إسرائيل على صفيح ساخن... ما مصير الإصلاحات القضائية؟
الرئيس الإٍسرائيلي إسحق هرتسوغ دعا –الاثنين- الحكومة إلى وقف فوري للمسار التشريعي لمشروع إصلاح النظام القضائي، قائلًا في بيان: رأينا الليلة الماضية مشاهد صعبة للغاية.

السياق
إضرابات، تظاهرات بالآلاف، إقالة وزير الدفاع، مشاهد من يوم عاصف في إسرائيل، احتجاجًا على مشروع الإصلاحات القضائية، الذي توقعت وسائل إعلام إسرائيلية، أن يلجأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تجميده.
ففي ثاني أيام «أسبوع الشلل»، تظاهر المتظاهرون ضد الإصلاح القضائي، خارج الكنيست ومنزل وزير الاقتصاد نير بركات، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، بينما لم تغادر أي رحلة جوية مطار بن غوريون، في إضراب للإصلاح القضائي.
بعد إقالة وزير الدفاع.. متظاهرون يخترقون الحواجز الأمنية في محيط منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين #نتنياهو.#السياق #Israel pic.twitter.com/Oi3OcV4KaI
— السياق (@alsyaaq) March 26, 2023
ما الذي أدى إلى تلك النقطة؟
في خطاب مساء السبت، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت، المنتمي إلى حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه نتانياهو إنه يخشى أن يؤدي استمرار الانقسام في صفوف الشعب على ملف الإصلاحات القضائية، إلى تهديد لأمن إسرائيل.
ودعا غالانت إلى «وقف الآلية التشريعية» شهرًا، قائلًا: «أنا ملتزم بقيَم الليكود (...) لكن التغييرات الرئيسة على المستوى الوطني، يجب أن تكون عبر التشاور والحوار».
دعوة غالانت لم تكن للحكومة فحسب، بل دعا إلى وقف التظاهرات، في حين كان نحو مئتي ألف متظاهر محتشدين السبت في تل أبيب، ضد تعديل النظام القضائي.
إلا أن نتنياهو لم يمهله يومًا، فقرر -مساء الأحد- إقالة وزير الدفاع يواف غالانت، بعد أن دعا إلى تجميد آلية تعديل النظام القضائي، الذي تسعى إليه الحكومة لشهر.
وقال مكتب نتانياهو -في بيان مقتضب- إن «رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قرر إقالة وزير الدفاع يواف غالانت من منصبه».
وبعد ساعات من القرار، رد وزير الدفاع على إقالته بتغريدة جاء فيها: «أمن إسرائيل طالما كان وسيبقى مهمتي في الحياة».
ساعات أخرى مضت، حتى أعلن القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك عساف زمير استقالته من منصبه، الذي يشغله منذ 18 شهرًا.
وقال القنصل العام الإسرائيلي، عبر «تويتر»، إن «الوضع السياسي في إسرائيل بلغ نقطة حرجة، وأشعر بإحساس عميق بالمسؤولية وبالتزام أخلاقي بالدفاع عن الصواب والكفاح من أجل القيم الديمقراطية التي أعتز بها».
ووصف الدبلوماسي الإسرائيلي قرار إقالة الوزير بأنه «خطير»، مشيرًا إلى أنه اقتنع بعد هذا القرار بأنه «لم يعد قادرًا على الاستمرار في تمثيل هذه الحكومة».
وبعد إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوزير الدفاع يواف غالانت، اجتاح آلاف الإسرائيليين المدن ليلة الأحد، واندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة والمتظاهرين.
احتجاجات تغزو الشوارع
وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، فإن قوات الشرطة الإسرائيلية بدأت تفريق الاحتجاج على طريق أيالون السريع بتل أبيب في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، ما أدى إلى إصابة ثلاثة من رجال الشرطة في الاشتباكات.
وعطل آلاف المتظاهرين في تل أبيب حركة المرور، من خلال حرق الإطارات ووضع الحواجز والحجارة والحديد على الطريق خارج كيريا عند مفرق كابلان وطريق أيالون السريع، بحسب بيان للشرطة.
