فايننشال تايمز: أسطول الأشباح الإيراني يتحول إلى النفط الروسي
يبدو أن زيادة عدد السفن في أساطيل الأشباح المملوكة من خلال كيانات سرية في الخارج، التي استطاعت التهرب من العقوبات، قد ساعدت في تجنُّب كثير من المشكلات مع مصادر السفن.

ترجمات – السياق
كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن "أسطول الأشباح" الإيراني -المكون من 182 سفينة أجنبية تحمل النفط الإيراني وتبيعه بعيدًا عن العقوبات المفروضة على طهران- تحوَّل إلى بيع النفط الروسي، مشيرة إلى أن هذا الأسطول لا يسمح بالتتبع الدقيق لشحنات النفط الإيرانية (وحاليًا الروسية)، ويساعد بتجاوز العقوبات الأمريكية، ونقل ملايين براميل النفط، من دون الاكتراث بهذه العقوبات.
وأشارت إلى أن ناقلات النفط في "أسطول الأشباح" الإيراني تحوَّلت إلى نقل النفط الروسي، منذ تكثيف القيود الغربية على موسكو في ديسمبر الماضي، حيث تحوَّل الكرملين إلى تقنيات خرق العقوبات التي كانت طهران رائدة فيها.
وقد بدأت 16 سفينة على الأقل -شكلت جزءًا من شبكة "الأشباح" التي سمحت لإيران بخرق العقوبات الأمريكية- في شحن النفط الخام الروسي خلال الشهرين الماضيين، وفقًا لأبحاث "فايننشال تايمز".
كانت تقارير إعلامية بريطانية كشفت بعض الحيل التي تعتمدها طهران لتهريب نفطها إلى الصين، فقد ذكرت صحيفة ديلي ميل -منتصف العام الماضي- أن أسطول الأشباح يتكون من سفن ترفع أعلام دول أخرى، وناقلات سُجلت في دول صغيرة غير قادرة على مراقبتها.
إغراءات روسية
وعن كيفية إتمام الصفقة، نقلت "فايننشال تايمز" عن سماسرة ومحللين قولهم، إن روسيا تغري مالكي ومشغلي الناقلات بمعدلات أقساط، في الوقت الذي تسعى فيه إلى حماية مصدرها الرئيس لعائدات التصدير من الإجراءات الغربية، مثل سقف أسعار النفط لمجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.
كان مركز أبحاث فنلندي قال إن سقف أسعار النفط الروسي يكلف الكرملين 160 مليون يورو (172 مليون دولار) في اليوم، وسط محاولة الغرب عرقلة آلة الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأشارت الصحيفة، إلى أن عائدات تصدير النفط الروسي المقدرة، انخفضت بشكل ملحوظ عن مستوياتها قبل الحرب.
وقالت سفيتلانا لوباسيوفا، محللة الناقلات في سمسرة السفن إي إيه جيبسون في لندن: "لقد رأينا عددًا من السفن المشاركة في التجارة الروسية، التي كانت تستخدم في نقل براميل إيرانية".
وأضافت: "التجارة الروسية أعلى بنسبة 50 في المئة على الأقل من معدلات السوق العادية، ويمكن أن تكون أكثر من 100 في المئة في بعض الحالات، ما يجعل التجارة الروسية أكثر جاذبية من شحن النفط الإيراني".
وحسب الصحيفة البريطانية، تمكنت إيران من الحفاظ على صادراتها من النفط الخام، أو حتى زيادتها في الأشهر الأخيرة، حيث ظهرت طهران، التي تتعاون في السياسة النفطية مع موسكو من خلال مجموعة أوبك بلس، كداعم رئيس لغزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
ورغم أن المنافسة على "سفن الأشباح" قد تصبح مصدرًا محتملًا للتوتر في العلاقة بين موسكو وطهران، فإن ماثيو رايت، المحلل في "كبلر"، وهي شركة بيانات وتحليلات، يقول: "يبدو أن زيادة عدد السفن في أساطيل الأشباح المملوكة من خلال كيانات سرية في الخارج، التي استطاعت التهرب من العقوبات، قد ساعدت في تجنُّب كثير من المشكلات مع مصادر السفن".
وقد حددت "فايننشال تايمز" السفن المشاركة في أسطول الأشباح الإيراني باستخدام قائمة من 288 سفينة خاضعة لشكاوى انتهاك العقوبات للسجلات البحرية وشركات التأمين من قِبل منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، وهي مجموعة مقرها الولايات المتحدة تقوم بحملات من أجل التطبيق الصارم للعقوبات.
وفحصت الصحيفة الأساليب التي تستخدمها المنظمة لتحديد أعضاء أسطول الأشباح، بمراجعة عينة من تحليلاتها، التي تستند إلى بيانات حركة السفن والتصوير عبر الأقمار الاصطناعية، كما فحصت "فايننشال تايمز" النتائج المتعلقة بسفن معينة، كانت متسقة مع تلك الخاصة بالمنظمات الأخرى، ثم استخدام البيانات من "كبلر"، لمراقبة الشحنات الأخيرة لهذه السفن.
واستخدمت منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، صورًا التقطتها الأقمار الاصطناعية تبرز انتهاكات إيران للعقوبات الأمريكية، العام الماضي.
