برلمان ليبيا يقر التعديل الدستوري.. ضربة للإخوان أم محاولة للاستمرار في المشهد؟

ردًا على تساؤل: كيف تنظر الدول الإقليمية والغربية لذلك التعديل؟ قال محلل ليبي لـ - السياق- إن هناك دولًا مجاورة لليبيا مثل مصر وتونس، تسعيان لأن يكون البلد الإفريقي مستقرًا، خاليًا من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود

برلمان ليبيا يقر التعديل الدستوري.. ضربة للإخوان أم محاولة للاستمرار في المشهد؟

السياق 

بينما تعاني ليبيا أزمة سياسية، فشلت الحلول المحلية والإقليمية في العثور على مخرج لها، كان البلد الإفريقي على موعد مع قرار جديد للبرلمان، ألقى بحجر في المياه الراكدة، وأثار مزيدًا من التكهنات بشأن الانسداد السياسي.

ذلك القرار، المتمثل في إقرار البرلمان الليبي –الثلاثاء- الإعلان الدستوري الثالث عشر، قد يعيد الأزمة السياسية إلى المربع صفر، أو قد يقود إلى انفراجة في حراك الانتخابات، الذي أرجأته "القوة القاهرة".

 

فماذا حدث؟ وما تأثير القرار؟

في جلسة مكتملة النصاب، أقر البرلمان الليبي بأغلبية الحضور، الثلاثاء، الإعلان الدستوري الثالث عشر، الذي عدَّه مجلس النواب بديلًا للقاعدة الدستورية التي تعثر قطار الاتفاق عليها، بين مجلسي النواب وما يعرف بـ«الأعلى للدولة»، من خلال اللجنة المشتركة بين المجلسين.

إلا أن ذلك الإعلان الدستوري جاء بعد قرابة عام من الإعلان الدستوري الثاني عشر، الذي فشل البرلمان في تمريره، وكان حجر عثرة -بعد تعذر التوافق عليه- في طريق التفاهم بين المجلسين، خاصة بعد أن طالب «الأعلى للدولة» الذي يسيطر عليه تنظيم الإخوان بإلغائه أوًلا.

وبعد تشكيل المجلسين لجنة مرت بمحطات عدة وجولات في العاصمة المصرية القاهرة، تعثرت في الوصول إلى اتفاق على عدد من مواد الترشح لرئاسة ليبيا، خاصة مواد ترشح العسكريين والجنسية، قرر البرلمان المضي قدمًا في طريقه، غير عابئ بمحاولات الإخوان إعادته إلى الخلف.

ورغم ذلك، فإن مراقبين قالوا إن البرلمان تواصل مع «الأعلى للدولة» الذي لم يرد -حتى اللحظة- على الخطوة التي اتخذها مجلس النواب، وسط توقعات بأن يرفضها، ما يؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي الليبي.

 

فماذا عن الإعلان الدستوري الـ13؟

ينص على نقاط عدة تتعلق بصلاحيات الأجهزة المقبلة التي ستنتخب، سواء التشريعية أم التنفيذية.

يتضمن سلطة تشريعية باسم «مجلس الأمة» تحتوي على غرفتين تشريعيتين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

يكون مقر مجلس النوب في مدينة بنغازي (شرقي ليبيا) بينما مجلس الشيوخ في العاصمة طرابلس (غربي البلاد).

يحدد الاختصاصات التشريعية للمجلسين، وطريقة وشروط الترشح والانتخابات الخاصة بهما.

ينص على أن عدد أعضاء مجلس الشيوخ سيكون بين أقاليم ليبيا الثلاثة برقة (شرق) وطرابلس (غرب) وفزان (جنوب).

ينص على أن عدد نواب البرلمان 200 عضو ينتخبون بحسب الكثافة السكانية، أي التوزيع الجغرافي للمدن والمناطق.

ينص على أن السلطة التنفيذية يرأسها رئيس منتخب مباشرة من الشعب، يكلف بدوره رئيسًا للوزراء، وله الحق في إقالته.

يحدد صلاحيات رئيس الدولة المقبل، خاصة ما يتعلق بإعلان الحرب والسلم.

