كيف تتحايل التنظيمات الإرهابية لجمع تبرعات باسم ضحايا زلزال سوريا وتركيا؟

مؤشرات أثارت أسئلة عن قدرة التنظيمات الإرهابية على الاستيلاء على أموال التبرعات، وكيف تعمل الجهات التي أدينت من قبل كممولة للإرهاب في مجال العمل الخيري والمؤسسي؟

كيف تتحايل التنظيمات الإرهابية لجمع تبرعات باسم ضحايا زلزال سوريا وتركيا؟

السياق

على وقع زلزال سوريا وتركيا، الذي أوقع آلاف القتلى والجرحى في 6 فبراير الجاري، هبت الدول العربية والغربية، لنجدة البلدين المنكوبين، بالمساعدات المادية والعينية، وبفرق مدنية لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض.

إلا أن التنظيمات الإرهابية كان لها رأي آخر، فعلى غرار حملات التبرع الرسمية، التي أعلنتها الدول، ولقيت كثيرًا من الدعم والاستجابة من مواطنيها، بجمع ملايين الدولارات تبرعات لضحايا الزلزال بسوريا وتركيا، نظمت الجماعات الإرهابية حملات مشابهة، لجمع تبرعات للمنكوبين.

تلك الحملات، التي كانت بعيدة عن المستوى الرسمي، وسارت بشكل منفصل في مسار مواز، أثارت تساؤلات عن الوجهة النهائية لهذه الأموال، خاصة أن للتنظيمات الإرهابية سوابق في القفز على تلك التبرعات لصالحها، إضافة إلى أن عددًا من تلك الشركات أو الجمعيات -جامعة التبرعات- كانت تصب في بلدان غير البلدين المنكوبين.

فماذا حدث؟

ما إن وقع الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، مخلفًا ملايين المضارين منه، بين مشرد ومصاب وقتيل، انطلقت مقاطع استغاثة، بثت آناء الليل وأطراف النهار على مواقع التواصل تطالب بتكثيف التبرع، عبر منصات غير رسمية، مطالبة العالم بتكثيف الدعم للبلدين المنكوبين.

إلا أن تلك التبرعات، التي استجاب آلاف بل ملايين إليها، تحت هول الكارثة البيئية، لم تكن وجهتها النهائية أي من البلدين المنكوبين، بحسب من ظهروا في مقاطع فيديو، ادعوا فيها عدم وصول المساعدات بشكل كافٍ خاصة للشعب السوري، وتطلب التأكد من إيصال المساعدات عبر قنوات اتصال موثوق بها أو باليد، ما يؤكد وجود قنوات اتصال غير أمينة على توصيل المساعدات الإنسانية لأصحاب الشأن، وأن كثيرًا منها ذهب إلى وجهات غير مشروعة.

المقاطع الأخيرة، تزامنت مع تحذير للأمم المتحدة من زيادة أنشطة الاحتيال، عبر صفحات تبرع وهمية تنتشر عقب الكوارث الطبيعية، مشيرة إلى أنها لاحظت زيادة غير عادية للصفحات الوهمية التي تجمع تبرعات بالنصب، مستغلة تعاطف الجميع مع الكارثة الإنسانية.

وبحسب التحذير الأممي، فإن المؤسسات الرسمية في بعض البلدان التي انطلقت منها تلك التبرعات، لم تنبه مواطنيها إلى خطر استغلالهم من بعض الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الداعمة والممولة للإرهاب.

تلك المؤشرات، أثارت أسئلة عن قدرة التنظيمات الإرهابية على الاستيلاء على أموال التبرعات، وكيف تعمل الجهات التي أدينت من قبل كممولة للإرهاب في مجال العمل الخيري والمؤسسي؟

سرقة التبرعات

الإجابة على تلك الأسئلة، كانت من قلب التاريخ الحديث، التي أشارت إليها صفحات دراسة لمركز رع للدراسات السياسية والاستراتيجية، واطلعت «السياق» على نسخة منها.