كما كشفت المنظمة، وهي أهلية تعمل على "منع إيران من امتلاك أسلحة نووية"، تعمُّد السفن الإيرانية مخادعة نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" بشكل يمكّنها من الرسو بمناطق محظورة، من دون التفطن إليها.
وبالفعل أبرزت صور الأقمار الاصطناعية تسليم سفن إيرانية منتجات نفطية لسفن صينية في بحر الصين الجنوبي، مشيرة إلى أن بعض تلك السفن كان يحمل أعلام بنما.
تفاقم الضغوط
وترى "فايننشال تايمز" أنه من المتوقع أن تتفاقم الضغوط في أسواق الناقلات، الأسابيع المقبلة، خصوصًا بعد أن امتدت عقوبات الاتحاد الأوروبي وسقف مجموعة السبع لتشمل صادرات روسيا من الوقود المكرر مثل الديزل والبنزين.
وبالفعل اضطرت روسيا إلى إعادة توجيه كثير من نفطها الخام إلى آسيا، بعد سريان الحظر المفروض على واردات النفط الخام الروسي المنقولة بحرًا إلى الاتحاد الأوروبي في 5 ديسمبر الماضي، ومن ثمّ من المحتمل أن تحتاج موسكو إلى شحن الديزل وأنواع الوقود الأخرى لمسافات أطول.
وحسب الصحيفة البريطانية، فإن العقوبات الغربية التي تستهدف روسيا، أقل شدة من العقوبات الأمريكية التي تستهدف إيران، لافتة إلى تصميم سقف أسعار مجموعة السبع أيضًا جزئيًا لتقييد الإيرادات على الكرملين، مع الاحتفاظ بما يكفي من البراميل الروسية في السوق لتجنُّب النقص.
ونقلت عن عدد من سماسرة السفن قولهم، إن الشروط جعلت التجارة الروسية أكثر جاذبية من التعامل مع إيران، أو دول أخرى تخضع لعقوبات شديدة مثل فنزويلا، مستبعدين أن يقع مالكو ومشغلو السفن في خطأ هذه التدابير، خصوصًا إذا تمكنوا من إثبات إخبارهم بأن الوقود الروسي بيع تحت الغطاء.
ويشير تحليل "فايننشال تايمز" إلى أن كميات الخام الروسي، التي تُشحن في "أسطول الأشباح"، ارتفعت من نحو 3 ملايين برميل في نوفمبر الماضي إلى أكثر من 9 ملايين برميل في يناير 2023.
وفي ذلك، يقول أحد سماسرة السفن: في حين أن حفنة من مشغلي الناقلات الكبار ما زالوا يتجنبون تجارة النفط الروسية، مثل شركات النفط الغربية الكبرى ومشغلي السفن الأمريكية، فإن كثيرين على استعداد للمشاركة، في ضوء الأسعار المعروضة والتخلي عن القواعد.
وأضافوا: "أغلبية الشركات تبحث عن المشاركة والاستفادة من الأسعار المعروضة"، مشيرين إلى أن الخط الفاصل بين السوق الرمادية وسوق الناقلات التقليدية أصبح أكثر ضبابية عن العام الماضي.
وبينت الصحيفة البريطانية، أن بعض السفن التي تخدم روسيا في بيع نفطها، من المحتمل أن تكون جزءًا من أسطول الظل الخاص بموسكو، وهي عملية خاضعة للسيطرة السرية تم تجميعها العام الماضي، وقدَّر سماسرة السفن أنها تتكون من قرابة 100 سفينة.
وعما يخص "ملكية أسطول الأشباح"، تقول كلير جونغمان، رئيسة الموظفين في منظمة "متحدون ضد إيران النووية": "غالبًا ما تكون السفن مبهمة للغاية ومتخفية في عدد من الشركات التي تعمل كـ(واجهة فقط) تتغير باستمرار لتجنُّب العقوبات".
ورغم كل هذه العقوبات والضغوط -حسب الصحيفة- فإن النفط الروسي لا يزال يسافر في ناقلات تعمل بتأمين غربي، لافتة إلى أن هذا التأمين متاح فقط بشرط شراء الزيت بأقل من سقف السعر.
ونوهت إلى أن سعر خام الأورال الروسي الرئيس انخفض إلى خصم يتراوح بين 30 و40 دولارًا للبرميل، وهو أقل من الخام القياسي الدولي مثل برنت.
كما انخفضت أسعار البراميل الروسية من بحر البلطيق والبحر الأسود إلى خصم كبير لتغطية تكاليف الشحن جزئيًا، حيث تتفاوض مصافي التكرير في الهند وتركيا على أسعار منخفضة للخام، الذي كان يتدفق إلى الاتحاد الأوروبي.
وعن فرص روسيا في بيع نفطها أمام النفط الإيراني، بينت سفيتلانا لوباسيوفا، أن شحنات النفط الروسية أثبتت أنها مربحة أكثر لأنها لا تواجه تأخيرات كبيرة، على عكس الشحنات الإيرانية التي غالبًا ما تقضي وقتًا أطول في البحر لإخفاء مصدرها.
وأضافت: "لقد رأينا في بعض الأحيان ناقلات إيرانية تنتظر لأشهر حتى تبيع حمولتها، وهو ما لم يحدث -حتى الآن- مع الناقلات الروسية".