وطوال الاحتجاجات، لم تكن قوات الشرطة في مكان الحادث، إلا أنها بدلاً من ذلك أمنت محيط المظاهرة ومكنت المتظاهرين.
وبسبب الاحتجاجات والاختناقات المرورية، أغلقت الشرطة طرقًا عدة وسط تل أبيب، وطلبت من الجمهور تجنب طريق أيالون السريع.
وبعد أكثر من خمس ساعات، وصلت قوات الشرطة إلى مكان الاحتجاجات، واستخدمت مدفعين للمياه ووحدات خيول وغير ذلك من إجراءات تفريق أعمال الشغب، لإخراج المتظاهرين الذين أغلقوا حركة المرور على طريق أيالون السريع.
وحمل المتظاهرون الأعلام الزرقاء والبيضاء، مرددين شعارات بينها «بيبي ارحل!»، مستخدمين لقب نتانياهو، كما سُجلت تجمعات أخرى أمام مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس ومدن أخرى، مثل حيفا وبئر السبع.
آلاف الإسرائيليين يخرجون إلى الشوارع، بعد إقالة #نتنياهو لوزير الدفاع على خلفية أزمة الإصلاحات القضائية.#السياق #إسرائيل #Israel pic.twitter.com/LDo4uTGGqL
— السياق (@alsyaaq) March 26, 2023
مهلة لنتنياهو
في السياق نفسه، أمهلت المحكمة العليا في إسرائيل، رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو حتى الثاني من أبريل المقبل، للرد على التماس قدمته «الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل»، تطالب بإدانته بـ«ازدراء المحكمة».
وبحسب الالتماس الذي قدمته «الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل»، فإن نتانياهو الذي سبق أن وُجه إليه الاتهام في عدد من قضايا الفساد، انتهك اتفاقًا مع القضاء ينص على أن رئيس حكومة متهم لا يمكنه اتخاذ تدابير في مجال يمكن أن يجعله في وضع تضارب للمصالح.
وطالبت المحكمة العليا، بتغريم وحبس أو أي عقوبة أخرى يقتضيها الأمر بحق رئيس الوزراء، وفقًا للقواعد المعمول بها في حالات ازدراء المحكمة.
كان القضاء حذر –الجمعة- نتانياهو من أن تدخله في مشروع تعديل النظام القضائي غير قانون،ي في ظل استمرار محاكمته بتهمة الفساد.
وبينما يرى معارضو المشروع أنه يرمي إلى تقويض السلطة القضائية لصالح السلطة السياسية، محذرين من أنه يشكل تهديدًا للنظام الديمقراطي، يرى نتانياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف والمتشددين أن المشروع ضروري لإعادة توازن القوى بين المسؤولين المنتخبين والمحكمة العليا التي يقولون إنها مسيسة.
تعليق الرحلات الجوية
كان نتانياهو أعلن أنه من المقرر أن يصوت المشرعون الإسرائيليون على بنود أساسية، في مشروع تعديل النظام القضائي الأسبوع المقبل، لا سيما آلية تعيين القضاة.
وأعلن الاثنين، عن إضرابات واسعة النطاق احتجاجًا على الإصلاح القضائي، بحسب بنحاس عيدان رئيس لجنة هيئة المطارات الإسرائيلية، الذي قال إنه لن تكون هناك أي رحلة جوية تغادر مطار بن غوريون حتى إشعار آخر.
وبالنسبة للرحلات المقبلة، لن يُسمح بالهبوط إلا للرحلات الموجودة في السماء، كما تنظم الإضرابات في الجامعات والمستشفيات والقطاعات الأخرى.
ردود الفعل
الرئيس الإٍسرائيلي إسحق هرتسوغ دعا –الاثنين- الحكومة إلى وقف فوري للمسار التشريعي لمشروع إصلاح النظام القضائي، قائلًا في بيان: «رأينا الليلة الماضية مشاهد صعبة للغاية».