يقول مركز رع، إن التنظيمات الإرهابية اعتادت واحترفت خداع الذين يسعون بحُسن نية للتبرع للمحتاجين، خاصة وقت الأزمات والكوارث، مشيرًا إلى أن التاريخ خير شاهد على ذلك، فتنظيم الإخوان طالما استغل القضية الفلسطينية وجمع التبرعات باسمها منذ عهد حسن البنا عام 1936، واستولى عليها لصالح الجماعة.

تلك الرواية، كانت وفقًا لشهادة محمود عبدالحليم مؤرخ الجماعة في كتاب «الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ»، وهي شهادة أكدها علي عشماوي أحد قادة التنظيم الخاص، في خمسينيات القرن الماضي، في كتاب «التاريخ السري للإخوان المسلمين»، الذي أشار فيه إلى تكدس خزائن الإخوان بأموال التبرعات لإنقاذ الأقصى.

الإجابة لم تكن فقط من قلب التاريخ، بل إن عام 2019 كان شاهدًا على اتباع تنظيم الإخوان الإرهابي النهج نفسه في فضيحة سرقة التبرعات، التي نفذها نائب مرشد الإخوان محمود حسين نائب المرشد، إضافة إلى واقعة سرقة أموال التبرعات من قيادات الجماعة التي جُمعت باسم «الجامعة العالمية للتجديد» التي كان يشرف عليها يوسف القرضاوي عام 2015، بحسب الدراسة.

وبحسب مركز رع للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن ذلك التاريخ الأسود للتنظيم الإخواني جاء متزامنًا مع مئات الجمعيات التي تؤسس تحت سمعه وبصره كل يوم، لجمع التبرعات والاستيلاء عليها مثل جمعية وقف الأمة، التي تجمع تبرعات باسم المسجد الأقصى.

تلك الجمعية التي تعمل لصالح التنظيم الإرهابي، سارعت لاستغلال زلزال سوريا وتركيا، وفتحت باب التبرع من خلال موقعها الإلكتروني، وأطلقت العنان للإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أملًا بحصد أكبر عدد من المتبرعين الذين تأسر قلوبهم بالمقاطع والملفات المصورة، التي توثق وضع الجرحى والمصابين، إضافة إلى قصص المفقودين.

وللإلحاح على التبرع للضحايا، أطلق بعض شيوخ التنظيم الإرهابي، مثل الإخواني الهارب محمد الصغير ومحمد سعيد حوي ومحمد راتب النابلسي، فتاوى بجواز تعجيل الزكاة لحث المسلمين في كل مكان على التبرع لضحايا الزلزال.

وجند تنظيم الإخوان كل وسائله لهذه الغاية التي يعدها فرصة ثمينة له، فأطلقت أغلبية المؤسسات الخيرية وشركات الصرافة التابعة للإخوان -التي تعمل كجزء أساسي من نشاطها لتمويل داعش والقاعدة- الإعلانات عبر صفحات التواصل بشكل مكثف، الأسبوع الماضي، لجمع التبرعات التي يكون ظاهرها لصالح المتضررين، بينما باطنها لصالح التنظيمات الإرهابية.

ومن تلك الجمعيات التي نشطت مؤخرًا: جمعية النجاة الداعمة للتنظيمات الإرهابية بأفغانستان، وجمعية الدعم والتضامن مع الفقراء، التي يقودها أحد داعمي هيئة تحرير الشام ويدعى حسن سوسلو، وجمعية الحكمة والرحمة، المرتبطة بالقاعدة في اليمن، وغيرها مئات الجمعيات والمؤسسات والشركات، التي تعمل لصالح تمويل التنظيمات الإرهابية بشكل مباشر وغير مباشر.

وبحسب مركز رع، فإن هذه الكيانات وغيرها جمعت باسم الزلزال، مبالغ لا يمكن حصرها، لسببين: كثرتها، وقدرتها الاحترافية على إقناع المتبرعين باسم الدين.

وتشير تقديرات أولية، إلى أن هذه الجماعات جمعت باسم ضحايا الزلزال، أضعاف ما جمعته باسم إغاثة اللاجئين السوريين، أو باسم إفطار المهجرين في رمضان أو غيرهم من المحتاجين، بحسب مركز رع، الذي حذر من أن عوائد تبرعات كارثة الزلزال، قد تستخدم في تدوير اقتصاديات التنظيمات الإرهابية.

