كيف ستنتهي الحرب في أوكرانيا؟

توقع الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية، أن تكون الحرب مختلفة هذا العام، مع احتمال شن هجمات كبيرة من الجانبين.

كيف ستنتهي الحرب في أوكرانيا؟

ترجمات - السياق

على أبواب عامها الثاني، باتت الحرب في أوكرانيا في طريق مسدود، وسط استعداد روسيا لشن هجوم على البلد الأوراسي، بينما تحاول كييف التدثر بالمساعدات الغربية، لمعاونتها على الرد بهجوم ربيعي مضاد، يكسبها مزيدًا من الزخم الذي فقدته تحت وطأة «الانتصارات» الأخيرة للجيش الروسي.

إلا أن ذلك لا يعني أن السيناريو النهائي للحرب الأوكرانية لا يتغير، فالدعم الأمريكي والغربي الهائل لأوكرانيا، يعني أنه بينما قد يستعد الروس لإرسال مئات الآلاف من الجنود إلى أوكرانيا في هجوم جديد، فإنهم سيواجهون -في الأشهر المقبلة- جنودًا أوكرانيين أفضل تدريبًا وأفضل تنظيمًا، مسلحين بصواريخ أمريكية بعيدة المدى، ومركبات مدرعة وكمية هائلة من الذخيرة.

وتوقع الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، في تصريحات لشبكة سي إن إن الأمريكية، أن تكون الحرب مختلفة هذا العام، مع احتمال شن هجمات كبيرة من الجانبين، مشيرًا إلى أنه بشكل عام، فإن الحرب تستمر في إظهار نقاط الضعف الأساسية في الجيش الروسي، الذي كان يُعتقد أنه أحد أكثر القوات قدرة في العالم.

وأمضى بترايوس عقودًا في دراسة الحرب وتطبيقها، فكان قائد الولايات المتحدة والتحالف، في حربي أفغانستان والعراق، وكان منصب مدير وكالة المخابرات المركزية.

ويقول بترايوس إن الروس خسروا عديد المعارك، بسبب ما وصفها بـ«الإخفاقات في ثقافتهم العسكرية وعقيدتهم وهياكلهم التنظيمية وتدريبهم وتجهيزهم»، مشيرًا إلى أن الحرب الأوكرانية، أول حرب مفتوحة المصدر، تخاض بتكتيكات الحرب الباردة والأسلحة، وإن كان ذلك بقدرات مطورة وطائرات من دون طيار وذخائر دقيقة.

بترايوس، الذي انتقد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أفغانستان، قال إن الإدارة الأمريكية عملت بشكل مثير للإعجاب في قيادة "الناتو" والغرب لمواجهة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، رغم وجود أوقات كان يود أن يرى فيها قرارات لتوفير أنظمة أسلحة معينة (مثل الدبابات الغربية والذخائر الدقيقة طويلة المدى).

 

من يكسب الحرب؟

للإجابة عن هذا السؤال الذي يشغل الجميع، قال بترايوس، إن روسيا خسرت معارك كييف وسومي وتشيرنيهيف وخاركيف، وفشلت في الاستيلاء على بقية الساحل الجنوبي لأوكرانيا، ناهيك عن الميناء الرئيس في أوديسا.

وأوضح الجنرال الأمريكي، أن روسيا فقدت ما اكتسبته في مقاطعة خاركيف، واضطرت إلى سحب قواتها الوحيدة غرب نهر دنيبرو في مقاطعة خيرسون، لأن الأوكرانيين جعلوا وصلات الجسر الحيوية لتلك القوات غير سالكة، وأخرجوا المقرات والمواقع اللوجستية التي تدعم تلك القوات، وعزلوها عن بقية الروس شرقي النهر.

إلا أنه مع ذلك، كانت خطوط المعركة منذ انسحاب القوات غرب دنيبرو الخريف الماضي ثابتة إلى حد ما، رغم أن القوات الروسية حققت مكاسب كبيرة ومتزايدة ومكلفة للغاية، في القرى المحيطة بباخموت جنوبي شرق أوكرانيا، بحسب الجنرال الأمريكي الذي قال إن على الأوكرانيين إلزام قوات إضافية بالدفاع عن المناطق تحت الضغط.

