غضب محلي.. هل يسعى أردوغان إلى تأجيل الانتخابات للهروب من المصير المحتوم؟
كانت الصدمة التي أحدثها الزلزال، الذي أثر في 10 مقاطعات تركية، هائلة، تفاقمت من خلال إدراك أن مساعدة الدولة لم تكن موجودة وقت الحاجة.

ترجمات – السياق
بينما لم يقيَّم تأثير الزلزال الأخير، الذي ضرب تركيا وسوريا، إلا أن أنقرة تعرضت لأضرار كبيرة، يمكن أن تكون لها آثار سياسية طويلة الأمد، بحسب صحيفة ذا كريدل.
وأوضحت الصحيفة في تحليل للصحفية البارزة سيدا كاران، ترجمته «السياق»، أن الزلزالين اللذين بلغت قوتهما 7.7 و7.6 درجة، وضربا منطقتي بازارجيك زالبستان في كهرمان مرعش، لم يدمرا أحياء فحسب، بل دمرا أيضًا، في غضون 24 ساعة، التصورات التركية لما تسمى «الدولة الشاملة أو القادرة» التي أنشأها الرئيس رجب طيب أردوغان.
عديد من الأتراك صُدموا بالزلزال المدمر، الذي ضرب المناطق الجنوبية للبلاد وسوريا المجاورة في 6 فبراير.
فشل الدولة
الزلزال ترك الناس يتساءلون «أين المساعدة وأين الدولة؟»، فبينما طالت ساعات انتظارهم تحت الأنقاض، كانت البنية التحتية -التي كانت ذات يوم فخر إدارة أردوغان- في حالة خراب، بحسب التحليل، الذي قال إن ما زاد معاناة المتضررين، الافتقار إلى حملات الإغاثة المناسبة، وتعذر الوصول إلى المدن المتضررة لسوء الأحوال الجوية.
وتقول الصحفية سيدا كاران، إن الطريق السريع بين غازي عنتاب وأضنة كان في حالة دمار، فالجسر الذي افتتح حديثًا في ملاطية دمر، وأغلق المطار الذي تضرر سقفه أمام الرحلات المدنية، إضافة إلى تعذر الوصول إلى هاتاي (أنطاكية) عن طريق الجو لأن مدرج المطار المبني على سهل أميك -رغم تحذيرات العلماء- لحقت به أضرار جسيمة، بينما انهار معظم المستشفيات في هاتاي على رأس الجرحى، وخرجت قاعات المدينة من الخدمة.
كانت الصدمة التي أحدثها الزلزال، الذي أثر في 10 مقاطعات تركية، هائلة، تفاقمت من خلال إدراك أن مساعدة الدولة لم تكن موجودة وقت الحاجة.
وأظهر مقطع الفيديو الذي صوره عمدة بولو تانجو أوزجان، الذي وصل إلى إلبستان بعد 24 ساعة من الزلزال، حالة الناجين الذين ما زالوا ينتظرون المساعدة، فبينما كانت المدينة المدمرة والمستوية بالأرض مغطاة بالثلج، قال أوزجان إن عمال الإغاثة القلائل الموجودين لا يمكنهم فعل أي شيء، مضيفًا وهو يشير إلى الحطام: «هناك أحياء هنا».
وتقول الصحفية سيدا كاران، في تحليلها، إنه كما هز زلزال غولكوك الذي بلغت قوته 7.4 درجة، الذي ضرب اسطنبول عام 1999 تركيا، بسبب أولئك المحاصرين تحت الأنقاض، وغيّر السياسة الوطنية إلى الأبد، صُدم كثيرون ممن تذكروا رد الفعل العنيف ضد السلطات خلال كارثة عام 1999.
وأشارت إلى أن الفشل في الاستجابة لهذه الكارثة، أثار تساؤلات عن استعداد الحكومة وقدرتها على تقديم المساعدة أوقات الأزمات.
استجابة غير كافية للكوارث
وتقول سيدا كاران، إن وكالة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)، التابعة لوزارة الداخلية، مسؤولة عن التعامل مع الكوارث وحالات الطوارئ الوطنية، مشيرًا إلى أنه على عكس عديد من البلدان الأخرى، التي يكون فيها المسؤولون التنفيذيون للاستجابة للكوارث خبراء عسكريين، فإن المديرين التنفيذيين في تلك الوكالة التركية في الغالب من خريجي «إمام خطيب» وهي مدرسة دينية، بمؤهلات مشكوك فيها.
