يا شام أنت شامنا.. قصص مأساوية ومشاهد مرعبة من تحت الأنقاض في سوريا وتركيا

لحن الحياة تحت أنقاض سوريا وتركيا.. فرق تسابق الوقت ومدنيون يصارعون الموت

يا شام أنت شامنا.. قصص مأساوية ومشاهد مرعبة من تحت الأنقاض في سوريا وتركيا

السياق

«يا عمو إخواتي وأمي هون بس كلهم ميتين»... مقطع انتشر لطفلة سورية لحظة إخراجها من تحت الأنقاض، وهي تجيب عن متطوع سألها عن آخرين في المكان.

ذلك المقطع انتشر كالنار في الهشيم، مع قصص إنسانية مروِّعة، خلفتها زلازل تركيا وسوريا، من طفل سوري فقد عائلته وبقي وحيداً، مرورًا برضيعة أخرجت على قيد الحياة في ولاية أديمان التركية، بعد ثلاثة أيام من وجودها تحت الأنقاض، إلى مقطع لفتى سوري وثق لحظات مأساوية من تحت الأنقاض وهو يردد الشهادتين، قائلًا: «إذا انتشر الفيديو فأنا حي».

ورغم تلك المشاهد المأساوية وغيرها كثير مما خلفتها الزلازل في البلدين المنكوبين، فإن قسوتها لم تكن بقدر الرضيعة التي ولدت بأعجوبة تحت الركام، وبقيت متصلة عبر حبل السرة بوالدتها التي قُتلت بعدما دمر الزلزال منزل عائلتها في سوريا.

تلك المشاهد المأساوية أطلقت موجات تعاطف لدى كثيرين في الوطن العربي والعالم، ودفعت كثيرًا من النشطاء إلى إطلاق حملات للتبرع، وللسفر إلى البلدين المنكوبين، للمساعدة في انتشال الضحايا والجثامين.

ولم تكن موجة التعاطف على المستوى الشعبي العالمي فحسب، بل إن المحنة الإنسانية التي يمر بها البلدان أطلقت على الفور «دبلوماسية النكبات»، إذ أدت إلى استجابة عالمية، بجسور جوية من مصر والإمارات وقطر وغيرها من الدول، لتتجاوز التبرعات 14 مليار دولار أمريكي.

 

فما أبرز المشاهد المأساوية لزلازل سوريا وتركيا؟

منظمة الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء»، نشرت عبر «تويتر» قصصًا مأساوية من تحت الأنقاض، وأثارت موجة تعاطف كبيرة مع السوريين الذين يعانون وطأة الزلزال والانقسامات السياسية والحصار المفروض على بعض المدن.

إحدى تلك القصص، مقطع الفيديو الذي نشرته المنظمة السورية لعملية إنقاذ طفلة من تحت أنقاض منزلها المدمر في مدينة سلقين غربي محافظة إدلب شمالي سوريا، موثقًا حواراً يفطر القلوب بين الطفلة ليلاس، التي ترد على أحد منقذيها، إن إخوتها وأمها في الداخل «لكنهم ميتون».

 

مشاهد تفطر القلوب

وفي محاولة من رجل الإنقاذ الذي بدا منهكـًا لتخفيف وطأة الألم على الطفلة، سألها عن اسمها، لترد الأخيرة: «ليلاس»، فيبادرها بسؤال عن عمرها فتستدرك ببراءة أنها «دخلت في العاشرة».

ومحاولًا طمأنتها، قال لها أحد رجال الإنقاذ: «عما قليل سنصل إليك»، وهو ما تحقق بعد جهود مضنية من الدفاع المدني، الذي سألها ما إذا كان أحد عالقًا في الداخل، فأجابت: «إخوتي جوا بس ميتين وأمي».

مشهد جديد فطر القلوب، وثقه مقطع فيديو لمنظمة الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء»، للحظة إنقاذ رضيع وعائلته من تحت أنقاض منزلهم المدمر في بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين بريف مدينة حلب شمالي سوريا.

وبحسب المقطع، فإن طفلة صغيرة ظهرت فيه والدماء تسيل من ذراعيها وعليها آثار الحجارة، ومن تحتها رضيع مسجّى بغطاء، في مشهد جسد أزمات تسببت فيها كارثة الزلزال المدمر، في ذلك البلد العربي الذي أنهكته الحرب الدائرة منذ 12 عامًا.

