مع استمرار الحرب... السودانيون يغادرون الخرطوم
منذ اندلاع المعارك السبت، مع عمليات قصف جوي ومدفعي، استهدفت مناطق مكتظة بالسكان، يشعر المدنيون بيأس متزايد، في ظل نقص المؤن وانقطاع التيار وشح المياه

السياق
يؤازر سكان الخرطوم بعضهم بعضًا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيقدمون المساعدات والنصائح، بعدما علق معظمهم داخل منازلهم، في ظل المعارك الشرسة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
وتحدد مجموعات على "واتساب" الاحتياجات، استنادًا للرسائل الواردة، بينما يحمّل اختصاصيون في مجال الطب تسجيلات تعليمية مصوّرة عن الإسعافات الأولية، ويعمل آخرون في المدينة التي تعد أكثر من خمسة ملايين نسمة، لتقديم الدعم اللازم.
وعلى غرار كثير من السودانيين المتحصنين في منازلهم بعيدًا عن النوافذ خشية تعرضهم لإطلاق نار، لجأ مستخدم "تويتر" مجتبى موسى إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث طلب من 200 ألف متابع مشاركة "طلب المساعدة لأي شيء، أدوية، وقود، مواد غذائية ومياه" والمعلومات عن أماكن توافر الاحتياجات.
ومنذ اندلاع المعارك السبت، مع عمليات قصف جوي ومدفعي، استهدفت مناطق مكتظة بالسكان، يشعر المدنيون بيأس متزايد، في ظل نقص المؤن وانقطاع التيار وشح المياه.
ويحشد سكان كل حي الدعم والتضامن، من خلال "تويتر" تحت وسم #حوجة_الخرطوم وغيره.
وعلى "واتساب" انضم مئات المستخدمين لمجموعة مخصصة لتجميع الموارد، حيث ترد رسائل تفطر القلب، فعلى سبيل المثال، تناشد امرأة تدعى خلود الحصول على حليب الأطفال، بينما يبحث هشام عن سيارة تنقله، ويطلب مستخدم لم يكشف هويته رصيد هاتف، للاتصال بعائلته.
ويقدّم آخرون نصائح على غرار ما يجب حمله في الحقيبة المخصصة للهروب، وأي الأطباء يتعيّن الاتصال بهم أو كيفية التعامل مع نوبات الهلع.
دليل التعامل مع إصابة بالرصاص
استيقظ سكان الخرطوم، التي كانت تاريخيًا أكثر مدن السودان أمانًا، حتى في أوج الحروب الأهلية التي شهدتها ولايات أخرى، السبت، ليجدوا أنفسهم عالقين وسط نزاع دام.
وأمضوا مذاك الأيام الأخيرة من شهر رمضان مختبئين، بينما جابت الدبابات الشوارع، واهتزت المباني، وغطت سحب الدخان الرمادية المتصاعدة من الحرائق الناجمة عن القتال، سماء المدينة.
بينما اعتاد سكان الخرطوم -بعد سنوات من العقوبات الدولية والبنى التحتية المتهالكة- التعامل مع انقطاع الطاقة وتقنين الموارد، إلا أنهم لم يتخيّلوا يومًا أن عليهم حماية عائلاتهم من قصف سلاح الجو للعاصمة.
ومع تجاوز حصيلة القتلى 270 مدنيًا، بحسب التقييمات الأولية، أعادت لجنة أطباء السودان نشر تسجيل تعليمي مصوّر على "فيسبوك" عن الإسعافات الأولية، عند الإصابة بجروح ناجمة عن إطلاق نار.
ونشرت اللجنة هذه النصائح مرة أولى عام 2019، أثناء الاحتجاجات الشعبية، التي دفعت الجيش لإطاحة البشير.
وبينما قطعت السلطات الإنترنت، لمنع العالم من رؤية الأدلة على وقوع مجازر، تدور حاليًا حرب معلومات بين طرفي النزاع، اللذين أغرقا وسائل الإعلام بمواد دعائية متعارضة.
وكرّست لجان المقاومة، وهي مجموعات محلية غير رسمية، ظهرت خلال احتجاجات عام 2019 ضد البشير وتواصل قيادة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، نفسها لـ"رصد الأوضاع على الأرض ونقل ما يجري في وحول كل حي دوريًا منعًا للشائعات".
ومع عدم استطاعة كثير من الجرحى الوصول إلى المستشفيات التي تتعرّض أيضًا للقصف، أو تحاول تدبّر أمورها، في ظل النقص الشديد، تسعى لجان المقاومة إلى تأسيس عيادات ميدانية كلما كان ذلك ممكنًا.
خرائط تفاعلية
وفي ظل تعذر وصول الأطباء والمرضى إلى المستشفيات، بدأ اختصاصيون في المجال الطبي إضافة معلوماتهم إلى دليل على الإنترنت، لتوفير المساعدة الطبية.
ويشمل الدليل مكان الفرق الطبية، حال تمكن الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية من التنقل، إضافة إلى معلومات الاتصال لمساعدة مرضى آخرين، عبر الهاتف أو الرسائل النصية.
ومع إغلاق الصيدليات أبوابها منذ السبت، لم تعد الحاجة مقتصرة على المصابين، إذ إن هناك أيضًا من لا يستطيعون الحصول على أدويتهم المعتادة مثل الإنسولين.
واقترح مستخدم "تويتر" خالد سعد على متابعيه البالغ عددهم 80 ألفًا، العثور على صيدلية، ومن ثم تأسيس مجموعة على "واتساب" وإرسال الوصفات إليها، ويمكن لمتطوع واحد أن يحضر الأدوية ويتقاسم الباقون التكلفة.
ودعت منشورات أخرى، بعد مشاركتها على نطاق واسع، إلى إرسال سيارة إسعاف، لنقل جثتي شخصين أصيبت سيارتهما بصاروخ.
وفي ظل تراجع قدرة السكان على الصمود داخل منازلهم لشح الموارد، يعد الخروج خطرًا للغاية، نظرًا لاستمرار إطلاق النار.
ورغم أن هناك من استغل توقف المعارك فترة وجيزة لمغادرة الخرطوم، أفاد آخرون بأن الشوارع مليئة بالجثث.
وتهدف خرائط تفاعلية ومعلومات محدثة، لتوفير إرشادات للذين يحاولون الفرار عبر شوارع لا تشهد معارك، علمًا بأنها تحمل التوقيت بالدقيقة إذ إن الأوضاع قد تتغير في أي لحظة