بعد قتل والي غرب دارفور... تحذير من حرب أهلية في السودان
أعلنت إثيوبيا، اليوم الخميس، عن مبادرة وساطة، تعرض فيها استضافة لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، في أديس أبابا.

السياق
لا يزال الغموض يكتنف مصير الجهة المتورطة في قتل والي غرب دارفور خميس عبدالله أبكر، بمدينة الجنينة غربي السودان، منتصف ليلة الخميس، وسط اتهامات متبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع بتصفيته، في وقت حذّرت الأمم المتّحدة من أنّ ما يشهده إقليم دارفور، قد يصل إلى "جرائم ضد الإنسانية".
وحذر مراقبون من دخول السودان في حرب أهلية، بعد قتل والي غرب دارفور، في إطار قتال دائر بين مجموعات سكانية منذ أسابيع من دون تدخل الجيش.
ومع دخول النزاع شهره الثالث، قالت القوات المسلّحة السودانية -في بيان- إنّها تستهجن "بأشدّ عبارات الاستهجان التصرّف الغادر لميليشيا الدعم السريع المتمرّدة، باختطاف واغتيال والي غرب دارفور خميس عبدالله أبكر رّغم أنّ لا علاقة له بمجريات الصراع الدائر منذ شهرين بين الطرفين".
كان أبكر أحد زعماء حركات التمرّد التي وقعت اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة عام 2020، سعيًا إلى وضع حد لنزاع في الإقليم امتد زهاء عقدين.
الدعم السريع يتهم الجيش
في السياق اتهمت قوات "الدعم السريع" في السودان، اليوم الخميس، استخبارات الجيش، بإشعال حرب قبلية في ولاية غرب دارفور، معربة عن إدانتها مقتل خميس أبكر، والي الولاية.
وقالت في بيان لها: "نوجه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى استخبارات القوات الانقلابية بالتورط في إشعال الحرب القبلية في الولاية وتغذية القتال بتسليح القبائل، ما أدى إلى اشتداد فتيل الأزمة على نحو متسارع".
وحول ملابسات مقتل أبكر قال البيان: "طلب الوالي الحماية من قوات الدعم السريع، حيث تحركت على الفور قوة تابعة لقواتنا وقامت بتخليصه من قبضة المتفلتين وإحضاره لمقر حكومي".
وأردف: "وبالرغم من محاولات حماية الوالي كما هو موثق في أحد مقاطع الفيديو المنشورة، فإن المتفلتين داهموا المكان بأعداد كبيرة ودارت اشتباكات مع القوة المتواجدة في المقر، مما أدى لخروج الأوضاع عن السيطرة، واختطاف الوالي واغتياله بدم بارد في مشهد لا يمت للإنسانية بصلة".
جرائم ضد الإنسانية
قُتل أبكر بعد ساعات من تصريحاته لقناة الحدث التلفزيونية، التي اتّهم فيها قوات الدعم السريع بـ"تدمير" مدينة الجنينة.
وقال، خلال اتصال هاتفي وأزيز الرصاص يُسمع قربه: "الآن أنا أتكلم معكم والهجوم مستمر"، متهمًا قوات الدعم بإطلاق قذائف "على رؤوس المواطنين" في الجنينة حيث كان موجوداً.
ووصف أبكر ولايته بأنّها "منكوبة"، مضيفاً: "اليوم الجنينة مستباحة كلّها... كلّها، كلّها دُمّرت".
جاء هذا التطوّر بعد أقل من 48 ساعة على تحذير رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، من أن أعمال العنف في دارفور قد تصل إلى "جرائم ضد الإنسانية".
وقال بيرتس: "مع استمرار تدهور الوضع في دارفور، يساورني القلق بشكل خاص إزاء الوضع في الجنينة (غربي دارفور) في أعقاب موجات العنف منذ أواخر أبريل، التي اتخذت أبعادًا عرقية".
وتحدث بيرتس عن "نمط ناشئ من الهجمات واسعة النطاق التي تستهدف المدنيين على أساس هوياتهم العرقية، والتي يُزعم أنها ارتُكِبَت من ميليشيات عربية وبعض المسلحين الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع. هذه التقارير مقلقة للغاية، وإذا تمّ التحقق منها، فقد تصل إلى جرائم ضد الإنسانية".
ويضمّ إقليم دارفور نحو ربع سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريبا.
بالعقدين الماضيين، تسبب النزاع فيه بقتل 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون، بحسب الأمم المتحدة.
ووجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات إلى الرئيس المعزول عمر البشير وعدد من مساعديه، بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.