مشاهد إخراج الضحايا من تحت الأنقاض، وإن كانت ذات طبيعة مأساوية، إلا أن جانبًا مضيئا فيها، يتمثل في إنقاذ أرواح من مصير مجهول، وهو ما يقابل بفرح وتهليل من فرق الدفاع المدني والمتطوعين.

أحد تلك المشاهد، ما تداوله مغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من مقطع فيديو يظهر عمال إنقاذ ينقذون أسرة سورية من تحت أنقاض منزلها الذي أصبح ركامًا بسبب الزلزال.

قصة أخرى لا تقل مأساويتها عن تلك التي وثقتها عدسات المصورين، نشرتها منظمة الدفاع المدني بعنوان «يا شام أنت شامنا… لحن الحياة تحت الأنقاض»، في كلمات شدا بها متطوعون، للشد من أزر الطفلة شام العالقة تحت الأنقاض في منطقة أرمناز قرب إدلب.

وفي محاولة من المتطوعين لمساندة الطفلة، شدوا للطفلة شام أثناء إنقاذها، بأغنية «يا شام أنت شامنا»، مساء الثلاثاء، بينما كانت الصغيرة ممدة تحت الأنقاض وعليها أجهزة التنفس.

 

مناشدات دولية

ذلك الوضع المأساوي في سوريا، دفع منظمة الخوذ البيضاء، الدفاع المدني إلى مناشدة المجتمع الدولي إرسال فرق إنقاذ لدعمهم في البحث عن عالقين تحت أنقاض مئات المباني المدمرة شمالي سوريا.

وقال المتحدث الإعلامي باسم المنظمة محمد الشبلي، في تصريحات لـ«فرانس 24»: «هناك أناس يموتون كل ثانية تحت الأنقاض، نحن في سباق مع الوقت».

ومنذ فجر الاثنين، يقود متطوعو الخوذ البيضاء عمليات الإنقاذ في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق بمحافظتي إدلب (شمال غرب) وحلب (شمال)، يبحثون عن ناجين، أملًا بأن يتمكنوا من إسعاف الجرحى ونقل الموتى إلى المقابر.

الشبلي الموجود في الجانب التركي من الحدود مع سوريا، قال: «نطلب من المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه الضحايا، يجب أن تدخل فرق إنقاذ دولية»، متسائلًا: هل نمتلك القدرة وحدنا على مواجهة تلك الكارثة؟ إنه أمر شبه مستحيل، إنه أمر تعجز دول عنه.

وبعد 56 ساعة من العمل المتواصل، لا تزال هناك معلومات عن مئات العائلات المفقودة أو العالقة تحت الأنقاض، بحسب الشبلي، الذي قال إنه مع مضي الوقت، تتراجع فرص نجاة الناس شيئاً فشيئاً، خاصة أنهم يفقدون السوائل في ظل درجات حرارة منخفضة، بينما تنخفض مؤشراتهم الحيوية، وتتراجع قدراتهم الجسدية.

 

ماذا عن تركيا؟

مقطع فيديو جديد على وسائل التواصل الاجتماعي، وثق حرقة قلب وألم سيدة تركية، فقدت أفراداً من أسرتها في الزلزال.

وبحسب المقطع فإن السيدة صرخت وبكت، فوق الجثث المغطاة التي انتشلت خلال عمليات بحث بين الأنقاض في مدينة هاتاي، بعدما اكتشفت أن أفراداً من عائلتها بينهم.

وبعد أن حوصرت جثتها تحت الأنقاض، وثق مقطع فيديو تركيًا يُدعى مسعود هانسر  يمسك يد ابنته المتوفاة، التي تبلغ من العمر 15 عامًا، في كهرمان مرعش.

ورغم البرد القارس، فإن الأب رفض مغادرة المكان حتى تصل فرق الإنقاذ لانتشال جثتها، بينما عكست ملامح الأب المكلوم حزنًا كبيرًا، وهو ينتظر فرق الإنقاذ لانتشالها من تحت الركام.

