تطورات مرعبة... إلى أين وصلت تكنولوجيا الصواريخ في كوريا الشمالية؟
الاختبارات التي تجريها كوريا الشمالية، تظهر أن مزاعمها بتحقيق تقدم، ليست مجرد كلمات جوفاء، بل تعكس تقدمًا حقيقيًا.

ترجمات -السياق
بينما لا تزال الدبلوماسية بعيدة المنال، حققت كوريا الشمالية تقدمًا كبيرًا في برنامج الأسلحة النووية، بإطلاقها أكثر من 100 صاروخ منذ بداية عام 2022 حتى اليوم.
وتقول صحيفة واشنطن بوست، إن الاختبارات التي تجريها كوريا الشمالية، تظهر أن مزاعمها بتحقيق تقدم، ليست مجرد كلمات جوفاء، بل تعكس تقدمًا حقيقيًا، كما يقول المحللون، مشيرين إلى أن الرئيس كيم جين أونغ يجعل ترسانته من الصواريخ أسهل في الإطلاق، ويصعب تعقبها وقادرة على حمل رؤوس حربية نووية يومًا ما.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن كوريا الشمالية التي تتشبث بطموحاتها النووية، أطلقت في سبتمبر الماضي، تحديثًا لعقيدتها النووية، معلنة أنه «لن يكون هناك على الإطلاق نزع للسلاح النووي، ولا مفاوضات ولا ورقة مساومة للتجارة، حتى لو رُفعت العقوبات الدولية».
وتقول «واشنطن بوست»، إن خطاب كوريا الشمالية وتطوراته أديا إلى تغذية رغبة الكوريين الجنوبيين، في الحصول على رادع نووي خاص بهم، مشيرة إلى أنه خلال زيارة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول إلى الولايات المتحدة، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن أي هجوم نووي كوري شمالي على الجنوب «سيقابل باستجابة ساحقة وحاسمة بسرعة، وبمجموعة من القدرات الأمريكية، بما في ذلك النووية».
فما الذي حققته كوريا الشمالية؟
أحد أبرز التطورات الأخيرة، إطلاق بيونغ يانغ هذا الشهر لصاروخ بالستي عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب، هو Hwasong-18.
وتقول «واشنطن بوست» إنه طالما أراد كيم هذه التكنولوجيا، كاشفة أسباب ذلك بقولها، إن الوقود الصلب أسهل في التشغيل من الصواريخ التي تعمل بالدفع السائل، مشيرة إلى أن معظم البلدان التي تملك صواريخ بالستية عابرة للقارات لديها مزيج من النوعين.
بالنسبة لصواريخ الوقود الصلب، يكون الوقود والمؤكسد معًا في خليط كيميائي صلب، ثم تعبئتهما في أسطوانة معدنية جاهزة للاشتعال، ما يعني أنه يمكن إطلاق الصاروخ في العراء والوقود داخله، ويكون جاهزًا للإطلاق.
وقال شين سيونج كي، زميل أبحاث في المعهد الكوري لتحليل الدفاع ومقره سيول، إن الوقود الصلب أكثر فعالية من حيث التكلفة والإدارة والتخزين والنشر.
في المقابل، تستخدم صواريخ الوقود السائل الوقود والمؤكسد الذي يضخ في غرفة الاحتراق، التي تشتعل عند الاختلاط والحرق، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه يجب تحميل الوقود والمؤكسد في الموقع قبل الإطلاق، الأمر الذي قد يستغرق وقتًا طويلاً.
وقال شين: «رغم أن الاختبار الأخير لم يكتمل، فإنه يمثل أول خطوة كبيرة لتكنولوجيا نظام الدفع في كوريا الشمالية، نحو هدفها المتمثل في إرسال رأس حربي نووي إلى البر الرئيس للولايات المتحدة».
طرق إطلاق عدة
حال نشوب صراع في شبه الجزيرة، ستكون الأولوية القصوى لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، العثور على أكبر عدد ممكن من منصات الإطلاق النووية الكورية الشمالية وتدميرها، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن كوريا الشمالية تجعل هذه المهمة أكثر صعوبة.