آلية رخوة

وبحسب الدراسة التي اطلعت «السياق» على نسخة منها، فإنه رغم صدور قرارات حاكمة لعملية تهريب الأموال للتنظيمات الإرهابية، من جهات دولية ومحلية تدين أفرادًا ومؤسسات وشركات صرافة وجمعيات، وخضوع تلك الجهات لعقوبات، فإن الأخيرة مازالت تعمل، مثل شركة الهرم للصرافة والخالدي للصرافة اللتين تتخذان من تركيا وسوريا مقرًا.

ونشرت مؤسسات قانونية وأمنية في بعض الدول، تحقيقات كشفت تحويل مبالغ بالملايين من خلال عملاء بنوك، عبر شركات حديثة التأسيس، بينما نشاطها غير معلوم، كواجهة للتنظيمات الإرهابية.

ويقول مركز رع، إن التنظيمات الإرهابية نجحت في جمع التبرعات من خلال تطبيقات إلكترونية، أصحابها من المتعاطفين والداعمين للتنظيمات الإرهابية، أو من أشخاص عاديين حسني النية، تحت مسميات مساعدات مختلفة، ما أسهم في بقاء وتزايد أعداد الموالين للجماعات المتطرفة خلال السنوات الماضية، بل واستمرار نشاط التنظيمات الإرهابية رغم كثافة الضربات الأمنية دوليًا ومحليًا.

تلك التبرعات لم تكن الرافد الوحيد لاقتصادات التنظيمات الإرهابية، بل إن حصول أعضاء تلك التنظيمات على بدل البطالة والإعانات الحكومية بمسمياتها المختلفة في أغلبية الدول أسهم في استمرار نشاط تلك التنظيمات، مستغلة عدم قدرة الحكومات على تنقية التنظيمات، لأن معظمهم يعيشون وسط المدنيين ويعملون في مؤسسات حكومية ببعض الدول.

واقع مؤسف

وطرح مركز رع رؤية أخرى، مفترضًا أن التبرعات قد تصل إلى حيث المناطق التي دمرها الزلزال، إلا أنه أكد أن وجهتها النهائية لن تكون المتضررين، خاصة أن الآثار المدمرة للزلزال تقع في نطاق سيطرة التنظيمات الإرهابية، سواء هيئة تحرير الشام أم تنظيم داعش في سوريا، بما يشير لعدم إمكانية وصول المساعدات الإنسانية عبر القنوات الشرعية، من دون موافقة التنظيمات الإرهابية.

وأشار إلى أن تلك التنظيمات ستفرض شروطها ورؤيتها على إدخال المساعدات، التي ستستفيد بأغلبية المساعدات التي ترسل سواء مادية أم عينية (غذاء، مواد طبية، مواد إعاشة)، مستندًا إلى رؤيته، باستيلاء «داعش» و«القاعدة» علي مواد غذائية خاصة باللاجئين وبيعها في السوق السوداء لصالح التنظيم.

يأتي ذلك، بينما تُستغل المواد الطبية والمستشفيات المتنقلة لصالح مصابي «داعش» الذي صعد مؤخرًا عملياته الإرهابية داخل الأراضي السورية.

وبحسب المركز، فإن تركيا استغلت الجمعيات الخيرية التي تعمل لصالح التنظيمات الإرهابية وحلفائها في بناء مستوطنات على طول الشريط الحدودي مع سوريا، لإنشاء منطقة آمنة تخضع لتركيا، تحدث عنها الرئيس التركي في مناسبات عدة.

وحذر من أن عملية جمع تبرعات من خلال الوسائط غير الشرعية، قد تمثل فرصة جديدة لأنقرة لتنفيذ مطامع سياسية توسعية جديدة، مستندًا إلى رؤيته بنشاط جمعيات وهيئات الإغاثة التركية في الإعلان عن جمع التبرعات لضحايا الزلزال.

وختم المركز دراسته بتأكيد أن جماعة الإخوان، التي ستستفيد من تلك التدفقات المالية، في ظل غياب أو تواطؤ الرقابة الرسمية داخل تركيا على الحسابات الخيرية، لن تدع تلك الفرصة الذهبية تفلت من يديها، لملء خزائنها لمواصلة التجنيد أو الإرهاب العملياتي.