مشهد أضيف إلى مشاهد لناجين من الزلزال الذي ضرب تركيا والذين لجأوا إلى مطار غازي عنتاب القريب من مركز الهزة بعدما انهارت منازلهم، بينما تصل طلائع المسعفين من 70 دولة لمحاولة إنقاذ أكبر عدد ممكن من العالقين تحت الأنقاض.

وينام نحو 100 شخص ملفوفين ببطانيات في إحدى صالات المطار التي تُستخدم عادة للترحيب بسياسيين ومشاهير أتراك، بينما منعت السلطات الناس من الإقامة في الأبنية السكنية، بسبب الهزات الارتدادية الكثيرة التي ضربت المنطقة.

الطالب مصطفى إهيانجي (20 عامًا) من المحتشدين في صالة كبار الشخصيات بالمطار، مع خمسة من أفراد عائلته، قال إنه كان نائمًا حين ضرب الزلزال الأول، مضيفًا: «كان الأمر أشبه بكابوس، مثل الألعاب الأفعوانية»، بحسب «فرانس 24».

وأضاف الطالب التركي: «كنا ننتظر في الخارج حين ضرب الزلزال الثاني بعد بضع ساعات. كلنا مرعوبون (...) ننام هنا، نأكل هنا. نحن بأمان في هذه المنطقة، هناك كهرباء وصرف صحي... لا أعرف متى نغادر».

وأمضى عشرات الآلاف من أبناء في المدينة، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة الليل البارد في السيارات أو متجمعين حول مواقد أُشعلت في الشوارع، لكن السلطات تخشى أن يكون آلاف الأشخاص عالقين تحت الأنقاض في أكثر المناطق تضررًا بتركيا وسوريا.

 

بكاء طفلة

داخل المطار، كان جندي تركي يحمل طفلًا ويمشي، ليحاول وقف بكائه، بينما شوهدت نساء مع أطفال ينامون داخل مكتب مدير صالة كبار الشخصيات في المطار.

زاهدة سوتكو التي ذهبت إلى المطار مع طفليها بعد الفرار من شقتها، تقول: «رأينا المباني تنهار، لذا نعلم أننا محظوظون لأننا مازلنا على قيد الحياة»، مضيفة: «لكن هناك عدم يقين في حياتنا. كيف سأعتني بهؤلاء الأطفال؟ نحن يائسون».

وحذر وزير الداخلية التركي سليمان صويلو من أن الساعات الثماني والأربعين المقبلة ستكون «حاسمة» في عملية البحث عن ناجين، خصوصًا مع انخفاض درجات الحرارة حتى ملامستها الصفر تقريبًا.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عدد ضحايا الزلزال في بلاده ارتفع إلى 8574 قتيلًا، معترفًا ببعض المشكلات في الاستجابة المبدئية للكارثة، لكنه ذكر أن العمليات عادت إلى طبيعتها.

ومن إقليم كهرمان مرعش بالقرب من مركز الزلزال، أضاف في تصريحات صحفية، أنه كانت هناك بعض المشكلات في الطرق والمطارات، لكن كل شيء سيصبح أفضل يومًا بعد يوم.

 

نِصف بلدة مدمرة

من جانبها، قالت عمدة بلدية غازي عنتاب فاطمة شاهين: "أكثر من نِصف البلدة التي يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة، دُمر في الزلزال، هناك كارثة، لم أر مثل هذه الكارثة من قبل".

وأضافت فاطمة شاهين في تصريحات لصحيفة زمان التركية: «كابوس كبير وكارثة. كل الصخور أغلقت الطرق. هناك مشكلة كبيرة جدًا. نحن نعيد تجميع صفوفنا. لقد اعتنينا بالوجبات والبطانيات، لقد فقدنا أكثر من نِصف البلدة، إنها كارثة».

وتابعت عمدة بلدية غازي عنتاب: «لم نشهد مثل هذه الكارثة من قبل. أكثر من نصف سكان المدينة لا يمكنهم العودة للمنزل. افتتحنا الصالات الرياضية والمرافق الاجتماعية. كما أننا من دون الغاز الطبيعي، نواجه صعوبة في العثور على الخبز. نحن بحاجة إلى الخبز والبطانيات بشكل عاجل».