«الكوريون الشماليون يقولون، إذا كنت تريد أن تلعب لعبة whack-a-mole مع قوتنا النووية، فسنحصل على عدد أكبر من الشامات التي يمكنك تتبعها وسنخفيها في أماكن لم تكن بحاجة إلى التفكير فيها»، قال أنكيت باندا، خبير السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام.
وأجرت كوريا الشمالية تجارب إطلاق عديد الصواريخ البالستية قصيرة المدى بمجموعة من المواقع، مثل القطارات والغواصات وقاذفات الإطلاق المتحركة.
وبينما تجري كوريا الشمالية تجارب على صواريخ تطلق من الغواصات منذ عام 2015، أطلقت بيونغ يانغ الشهر الماضي، صاروخي كروز من غواصتها ذات الصواريخ البالستية 8.24 يونغ ونغ، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الصاروخ يطلق من غواصة له مسار معقد يصعب اعتراضه، ما يجعله تهديدًا بحريًا كبيرًا.
ويبدو أن كوريا الشمالية لديها أيضًا القدرة على إطلاق صواريخ من تحت الأرض، فالصور تشير إلى أنه خلال التدريبات العسكرية في مارس الماضي، أطلقت بيونغ يانغ صاروخًا من صومعة مدفونة، ما سمح بالاستعدادات السابقة للإطلاق، من دون الكشف المبكر.
هذه الصوامع مفيدة بشكل خاص لإيواء الصواريخ بعيدة المدى التي تطورها كوريا الشمالية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن أحد عيوب هذه الصوامع أنها تتعرض للمسح الجوي.
كانت صور الأقمار الاصطناعية التقطت علامات محتملة على وجود صوامع في كوريا الشمالية.
تهديد حقيقي
كانت معظم الاختبارات الأخيرة، التي أجرتها كوريا الشمالية على صواريخ بالستية قصيرة المدى، حيث تعمل الدولة على تحسين القدرات في هذا النطاق، الذي يمكن أن يصل إلى كوريا الجنوبية.
ويشبه KN-23 الصاروخ SS-26 الروسي لكنّ له نطاق أكبر بكثير، وفقًا لبحث لمجلس الاتحاد الأوروبي، أشار فيه إلى أن KN-24 صاروخ بالستي يعمل بالوقود الصلب ويطلق من منصة إطلاق متحركة، وهو مشابه لنظام الصواريخ التكتيكية التابع للجيش الأمريكي (ATACMS).
KN-25 نظام إطلاق صواريخ متعدد قادر على إطلاق صواريخ عدة في تتابع سريع، وصفه الكوريون الشماليون بأنه «ذو عيار كبير جدًا».
وقال جو ميونغ هيون، محلل الدفاع بمعهد أسان في سول، إن هذه الأنظمة معروفة بأنها قابلة للتشغيل وهي «أنظمة ذات تعقيد كافٍ يمكن أن تشكل تهديدًا للجنوب».
إطلاق قمر اصطناعي للتجسس
وقال شين إن كوريا الشمالية قالت إنها مستعدة لإطلاق أول قمر اصطناعي استطلاع عسكري لها، ما سيساعد النظام أيضًا في صقل تكنولوجيا الصواريخ البالستية العابرة للقارات.
ويعد برنامج النظام الفضائي ذريعة لتطوير الصواريخ، وهو محظور بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.
وقال باندا إن هذه التكنولوجيا ستساعد كوريا الشمالية في تطوير قدرات الوعي بالموقف الاستراتيجي التي تفتقر إليها، مشيرًا إلى أن القمر الاصطناعي للتجسس سيمنح كوريا الشمالية قدرة مستقلة على اكتشاف هجوم محتمل، ما قد يسمح لكوريا الشمالية بتبرير توجيه ضربة استباقية لأعدائها.
ولم تكشف كوريا الشمالية عن الجدول الزمني المتوقع للإطلاق، لكن جيرانها يستعدون لذلك.
وأمر وزير الدفاع الياباني ياسوكازو حمادة الجيش بالاستعداد لإسقاط الصاروخ الكوري الشمالي إذا لزم الأمر، بينما نُشرت أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ جنوبي اليابان.
اختبار إعادة الدخول
لم تسقط الولايات المتحدة وحلفاؤها مطلقًا صاروخًا تجريبيًا أطلقته كوريا الشمالية، الذي يطلق عادةً بزاوية عالية أو «مرتفعة» بحيث لا يسافر بعيدًا، ويهبط على أراضي الدول المجاورة.