وأشار الجنرال الأمريكي إلى أن الأزمة الأوكرانية تتفاقم، فمع شن روسيا هجمات مكلفة في مناطق عدة، ومع تجهيز الجانبين قوات للعمليات الهجومية المتوقعة أواخر الشتاء (على الأرجح الروس) والربيع/الصيف (الأوكرانيون)، فإن الجانب الذي يستطيع تدريب قواته وتجهيزها جيدًا بحلول ذلك الوقت سيحقق أهم المكاسب، مشيرًا إلى أنه يراهن على أوكرانيا في هذا الصدد.

 

أزمة أوكرانيا

وردًا على مستقبل الحرب، اعتمادًا على وضع أوكرانيا، قال بترايوس، في حواره مع شبكة سي إن إن: إننا نرى بعض اللمحات والتلميحات عن الشكل الذي قد يبدو عليه مستقبل الحرب، فكييف تستخدم الطائرات من دون طيار (ذات المدى والقدرة المتواضعة فقط) لتحديد المقرات الروسية والأهداف الأخرى للذخائر الدقيقة التي قدمتها الولايات المتحدة، التي ستتضاعف في المدى من 70-80 كيلومترًا إلى 150 كيلومترًا، عندما تصل الذخائر التي أعلنت الولايات المتحدة إرسالها لأوكرانيا.

وأشار إلى أننا نرى تأثير الصواريخ المتطورة المضادة للدبابات والمضادة للطائرات المرسلة من الغرب، إضافة إلى تأثير الاستخدام المختار للصواريخ المتوسطة المدى المضادة للسفن، واستخدام القدرات السيبرانية الهجومية، وإن لم يكن بنجاح هائل، من الروس.

ولعل أبرز سيناريوهات الحرب المستقبلية، الوجود الواسع للهواتف الذكية والاتصال بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، بحسب مدير المخابرات المركزية الأسبق، الذي أشار إلى أن كل هذه تلميحات لما سيكون عليه مستقبل الحرب بين القوى المتقدمة.

 

مستقبل "الناتو"

وردًا على تساؤل عن مستقبل "الناتو"، قال الجنرال الأمريكي، إن ما فعله بوتين بشنه حربًا على أوكرانيا، جعل الحلف عظيمًا مرة أخرى، خاصة بعد سعي قوتين قادرتين للغاية ومحايدتين تاريخيًا (فنلندا والسويد) لعضوية "الناتو"، وزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير من أعضاء الحلف، وعلى الأخص ألمانيا، وزيادة قوات "الناتو" في دول البلطيق وأوروبا الشرقية، وبأكبر قدر من الوحدة بين أعضاء الحلف منذ نهاية الحرب الباردة.

وأشار الجنرال الأمريكي إلى أنه بفضل بوتين، تبين أن وصف الرئيس الفرنسي ماكرون لحلف الناتو بأنه يعاني «موتًا دماغيًا» أواخر عام 2019 كان سابقًا لأوانه.

 

أداء الجيش الروسي

وعن أداء الجيش الروسي، قال الجنرال الأمريكي، إن روسيا «فشلت» إلى حد كبير في مهمتها، خاصة مع تصميم أوكرانيا على الدفاع عن أراضيها، مشيرًا إلى أن سبب الفشل إخفاقات المخابرات والجنود والثقافة العسكرية الروسية والتدريب غير الكافي، وسوء القيادة والسيطرة والاتصالات، وعدم الانضباط الكافي (والثقافة التي تتغاضى عن جرائم الحرب وإساءة معاملة السكان)، ورداءة المعدات (التي تتجلى في انفجار الأبراج من الدبابات عند اشتعال النيران فيها).