 

ماذا يعني قرار البرلمان؟

يقول القانوني الليبي في المحاكم الدولية، الدكتور راقي المسماري، في تصريحات لـ«السياق»، إن مجلسي النواب والدولة تجاوزا مسألة القاعدة الدستورية، بإحالة النقاط الخلافية إلى القوانين الانتخابية، مشيرًا إلى أنهما مررا -من خلال هذا التعديل- نصًا يبيح انتخاب الرئيس وتبيان اختصاصاته وتنظيم سلطاته، على أن يتناول قانون انتخاب الرئيس شروط الترشح.

وأوضح القانوني الليبي، أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية ستجرى بعد 240 يومًا من دخول القوانين الانتخابية حيز التنفيذ، مشيرًا إلى أن القوانين الانتخابية يجب التوافق عليها عبر التصويت بقبولها من خلال أغلبية الثلثين داخل مجلسي النواب والدولة.

وأكد أنه حال تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية لأي سبب، فإن الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية تعد كأن لم تكن، ما يعني أن مجلسي النواب والأعلى للدولة يستمران في ممارسة مهامهما.

 

الاستمرار في المشهد

وأشار القانوني الليبي إلى أن هذا التعديل محاولة من المجلسين للاستمرار في إدارة المشهد، والإمساك بزمام المبادرة واحتكار الحل، مؤكدًا أن النصوص الواردة بالتعديل مفخخة بترحيل المسائل الخلافية إلى القوانين الانتخابية، بحيث تصبح قضايا عالقة واشتراط حدوث التوافق عليها بأغلبية الثلثين داخل كل مجلس.

وردًا على ما إذا كان يمكن الاستناد إلى التعديل الدستوري الـ13 كقاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، إنه يمكن الاستناد إليه، لأنه يفتح الطريق لاختيار الشعب لحكامه مباشرة، ولنوابه في برلمان جديد مختلف تمامًا عن الأجسام الحالية.

وعما إذا كانت هذه الخطوة تمهد لانتخاب كتل جديدة، قال المحلل الليبي، في تصريحات لـ«السياق»، إن هذه الخطوة متواضعة وهي مفصلة لبقاء البرلمان في المشهد، مشيرًا إلى أنها رسالة لمن يريدون تجاوزه أنه باق.

وأكد المحلل الليبي، أن رئيس البرلمان عقيلة صالح والمجموعة المسيطرة على المجلس استبقت بالإعلان الدستوري، ما يخطط له المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، من مبادرة جديدة تتجاوز البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، لاعتماد قاعدة دستورية وإدخال تعديل وزاري على حكومة الدبيبة، تمثل فيها أطراف فاعلة على الأرض، وتعمل في كل مناطق ليبيا، لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.

وأشار إلى أن هذا التعديل لن تكون له أي فاعلية، لأن الأطراف الأخرى في الصراع لن تقبله، مؤكدًا أن هذه الخطوة تعكس -بشكل واضح- أن البرلمان يقاتل للبقاء في المشهد مثل مجلس الدولة.

 

هل يتسبب في أزمة؟

وردًا على ما إذا كانت هذه الخطوة ستتسبب في أزمة سياسية ودستورية بليبيا، قال المحلل الليبي، إنه لا يعتقد أن هذه الخطوة يمكن أن تكون سببًا في أزمة سياسية، لأن ليبيا تعيش منذ عام 2012 في أزمة سياسية ودستورية خانقة.

ورغم أن هذه الخطوة حل مرضٍ لمعضلة الاتفاق على قاعدة دستورية تجري الانتخابات على أساسها، فإن المشكلة تكمن في أطراف الصراع، الذين لا يهتمون كثيرًا بالتوصل لقاعدة دستورية ولا لأي انتخابات، لكن بتعطيل وإبعاد شبح الانتخابات، للمحافظة على استمرار مصالحهم الضيقة.

وحذر المحلل الليبي من أن هذه الخطوة ستنتج كتلًا متصارعة في البرلمان، كون الأخير يفتقر إلى العدد الكافي والتنوع المتوازن الذي ينتج معارضة داخل البرلمان، مشيرًا إلى أن الكتلة المتبقية مجموعة صراع شكلتها المصالح للبقاء في المشهد.

