا بها التخلص التدريجي من بدائل خالية من الكربون، مع ضمان أمن الطاقة وإمكانية الوصول إليه والقدرة على تحمل التكاليف».
إنه تغيير في الخطاب، مقارنة بما قاله هذا العام، عندما اقترح الجابر -الرئيس التنفيذي لشركة النفط الحكومية في الإمارات العربية المتحدة- أن يركز العالم على التخلص التدريجي من انبعاثات الوقود الأحفوري، بدلاً من استخدام أو إنتاج الوقود الأحفوري.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن التعليقات فُسرت بأنها تلقي بصناعة الوقود الأحفوري بشريان حياة في شكل احتجاز الكربون، وهي تقنية لم تثبت على نطاق واسع حتى الآن.
وقال مفاوض آخر من الاتحاد الأوروبي: «أعتقد أن لدى الإمارات بعض الأفكار الكبيرة جدًا في ما يسمونها النتائج غير التفاوضية، لإزالة الكربون من قطاع النفط والغاز»، مشيرًا إلى أن ذلك قد يشمل التزامات الصناعة الطوعية أو التعهدات المالية.
انعدام الثقة
وأشعل القتال بشأن جدول الأعمال ردود الفعل عبر غرف التفاوض، حيث كانت التوترات تتفاقم في بعض الأحيان، حتى في المفاوضات الفنية.
كان هناك نقص في النيات الحسنة، إلى حد كبير، بحسب مفاوض الاتحاد الأوروبي، الذي قال إن الدول الغنية فشلت -في كثير من الأحيان- في تقديم المساعدة المالية الموعودة.
وقال وائل أبو المجد، ممثل رئاسة كوب27 في بون، إن فشل الدول الغنية في الوفاء بتعهدها التاريخي بتقديم 100 مليار دولار لتمويل المناخ إلى البلدان النامية بحلول عام 2020 قد قوَّض الثقة بشكل كبير، مشيرًا إلى أنه من المؤسف أنه على مر السنين، لم يتحقق هذا الهدف الرمزي المتمثل في توليد الثقة.
صراع طويل الأمد
وتعمقت الخلافات بشأن الأموال -وهو صراع طويل الأمد في مفاوضات المناخ- في السنوات الأخيرة حيث شاهدت الدول النامية الغرب ينفق مليارات على الإغاثة من الوباء أو الأسلحة لأوكرانيا، بينما يؤخر تمويل المناخ الموعود.
وقالت تيريزا أندرسون، قائدة العدالة المناخية في منظمة أكشن إيد غير الحكومية: «بعد كل هذه السنوات من الوعود الكاذبة، لم تعد البلدان النامية ترغب في اتخاذ قفزة الإيمان هذه».
وقال ماير من E3G إن هذا أيضًا لأن «المخاطر تزداد»، مشيرًا إلى التوترات الجيوسياسية والتجارية المتزايدة وأعباء الديون المتزايدة وتباطؤ الاقتصاد العالمي، بخلاف التأثيرات المناخية المتزايدة.
وبينما تنازع المفاوضون على جدول الأعمال في بون، اندلعت حرائق الغابات في كندا وخرجت عن السيطرة، مع تصاعد الدخان السام فوق المدن الأمريكية.
والخميس، قال مرصد كوبرنيكوس لتغيُّر المناخ التابع للاتحاد الأوروبي، إنه أوائل يونيو الجاري، تجاوزت الزيادة في الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية لفترة وجيزة.
وحذر العلماء بالفعل من أن وصول ظاهرة النينيو، من المرجح أن يسجل أرقامًا قياسية جديدة في درجات الحرارة.
عبث المفاوضين مقابل احتراق الكوكب
وبالنسبة للبعض، كان القتال على جدول الأعمال يصل إلى عبث المفاوضين بينما يحترق الكوكب، بحسب «بوليتيكو».
وقالت الناشطة جريتا ثونبرج للصحفيين: «لا يمكننا أن ننسى أنه بينما نجلس هنا، فإن أزمة المناخ تحدث في الوقت الحقيقي، في العالم»، مضيفة: «الحقيقة الآن أن هذه العمليات تفشل، والأهم من ذلك أنها تخذل الذين يتحملون وطأة هذه الأزمة».
وقالت تينا ستيج، مبعوثة جزر مارشال إلى جانب ثونبرج، إن ارتفاع مستوى سطح البحر كان يهدد بالفعل إمدادات المياه الجوفية والبنية التحتية لهذه الدولة المرجانية، مضيفة: «على بقية العالم أن يستيقظ لواقعنا».