بعد دعاوى الاغتصاب والعنف... سفير لبنان في باريس تحت مقصلة القضاء الفرنسي
فتحت فرنسا تحقيقًا بشبهة الاغتصاب وممارسات عنيفة متعمدة، استهدف سفير لبنان لدى باريس، بعد شكويين تقدمت بهما موظفتان سابقتان في السفارة، ما استدعى طلب فرنسا رفع الحصانة الدبلوماسية عنه.

السياق
رجل يتمتع بحصانة دبلوماسية «منيعة» و«كاملة»، وفقاً للنصوص التنظيمية، المنبثقة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، إلا أن هذه المكانة الرفيعة، لم تحصنه من اتهامات تلاحقه، في دعاوى اغتصاب وعنف متعمد.
إنه السفير اللبناني في باريس، رامي عدوان، الذي طلبت فرنسا –الاثنين- رفع الحصانة عنه، في التحقيق الذي يستهدفه بشبهة الاغتصاب والعنف المتعمد.
تحقيق جاء في وقت يعاني لبنان انهيارات، سياسية واقتصادية وأمنية، ألقت بثقلها على البلد العربي، الذي يكافح لاختيار رئيس، بعد خطوات على الطريق تعثرت، بفعل تصلب مواقف القوى السياسية.
القصة
فتحت فرنسا –الجمعة- تحقيقًا بشبهة الاغتصاب وممارسات عنيفة متعمدة، استهدف سفير لبنان لدى باريس، بعد شكويين تقدمت بهما موظفتان سابقتان في السفارة، ما استدعى طلب فرنسا رفع الحصانة الدبلوماسية عنه.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية -في بيان- إنه «إزاء خطورة الوقائع المذكورة، نرى أن من الضروري أن ترفع السلطات اللبنانية الحصانة عن سفير لبنان لدى باريس، لتسهيل عمل القضاء الفرنسي».
كيف بدأ التحقيق؟
مشتكية تبلغ من العمر 31 عامًا، تقدمت في يونيو 2022 بشكوى، قالت فيها إنها تعرضت للاغتصاب في مايو 2020 بشقة تابعة للسفير رامي عدوان، سفير لبنان لدى باريس منذ عام 2017، وفق نص المحضر لدى الشرطة.
وفي الشكوى التي نص عليها محضر الشرطة الفرنسية، أكدت المشتكية، التي كانت محررة، أنها أبدت رفضها إقامة علاقة جنسية وعمدت إلى الصراخ والبكاء، مضيفة أنها كانت قد أبلغت الشرطة عام 2020 بأن عدوان اعتدى عليها بالضرب خلال شجار في مكتبه، من دون أن تتقدّم بشكوى، بداعي عدم تدمير حياة هذا الرجل وهو متزوج ورب أسرة.
وبحسب الشاكية، فإنها كانت على علاقة غرامية بالسفير، الذي كان يمارس ضدها «العنف النفسي والجسدي ويوجّه إليها الإهانات يوميًا».
شكوى أضيفت إلى أخرى، وجهتها فتاة تبلغ من العمر 28 عامًا، قالت فيها، إنها ارتبطت عاطفيًا بالدبلوماسي اللبناني، بعيد مباشرتها العمل في السفارة بصفة متدرّبة عام 2018.
وتقدمت الشاكية الثانية في فبراير الماضي بالشكوى إلى السلطات الفرنسية، زاعمة أنها تعرضت لاعتداءات جسدية، غالبًا ما نتجت عن رفضها إقامة علاقة جنسية، مشيرة إلى أن عدوان حاول صدمها بسيارته، إثر شجار على هامش منتدى من أجل السلام في كاين غربي فرنسا في سبتمبر الماضي.
واتهمت الشاكية الثانية، الدبلوماسي اللبناني بمحاولة خنقها في منزلها، بإقحام وجهها في السرير نهاية ديسمبر الماضي.
أين الحقيقة؟
الوكيل القانوني للسفير المحامي كريم بيلوني، قال -في تصريحات صحفية- إن موكله ينفي كل اتهام بالاعتداء من أي نوع، سواء كان لفظيًا أم أخلاقيًا أم جنسيًا، مشيرًا إلى أن موكله أقام مع هاتين المرأتين بين عامي 2018 و2022 علاقات غرامية، تخلّلتها خلافات وحالات انفصال.