إلا أنه مع ذلك، حذرت كوريا الشمالية -في فبراير الماضي- من أن صواريخها ستتمكن قريبًا من إصابة أهداف في المحيط الهادئ، مهددة بتحويل المحيط إلى «مدى إطلاق نار».
إعلان حرب
وقالت كيم يو جونغي، الأخت القوية للزعيم الكوري الشمالي، إن «تكرار استخدام المحيط الهادئ كمجال إطلاق نار يعتمد على شخصية القوات الأمريكية». كما حذرت الولايات المتحدة وحلفاءها من اعتراض صواريخها التجريبية، قائلة إن ذلك سيعد «إعلان حرب».
وقال كيم دونج يوب، الضابط السابق في البحرية الكورية الجنوبية، الذي يدرس بجامعة الدراسات الكورية الشمالية في سول، إن كوريا الشمالية يمكن أن تطلق قريبًا صاروخًا بالستيًا عابرًا للقارات بزاوية عادية، لتجربة تكنولوجيا إعادة الدخول.
على مدى رحلتها، تخرج صواريخ بالستية عابرة للقارات، ثم تسقط مرة أخرى في الغلاف الجوي للأرض، ما يعرضها لتغيرات شديدة في درجات الحرارة.
وتقول «واشنطن بوست»، إن مركبة إعادة الدخول ضرورية لحماية الرأس الحربي للصاروخ من حرارة النيران، أثناء هبوطه بسرعة عالية عبر الهواء، مشيرة إلى أنه ما لم توضع الديناميكا الهوائية الخاصة بالعودة بدقة لدرع مناسب، فإن الرأس الحربي سيحترق ويفشل في إصابة الهدف على الأرض.
وتبحث كوريا الشمالية عن مناطق اختبار بعيدة لإتقان تكنولوجيا إعادة الدخول، بينما قال كيم دونج يوب إن اختبار الصاروخ، إذا أطلِق في المياه الأمريكية، سيمثل تصعيدًا جيوسياسيًا كبيرًا، مضيفًا أن «كوريا الشمالية تدفع حدود ما يمكن أن تفعله باسم الاختبار لإظهار أسلحتها في وضع حربي تقشعر له الأبدان».
الرؤوس النووية
رغم التطورات التكنولوجية التي حققتها في السنوات الأخيرة، فإن هناك شيئًا رئيسًا لم تثبت كوريا الشمالية أنها يمكنها القيام به: صنع رأس حربي نووي صغير بما يكفي لوضع صاروخ، هذه العملية تسمى التصغير، وهي صعبة.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الزعيم الكوري الشمالي كشف -الشهر الماضي- عما قال إنه رأس نووي جديد صغير يمكن أن يتناسب مع الصواريخ قصيرة المدى، كان يطلق عليه «هواسان31»، أي «بركان».
وقال وزير الدفاع الكوري الجنوبي لي جونغ سوب: «من الواضح أن كوريا الشمالية تعمل على جعل رؤوسها النووية أصغر حجماً وأخف وزناً»، في إشارة إلى هواسان31 الجديدة. وقال للمشرِّعين إن إنجازات كوريا الشمالية -حتى الآن- «ليست ضئيلة» ويجب تقييمها.
وقال لي، إن كوريا الشمالية أكملت الاستعدادات لتجربة نووية جديدة، في ما سيكون الأول منذ عام 2017، بينما يقول الخبراء إن التجربة ستلقي مزيدًا من الضوء على مدى تقدم كوريا الشمالية في هدفها المتمثل بتصغير الرؤوس الحربية النووية لاستخدامها في أسلحة تكتيكية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الأسلحة النووية التكتيكية مصممة للاستخدام المحدود في ساحة المعركة، مشيرة إلى أنها لديها نطاقات أقصر ونتائج تفجير أقل من الأسلحة الاستراتيجية المخصصة لأهداف أكبر وأبعد.
ويقول الخبراء إن هذه «الأسلحة النووية الأصغر»، التي غالبًا ما تُستغل في قعقعة السيوف، لا تزال تتمتع بالقوة التدميرية للتسبب في عدد كبير من القتلى.