في اليوبيل الذهبي لرحيل بيكاسو... هل كان وحشًا أم عبقريًا؟
ذكرت إحدى عشيقاته في مذكراتها، أن بيكاسو كان عبقريًا، لكنه كان أيضًا مجردًا من المبادئ، إذ كان يُمكن أن يفعل أي شيء في سبيل حياته المهنية.

ترجمات - السياق
في الثامن من أبريل كل عام، يحتفل العالم بالذكرى السنوية لوفاة الرسام العالمي الشهير بابلو بيكاسو، إلا أن هذا العام كان مختلفًا، إذ أعلِن أنه (عام بيكاسو)، احتفالًا باليوبيل الذهبي لوفاته، ولِمَ لا وهو الرسام الذي مازالت أعماله الخالدة تلهم العالم.
ولد بيكاسو في إسبانيا عام 1881 وتوفي في فرنسا عام 1973 عن عمر تخطى تسعين عامًا.
وحسب مجلة إيكونوميست البريطانية، فقد ذكرت إحدى عشيقاته في مذكراتها، أن بيكاسو كان عبقريًا، لكنه كان أيضًا مجردًا من المبادئ، إذ كان يُمكن أن يفعل أي شيء في سبيل حياته المهنية، فضلًا عن قدرته على تخليد عشيقاته بطريقة جنونية، على لوحاته أو رسوماته ومنحوتاته.
وبينت المجلة أنه رغم أن بيكاسو كان من أعظم فناني القرن العشرين، فإنه كان مسيئًا ولديه "هوس مقزز" للنساء الأصغر سنًا (40 عامًا أصغر في حالة فرانسواز جيلوت).
وقد سلطت فرانسواز جيلوت، زوجة بيكاسو التي رُزق منها بطفليه بالوما وكلود، الضوء على علاقتها بالفنان الإسباني، بين عامي 1943 و 1954 في كتابها "حياتي مع بيكاسو".
وعلى عكس فرناندي أوليفييه التي عانت الفقر بعد انفصالها عن بيكاسو، فإن جيلوت كانت ميسورة الحال، ووضع أسرتها المالي جيد، وقالت في كتابها: "كان بيكاسو يرغب في وضع الشخصيات المقربة منه في حالة تنافس، امرأة ضد أخرى وتاجر فنون ضد آخر وصديق ضد آخر... لقد كان بارعًا في استخدام أي شخص كخرقة حمراء واستخدام شخص آخر كثور".
وبمناسبة ذكرى رحيله الخمسين، سيُقام نحو 40 عرضًا في العالم، لإظهار الرسام الشهير بـ"مختلف أبعاده"، "خزفيات بيكاسو"، "بيكاسو والنسوية"، "الأبيض في أعمال بيكاسو"، "بيكاسو بعدسات أشهر المصورين"، "بيكاسو الشاب في باريس"، و"بيكاسو النحات"... مواضيع كثيرة تعالجها الأنشطة المُقامة بمناسبة "عام بيكاسو"، في فرنسا وإسبانيا.
ورغم اتهامات عدة، بسوء معاملته للنساء، فإن ثمة من يعد بيكاسو عبقريًا، أو أهم رسام في التاريخ، منهم رئيس مركز بومبيدو في باريس، برنار بليستين، الذي قال إن القوة المدمرة لعمل بيكاسو مقارنة بعمل الآخرين، والاختراع الدائم، وعبور عبر جميع التيارات الفنية، والتجارب الممتدة أكثر من 80 عامًا والرغبة في إثارة الإعجاب والجدل في آن واحد... لا مثيل له.
علاقات نسائية
وحسب "إيكونوميست" كانت حفيدته مارينا قد علقت على علاقاته النسائية قائلة: "بمجرد الاستمتاع معهن لفترة وجيزة، يتخلص منهن".
وأشارت المجلة البريطانية، إلى أن اثنتين من العشيقات أقدمتا على قتل نفسيهما.
وفي كتابها "الوحوش"، تُعرف الكاتبة كلير ديدرير، بيكاسو بأنه "عبقري حديث نموذجي": فنان ينظر إلى نسائه على أنهن منتجات، مشيرةً إلى أن الرجال فقط هم الذين يبررون تصرفه، وتسأل في كتابها: "كيف لنا أن نشعر حيال عباقرة تصرفوا بطريقة فظيعة لكنهم صنعوا فنًا رائعًا".
وترى الكاتبة أن كثيرين ممن حاولوا تخطي هذه المسألة (ازدواجية شخصية بيكاسو بين العبقرية كفنان والقسوة تجاه النساء)، لم يستطيعوا ذلك، لأن الفنان العالمي الشهير كان شغوفًا بالفتيات الأصغر سنًا دائمًا، رغم أعماله الخالدة.
كانت جيلوت المرأة الوحيدة التي قررت هجر بيكاسو، الأمر الذي لم يغفره طوال حياته، لدرجة أنه -لفترة طويلة- رفض الاعتراف بطفليه.
ويرى باحثون أن بيكاسو أهان زوجاته حتى من خلال أعماله الفنية.