في السياق نفسه، علقت الخارجية الفرنسية على تلك الادعاءات الواردة من الطرفين، مشيرة إلى عدم وجود عناصر لديها، في ما يتعلق بهذه القضية، التي يتولاها القضاء والمشمولة بسرية التحقيق، بينما قال مصدر دبلوماسي، إن باريس طلبت –الاثنين- رفع الحصانة عن سفير لبنان في باريس، الذي يستهدفه التحقيق.
وأكدت وزارة الخارجية أنه إزاء خطورة الوقائع المذكورة، نرى أن من الضروري أن ترفع السلطات اللبنانية الحصانة عن سفير لبنان لدى باريس، لتسهيل عمل القضاء الفرنسي.
هل يرفع لبنان الحصانة؟
ردا على سؤال بإمكان رفع الحصانة عن السفير رامي عدوان، قال المصدر الدبلوماسي: «ثمة خطوات في هذا المنحى ستتخذ».
وأعلن لبنان -السبت- إرسال فريق تحقيق إلى باريس، بينما قالت وزارة الخارجية اللبنانية -في بيان- إنه «تقرر استعجال إيفاد لجنة تحقيق برئاسة الأمين العام للوزارة وعضوية مدير التفتيش، إلى السفارة في باريس، للتحقيق مع السفير المعني، والاستماع الى إفادات موظفي السفارة من دبلوماسيين وإداريين».
وأضاف البيان أن اللجنة ستقابل مَن يلزم مِن الجهات الرسمية الفرنسية، لاستيضاحها عمّا نقل عنها في وسائل الإعلام ولم تتبلغه وزارة الخارجية اللبنانية، عبر القنوات الدبلوماسية.
وعن تلك القضية يقول الكاتب اللبناني طارق إسماعيل، في مقال بمنصة درج الإعلامية، إن الدبلوماسي اللبناني عدوان يقدم نموذجاً آخر لممثلي السياسة الخارجية للبنان، مذ آلت إلى العونيين، مشيرًا إلى أن عدوان تبوأ منصبه الحالي بمسار قانوني ملتبس، وهو المتدرج من موقعه الإداري إلى سفير لبنان في العاصمة الفرنسية.
وزعم الكاتب اللبناني، أن انتماء عدوان السياسي، ساعده في تجاوز الآليات القانونية، لتمثيل الدبلوماسية اللبنانية في الخارج، فأتاحت له ما لا تتيحه القوانين المرعية الإجراء.
وأشار إلى أن خواء السياسة الخارجية، منذ ما بعد اغتيال رفيق الحريري، وما تلاه من تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي أسس لعزلة لبنان الخارجية، أفضيا بالضرورة إلى تمدد هذه النماذج، التي صارت وظيفتها ملء هذا الخواء بالنقائص.
وقال إن "خواء كهذا انعكس أيضاً لا مبالاة من أغلب اللبنانيين عن أحوال سفاراتنا وسفرائنا في الخارج، هذا قبل أن نعود لنتقصى أخبارها الراهنة من باب الفضيحة"، وأضاف "عموماً سيبدو العونيون أمام الأخيرة كالمغلوبين على أمرهم. إنهم أمام قضاء فرنسي يحاكم رجلهم رامي عدوان، ويحاكم بالتوازي خصمهم رياض سلامة"، مشيراً إلى أن افتراض التشكيك في الأولى، سيفضي إلى تعريتهم في الثانية وهم من يتصدر مشهدها القضائي لبنانياً، كما في استدراجهم القضاء الفرنسي إليها.
واختتم طارق إسماعيل مقاله بالقول: "عودٌ على بدء إلى سيرة رامي عدوان الذاتية والتي تنطوي على قيمة مضافة في حياته السياسة. ففي مرسوم تعيينه هو سفير فوق العادة، وبصلاحيات استثنائية… سفير متّهم بالاعتداء الجسدي والجنسي على موظفتين في سفارته."