وأشار إلى أن الفشل يعود -كذلك- إلى العجز عن تحقيق الآثار المشتركة للأسلحة (استخدام جميع القدرات الأرضية والجوية معًا على نحو فعال)، وعدم كفاية الهيكل التنظيمي، والافتقار إلى ضباط محترفين غير متعاقدين، ونظام قيادة من أعلى إلى أسفل لا يعزز المبادرة على المستويات الأدنى والفساد المستشري الذي يقوِّض جيشهم، والمجمع العسكري الصناعي الداعم.

ورغم ذلك، فإنه قال إن روسيا لا تزال تتمتع بقدرة عسكرية هائلة، ولا تزال بالتأكيد قوة نووية عظمى، فضلاً عن كونها دولة ذات طاقة هائلة وبركات معدنية وزراعية، إضافة إلى أن عدد سكانها يبلغ (نحو 145 مليون) أي ما يقرب من ضعف عدد سكان أكبر الدول الأوروبية التالية (ألمانيا وتركيا، كل منهما يزيد قليلاً على 80 مليونًا).

 

أسباب الصمود الأوكراني

وعن الصمود الأوكراني، قال مدير المخابرات المركزية الأسبق، إنه يعود إلى التقنيات التي أثبتت أنها مفتاح النجاحات الأوكرانية في هذه الحرب، من استخدامها أنظمة الأقمار الاصطناعية المتنقلة لإيلون ماسك، إضافة إلى صواريخ هيمارس الدقيقة التي قدمتها الولايات المتحدة ودمرت أهدافًا روسية.

وأشار إلى أن Clearview AI، وهي تقنية مثيرة للجدل للتعرف إلى الوجه تستخدمها بعض أقسام الشرطة الأمريكية، مكنت الأوكرانيين من التعرف إلى الجنود الروس في ساحة المعركة، بينما أثبتت الطائرات من دون طيار التركية المسلحة أنها مدمرة للأهداف الروسية، وساعدت الطائرات التجارية الرخيصة من دون طيار الأوكرانيين في العثور على أهداف.

وقال الجنرال الأمريكي، إن الأوكرانيين أظهروا أيضًا قدرات استثنائية على حلول «ماكجيفر» لمجموعة من المشكلات، سواء تكييف الصواريخ الغربية لاستخدامها على الطائرات المقاتلة «ميغ29» أم إصلاح المركبات المدرعة التي دمرتها المعركة، التي تركها الروس في ساحة المعركة.

وأكد العسكري الأمريكي، أن الأوكرانيين أظهروا أيضًا قدرة رائعة جدًا على تعلم كيفية استخدام أنظمة ومركبات أسلحة جديدة بسرعة أكبر بكثير مما توقعه أي شخص، لأنهم يريدون إتقان قدرات جديدة بأسرع ما يمكن والعودة إلى القتال.

 

الأسلحة النووية

وتوقع الجنرال الأمريكي، أن يلجأ بوتين إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه يجب أن نشعر بالقلق بشأن هذا الاحتمال، الذي سيكون قرارًا سيئًا للغاية من جانبه، لأن استخدام هذه الأسلحة سيؤدي إلى أن تكون روسيا في وضع أسوأ مما كانت عليه قبل استخدامها.

وأكد العسكري الأمريكي السابق، أنه من الأهمية بمكان أن ينقل قادة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى -والصين والهند أيضًا- بوضوح وتكرار إلى بوتين، أن عواقب استخدام الأسلحة النووية على روسيا ستكون في الواقع «كارثية»، على حد تعبير مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان.

 

ماذا يريد بوتين؟

يقول الجنرال الأمريكي، إن بوتين لا يزال يريد على المدى الطويل، حرمان أوكرانيا من سيادتها وجعلها جزءًا من الاتحاد الروسي، مشيرًا إلى أنه في نسخة بوتين التنقيحية، فإنه ليس لأوكرانيا الحق في الوجود كدولة مستقلة.