وترى ديدرير، أن ما سمتها "خطايا الفنانين" يمكن تخطيها سريعًا، من دون أن تتغير مكانتهم في عيون الناس، مشيرة إلى أن الفضائح التي كانت تملأ الأجواء ذات يوم، تصبح مع الوقت من الماضي، ولا يهتم بها أحد، لكن الفنان نفسه يعيش ويستمر وينجح من دون أدنى أزمة.
ورأت أن نبذ روائع الفنانين -الذين لهم ضحايا- مثل بيكاسو، قد يبدو عقابًا للمجتمع وليس للفنان ذاته، في إشارة إلى أن ما يخلد هو عمل الفنان وليس تصرفاته مهما كانت.
واستشهدت بما حدث مع المخرج الفرنسي البولندي رومان بولانسكي، المتهم باغتصاب فتاة، الذي رغم هذه التهم نال جائزة الأوسكار الفرنسي عن مجمل أعماله.
كان المخرج الفرنسي البولندي قد فر من الولايات المتحدة، بعد صدور حكم ضده عام 1970.
ووجهت للمخرج المعروف تهم جنسية أخرى منذ ذلك الوقت.
ورأت ديدرير، أنه رغم أن اتهامات بولانسكي "وصمة عار لا يمكن التخلص منها" فإن سيرته الذاتية مليئة أيضًا بالنجاحات التي استحق عليها التكريم الفرنسي.
وأشارت إلى أنه رغم "تلطيخ سمعة" بعض الفنانين، فإنه في الوقت نفسه، لا يمكنك إيقاف الحب الذي تشعر به للفن الذي صنعه هؤلاء المستهترون.
واستشهدت باتهامات ابنة وودي آلن بالتبني، للمخرج الأمريكي بالاعتداء عليها جنسيًا، عندما كانت طفلة.
وأكدت ديلان فارو (28 عامًا) التي تبناها وودي آلن مع الممثلة ميا فارو عندما كانا شريكين في الحياة، في رسالة نُشرت بمدونة لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنها تعرضت لاعتداء جنسي عندما كانت في السابعة بالمنزل العائلي.
الجريمة والفن
وقارنت ديدرير بين ما سمتها "فظاعة الجريمة" و"عظمة الفن"، ورأت أن "المعضلة حتمية وغير قابلة للحل".
واستشهدت بالقضية التي اتهم فيها الفنان الراحل مايكل جاكسون بالاعتداء على فتاة صغيرة، ثم محاولته إسكاتها بالمال.
كان المحامي الأمريكي فينس فينالدي قال في فبراير 2019: جاكسون، الذي توفي عام 2009، دفع "مبالغ ضخمة" لضحية تحرش بها في الثمانينيات، حتى لا تبوح بهذا السر لوسائل الإعلام.
وأضاف فينالدي لصحيفة ميرور البريطانية: "هو كان يُفضل الشبان وهي كانت تتصرف وتبدو مثل الشبان عندما تحرش بها بداية الثمانينيات".
وتقول ديدير إنه لا يوجد شخص وحش، سواء بالنسبة للمبدعين الملطخة سمعتهم بفضائح عدة، أم حتى العاديين، مضيفة: "هناك قليل من الوحشية في كل شخص، خاصة الفنانين، الذين تفيدهم الأنانية الدموية".
وتبرر الكاتبة رؤيتها بعدم اتهام الفنان بأنه "وحشي"، بأن أعماله الخالدة أقوى، مضيفة: "من الخطأ أن تسأل عن ماضي أي فنان قد يكون ملوثًا".
وفي حالة بيكاسو، شددت الكاتبة على أنه لا يمكن معاقبته من خلال منع بيع أعماله مثلًا، إذ إن المجتمع هو الذي سيكون محرومًا من هذا الإبداع وليس الفنان.
ورغم اعترافها بضرورة الكشف عن "ماضي الفنانين السيئ"، فإن ديدرير ترى أنه يجب إبعاد فنه عن هذا الأمر، لافتة إلى أن معارك المجتمع تدور حول قضايا أوسع، حتى لو دارت حول العلاقات والسلوك الخاص فإنها لا تستمر كثيرًا، أو تنتهي بوفاة بطل "الفضيحة".
وأشارت إلى أنه رغم اختلاف الآراء، لا يمكننا إلا اعتبار بيكاسو من أعظم فناني القرن الـ20، إذ شارك في عديد من التيارات الفنية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم آنذاك، والتي كان لها تأثير كبير في كبار الفنانين المعاصرين.
واخترع بيكاسو أشكالاً فريدة ومبتكرة من أساليب وتقنيات فنية جديدة وفريدة، طبعت عالم الفنّ، ومنه "الرسم التكعيبي".
ومن المقرر أن تقام عروض وفعاليات، بمناسبة الذكرى الخمسين لوفاة بيكاسو خلال العام.
ورغم اعتراف الكاتبة بأنها قد تحضر إحدى هذه الفعاليات، فإنها لم تستبعد عودة الحديث عن كراهيته للمرأة، مضيفة: "سواء شئنا أم أبينا، إذا صادف رجل (امرأة ذات قلادة صفراء)، فسترى السيجارة تحترق".