وأشار إلى أن مسألة التدويل في ليبيا بدأت حتى قبل وجود البرلمان، وهي المسؤولة عما انتهت إليه الأوضاع في ليبيا، مؤكدًا أن القوى التي أسقطت نظام القذافي هي الدول التي تتلاعب بليبيا وسببت الأزمة التي نسميها تدويلًا.

 

كيف تراه الدول المتداخلة في ليبيا؟

وردًا على تساؤل: كيف تنظر الدول الإقليمية والغربية لذلك التعديل؟ قال المحلل الليبي إن هناك دولًا مجاورة لليبيا مثل مصر وتونس، تسعيان لأن يكون البلد الإفريقي مستقرًا، خاليًا من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، لأنهما يخشيان تسلل الإرهاب والتطرف إليهما من الحدود الطويلة المشتركة مع ليبيا.

إلا أنه قال إن هناك دولاً تستفيد من الفوضى وانعدام مؤسسات الدولة، للمحافظة على مصالحها، أبرزها تركيا التي تريد رهن ليبيا لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، خصوصًا صراعها مع الاتحاد الأوروبي واليونان على غاز ونفط شرق المتوسط.

من جانبه، قال عضو المؤتمر الوطني العام السابق عبدالمنعم اليسير، في تصريحات لـ«السياق»، إن هذا التعديل يزيد تعقيد المشهد، ويرسخ واقعًا خطيرًا يمنع الاستقرار.

وأوضح اليسير، أن مجلس النواب لا يشكل بناءً على النسبة السكانية والمساحة الجغرافية، مشيرًا إلى أن البرلمان يشكل ليكون كل المواطنين متساوين في حقوق التمثيل البرلماني.

وأشار إلى أن التعديل ينص على أن مجلس الشيوخ يتكون من 20 لبرقة و20 لطرابلس و20 لفزان، ما يعني تشكيلًا ضمنيًا للدولة الليبية على أنها مركبة من ثلاثة أقاليم، وهو ما يتناقض مع النصوص الأساسية للإعلان الدستوري التي تتعلق بالمساواة بين الليبيين.

 

الفصل بين السلطات

وأكد عضو المؤتمر الوطني العام، أن هذا التعديل يضع مجلس الأمة في موقع المتفرج، ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية، مشيرًا إلى أنه في الأنظمة الديمقراطية المتوازنة لا يحق للرئيس أن يحل مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ولا يحق للمجلسين إقالة الرئيس إلا في ظروف خاصة منها الخيانة العظمى، ما يعني أنه لا يجوز لأي رئيس حل المجالس التشريعية المنتخبة.

وأكد اليسير، أن المدة المتاحة لمجلسي النواب والشيوخ أربع سنوات، ما يتعارض مع الواقع، خاصة أن الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية فقط وليس دستورًا دائمًا للبلاد، بينما المرحلة الانتقالية يجب ألا تزيد على سنة واحدة في الدساتير الدائمة.

 

نقاط خلافية ولكن

من جهة أخرى، قال المحلل الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن التعديل الدستوري الثالث عشر، الذي أقره البرلمان يكتسي أهمية كبيرة، خاصة أنه أقر تعديل بعض النقاط الخلافية بين مجلسي النواب والدولة، إلا أنه حذر من أن هذا التعديل لن يكون ذا قيمة إن رفضه مجلس الدولة.

ورغم ذلك، فإن المحلل الليبي، قال إن التعديل الدستوري لن يتسبب في أزمة أكبر من القائمة، فإما أن يوافق مجلس الدولة عليه وإما يرفضه، ومن ثم تعود ليبيا إلى نقطة الصفر من جديد.

وأشار إلى أن أي تعديل دستوري لا يتوافق مع ما يريده تيار بعينه لن يمر في مجلس الدولة، فضلًا عن رغبة النواب والدولة في الاستمرار بالسلطة، مؤكدًا أنه لن يكون بعيدًا عما حصل في التعديل الثاني عشر، وسيظل حبرًا على ورق، إذا لم توحد السلطة التنفيذية ولم تبدأ الإجراءات المتعلقة بالانتخابات.