وضع كارثي
في السياق وصف حزب الأمة القومي، أبرز الأحزاب السياسية في السودان، ما يحدث في الجنينة بأنه "جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان جعلتها منطقة منكوبة بلا شك، ما يتطلب إعلان ذلك بصورة رسمية لتضطلع المنظمات الدولية بدورها حيال الوضع فيها".
وقال الحزب -في بيان- إن التداعيات المتسارعة لاستمرار الحرب ستجر البلاد إلى «وضع كارثي غير مسبوق، ما يحتم على أبناء الوطن التنادي العاجل لإيقاف هذه الحرب فوراً، والعمل على محاسبة كل المتسببين فيها، ومن أجرم بحق المواطنين العزل». ودعا الحزب إلى «إنقاذ البلاد ببناء جبهة وطنية مدنية لإيقاف الحرب، واستعادة الأمن والسلام».
وساطة إثيوبية
أعلنت إثيوبيا، اليوم الخميس، عن مبادرة وساطة، تعرض فيها استضافة لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، في "أديس أبابا".
وقالت الخارجية الإثيوبية، إن "الهيئة الحكومية للتنمية" (إيغاد) كلفتها بلعب دور للوساطة بين طرفي الصراع في السودان.
وقال ملس ألم المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، إنه "من أجل التقريب بين القوى السودانية.. تم الاتفاق على أن تستضيف أديس أبابا الحوار بين القوى السودانية".
منكوبة
قُتل أبكر بيوم أكمل فيه النزاع بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو شهره الثاني.
وحوّلت الحرب التي تستخدم فيها كلّ أنواع الأسلحة والطائرات الحربية والمسيرات، عديدًا من أجزاء البلاد إلى مناطق "منكوبة".
وقال أحمد طه، أحد سكان الخرطوم، لوكالة فرانس برس: "أصبحنا بلا طعام ولا شراب ولا دواء... الرصاص والدانات (القذائف) في كل مكان".
وأضاف: "أي منطقة في السودان الآن أصبحت منكوبة".
وقال مواطن آخر في الخرطوم: "لا نعرف ما هي نهاية هذه الحرب... فقط ندعو الله أن يرفع البلاء".
وذكر شهود في مدينة الأُبيّض- الأربعاء- أن طائرات تابعة للجيش نفذت "غارات جوية للمرة الأولى في محيط الأبيض"، عاصمة ولاية كردفان، على بُعد 350 كيلومترًا جنوبي الخرطوم وتطوقها قوات الدعم السريع.
وفي العاصمة، قال مسؤول عسكري طلب عدم كشف اسمه، إن قوات الدعم استخدمت الثلاثاء "طائرات من دون طيار، ما يثير شكوكاً في ممن ومن أين حصلوا عليها".
في المقابل، قال مصدر من قوات الدعم السريع: "حصلنا عليها من مراكز الجيش التي سيطرنا عليها".
ويرى خبير عسكري أن هذا التطور "سيكون له أثر في سير الحرب"، متوقعًا أن تكون قوات الدعم "حصلت عليها من مصنع اليرموك للصناعات العسكرية" جنوبي الخرطوم.
أعداد الضحايا
أسفر القتال عن أكثر من 1800 قتيل، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح نحو مليوني شخص بينهم أكثر من 900 ألف فرّوا من العاصمة بسبب العنف وأكثر من 475 ألف لجأوا إلى البلدان المجاورة.
وأبرم الجانبان أكثر من اتفاق لوقف النار لم يصمد أي منها، لكن الطرفين التزما بشكل كبير بهدنة مدتها 24 ساعة بوساطة أمريكية سعودية انتهت صباح الأحد، أفاق سكان الخرطوم بعدها على تجدد المعارك.
"ويلات الحرب"
وقالت السودانية سهى عبد الرحمن المقيمة في العاصمة: "نحن نعاني، نعاني ويلات الحرب، ولا يعلم بحالنا إلا الله".
وتواجه شبكة الاتصالات في السودان صعوبة بالغة، والمعلومات عما يجري عن الأرض غير متوافرة بدقة من مصادر مستقلة، لاسيما من دارفور.
ويعاني السودانيون أزمات عدة، كنقص الوقود والمواد الغذائية والسيولة.
وأعلنت السعودية -الثلاثاء- أنها سترأس، بالاشتراك مع عدد من الدول والهيئات الدولية، مؤتمراً لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان، في 19 يونيو.
ويحتاج 25 مليون شخص، أكثر من نصف السكان، إلى المساعدة والحماية، وفقًا للأمم المتحدة، لكن حتى أواخر مايو، جرى تمويل 13 في المئة فقط من حاجات المنظمة العالمية، التي تحتاج إلى 2.6 مليون دولار لمعالجة الأزمة.
وباتت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة، وفق مصادر طبية.