وأشار إلى أن روسيا تحشد جنودًا آخرين ووحدات إضافية لشن هجوم للاستيلاء على أجزاء من مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك في الجنوب الشرقي، بينما يقيمون أيضًا مواقع دفاعية بعمق في مناطق أخرى يسيطرون عليها في الجنوب.

 

المرحلة التالية

وتوقع بترايوس، أن يكون هناك عديد من «الإنجازات» الجديدة هذا العام، على الجانب الأوكراني: فالدبابات الغربية ومركبات المشاة القتالية، والذخائر الدقيقة الأطول مدى والأكبر حجمًا لنظام هيمارس (منظومات الصواريخ المدفعية العالية الحركة) التي ستمكن من توجيه ضربات دقيقة تصل إلى 150 كيلومترًا (ضعف مدى الذخيرة الدقيقة الحالية)، ومنظومات دفاع جوي إضافية من مختلف الأنواع، والدفاعات الجوية المعززة والمركبات المدرعة الإضافية ذات العجلات، فضلًا عن كميات هائلة من الذخائر الإضافية بجميع أنواعها، في طريقها إلى كييف.

كما توقع رؤية قوات أوكرانية أكثر قدرة بكثير من الروس على تحقيق آثار الأسلحة المشتركة، التي تمكن من عمليات هجومية أكثر فعالية، ويمكن أن تفكك بعض الدفاعات الروسية.

إلا أنه مع ذلك، فإن شيئًا من هذا لن يحدث حتى الربيع أو الصيف، بالنظر إلى الوقت اللازم للقوات الأوكرانية لاستقبال الدبابات الغربية الجديدة والأنظمة الأخرى والتدريب عليها.

ورغم ذلك، فإنه توقع شن روسيا مزيدًا من الهجمات الإضافية على البنية التحتية الأوكرانية بالصواريخ، وبالطائرات من دون طيار التي توفرها إيران، ما يؤكد أهمية بذل كل ما في وسعنا لزيادة تقييد صناعات الأسلحة الروسية وكذلك صناعات الأسلحة الإيرانية.

 

كيف تنتهي الحرب؟

وأشار الجنرال الأمريكي إلى أن الحرب الأوكرانية يمكن أن تنتهي بقرار تفاوضي، عندما يدرك بوتين أن الحرب غير مستدامة في كل من ساحة المعركة (حيث من المحتمل أن تكون روسيا قد تكبدت في السنة الأولى أضعاف الخسائر التي تكبدها الاتحاد السوفييتي منذ ما يقرب من عقد في أفغانستان) وعلى الجبهة الداخلية (تأثرت بشدة بالجزاءات الاقتصادية والمالية والاقتصادية والشخصية وضوابط التصدير).

وأكد العسكري الأمريكي، أنه عندما تصل أوكرانيا إلى حدود قدرتها على تحمل الضربات الصاروخية والطائرات من دون طيار، فإن الحصول على خطة شبيهة بمارشال (وضعتها الولايات المتحدة ومجموعة السبع) للمساعدة في إعادة بناء البلاد، والحصول على ضمان أمني صارم (إما عضوية حلف الناتو أو، إذا كان ذلك غير ممكن، ضمان التحالف بقيادة الولايات المتحدة)، ستمكن من نجاح جهود التعمير وجذب الاستثمارات الخارجية.

 

دروس أوكرانيا للصينيين

يقول الجنرال الأمريكي، إن التطورات في أوكرانيا يجب أن تكون قصة تحذيرية لأي بلد في العالم يفكر في عملية عسكرية صعبة للغاية، خاصة إذا لم تشارك قوات ذلك البلد في عمليات قتالية كبيرة منذ عقود.

وأشار إلى أنه على أي دولة التفكير مستقبلًا قبل أي عملية عسكرية ضد دولة أخرى، خاصة إذا كان الهدف من هذه العملية لديه سكان على استعداد للقتال بشراسة من أجل بقائها ودعمهم من القوى الكبرى، ليس فقط عسكريًا، لكن بعقوبات اقتصادية ومالية وشخصية كبيرة وضوابط التصدير.