ودعا الرئيس الإسرائيلي رئيس الحكومة ووزراءه إلى التحرك الفوري قائلًا: «يعتري قلق عميق الأمة برمتها. يتعرض أمننا واقتصادنا ومجتمعنا للتهديد»، مضيفًا: «أعين شعب إسرائيل شاخصة إليكم. أعين الشعب اليهودي برمته شاخصة إليكم. أعين العالم شاخصة إليكم».
نداءات الرئيس الإسرائيلي السابقة، للتوصل إلى تسوية لمشروع الإصلاح، لم تلق آذانًا مصغية حتى الآن، ولم تحل دون غرق البلاد في أزمة.
من جانبه، علق زعيم المعارضة الوسطي يائير لبيد على قرار إقالة وزير الدفاع، في تغريدة جاء فيها: «يمكن لنتنياهو طرد غالانت، لكن لا يمكنه طرد الحقيقة ولا يمكنه طرد شعب إسرائيل المعارض لجنون الائتلاف» الحاكم، مضيفًا: «رئيس وزراء إسرائيل تهديد لأمن إسرائيل».
وأعرب نائبان عن حزب الليكود تأييدهما غالانت، ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت الحكومة قادرة على ضمان الأغلبية للمشروع، حال المضي قدمًا في التصويت عليه بالبرلمان.
ويعرب حلفاء أساسيون لإسرائيل، بما في ذلك واشنطن عن هواجس تجاه مشاريع ترمي إلى تعزيز سلطة السياسيين وتقويض دور المحكمة العليا، فالولايات المتحدة أبدت «قلقها الشديد حيال الوضع في إسرائيل»، داعيةً إلى تسوية.
ضوابط وتوازنات
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أدريان واتسون في بيان: «نشعر بقلق عميق إزاء الأحداث في إسرائيل، التي تؤكد مجددًا الحاجة الملحة للتوصل إلى تسوية (..) القيم الديمقراطية كانت دائمًا، ويجب أن تظل، سمة للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل».
وبحسب متحدثة مجلس الأمن القومي، فإن «المجتمعات الديمقراطية تتعزز من خلال ضوابط وتوازنات»، مشددة على أن «التغييرات الأساسية لنظام ديمقراطي يجب أن تكون على أساس أوسع قاعدة ممكنة من الدعم الشعبي».
وأضافت: «نواصل حث القادة الإسرائيليين على التوصل إلى تسوية في أقرب وقت ممكن. نعتقد أن هذا هو الطريق الأفضل لإسرائيل وجميع مواطنيها».
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن أعرب عن «مخاوف» إزاء مشروع تعديل النظام القضائي في إسرائيل.
وفي لندن حيث التقى الجمعة نظيره الإسرائيلي، أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك «أهمية احترام القيم الديمقراطية التي تقوم عليها العلاقة بين البلدين)، بما يشمل مشروع الإصلاح القضائي في إسرائيل».
ماذا بعد؟
قالت صحيفة جيروزاليم بوست، إن من المتوقع أن يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجميد التشريع الخاص بالإصلاح القضائي، في بيان صباح الاثنين.
والتقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قادة الأحزاب الائتلافية صباح الاثنين، لتقرير ما إذا كان سيمضي قدمًا في مشروع القانون المثير للجدل، لإعادة تشكيل لجنة التعيينات القضائية، الذي أقِر في لجنة الدستور بالكنيست صباح الاثنين وهو الآن جاهز لتقديمه، في جلسة الكنيست للقراءتين الثانية والثالثة.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنه سمع وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير يصرخ من داخل الاجتماع بأن الحكومة ينبغي ألا تتراجع.
وهدد الوزير الإسرائيلي بإسقاط الحكومة، إن قرر نتنياهو وقف التعديلات القضائية، رغم أن ثلاثة وزراء على الأقل من حزب نتنياهو (الليكود) أكدوا أن الوقت قد حان لإعادة تقييم استراتيجيتهم، وأنهم سيدعمون وقف التشريع.
وإذا ترك بن غفير الحكومة وانسحب من الائتلاف، لن تكون للائتلاف أغلبية، وستسقط الحكومة على الأرجح.