وأشارت إلى أن هذه الوكالة تعرضت لانتقادات بسبب نقص الموظفين، إضافة إلى أن لديها مشكلات في التنسيق، ففي الساعات الحرجة بعد الزلزال، كان مسؤولو وكالة إدارة الكوارث إما أنهم لم يصلوا إلى المواقع المدمرة، وإما جاؤوا لتدوين الملاحظات فقط.
وأكد تحليل صحيفة ذا كريدل، أن نقص المعدات المتاحة، مثل الرافعات ومعدات البناء، جعل من الصعب الوصول إلى المناطق المتضررة، مشيرة إلى عدم إرسال عمال المناجم ذوي الخبرة في منطقة البحر الأسود، إلا بعد 48 ساعة من الزلزال.
وبينما نشرت القوات المسلحة التركية (TAF) في غضون فترة زمنية قصيرة خلال زلزال غولكوك 1999، جرى نشر 3500 جندي فقط في أول 24 ساعة هذه المرة، بحسب التحليل.
التعبئة المدنية
في 7 فبراير، أعلنت الحكومة التركية حالة الطوارئ (OHAL) في منطقة الكارثة، إضافة إلى أسبوع من الحداد، بحسب الصحفية سيدا كاران، التي قالت إنه رغم تدفق الدعم من بلديات المعارضة والمجتمع المدني، فإن الحكومة واجهت انتقادات بسبب بطء استجابتها وعدم استعدادها، بينما الهلال الأحمر التركي كان غائبًا على الأرض.
تلك الانتقادات رد عليها أردوغان بالاستهجان، زاعمًا أنه سيتصدى لـ«الأكاذيب» و«التشويهات» التي وجهت إلى إدارته في الوقت المناسب، إلا أنه مع ذلك، أغلق في اليوم التالي، وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان يستخدمها المجتمع المدني لإنقاذ الأرواح عبر مراكز البحث والإنقاذ، ما تسبب في غضب هائل، بحسب التحليل.
وتقول الصحفية البارزة، إن وسائل التواصل الاجتماعي أعيدت مجددًا في تركيا، بعد أن دعا المغني التركي الشهير هالوك ليفنت، المعروف بعمله الخيري، السلطات إلى التراجع عن الخطوة، مؤكدًا أن حظر وسائل التواصل الاجتماعي «يعادل القتل».
دور الجيش التركي
وبحسب التحليل، فإن القضية الأكثر إثارة للجدل كانت رد فعل القوات المسلحة التركية على الكارثة، فرغم وجود 50 ألف جندي تركي في سوريا، نشرت أنقرة 3500 جندي فقط في الـ24 ساعة الأولى بعد الزلزال.
وتقول الصحفية سيدا كاران، إن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار كان محقًا عندما أوضح أن القوات التركية تأخرت بسبب الأحوال الجوية وتدمير الطرق البرية، إلا أن فشل الرئيس أردوغان في التعبئة الفعالة للقوات المسلحة لم يمر مرور الكرام، فالضباط المتقاعدون الذين شاركوا في جهود الإغاثة لزلزال غولكوك عام 1999 أطلقوا تحذيرات في الساعات الأولى من كارثة هذا الشهر.
وبينما دعا الأدميرال المتقاعد جيم جوردينيز إلى إرسال السفن البرمائية إلى خليج الإسكندرية لمساعدة هاتاي، أنشأت في الوقت نفسه دول مثل روسيا وإسبانيا وإسرائيل مستشفيات ميدانية.
وأشار الخبراء إلى حقيقة أن قدرة القوات المسلحة التركية على الاستجابة لهذه الكوارث انخفضت بشكل كبير بعد وحتى قبل محاولة الانقلاب عام 2016، مستشهدين بإغلاق أكاديمية جولهان الطبية العسكرية المرموقة (GATA) كمثال.
وأكد الأدميرال المتقاعد توركر إرتورك، القائد السابق للبحر الأسود، أهمية دور الجيش في الاستجابة للكوارث الطبيعية والتهديدات الخارجية، قائلاً: دمرت الحكومة المرافق والقدرات الصحية للجيش التركي والمستشفيات الميدانية، كما سنت قانونًا حتى لا تتدخل القوات المسلحة في هذه الأمور».
وأضاف: كانت لدى القوات المسلحة التركية خطط للأمن والنظام العام والمساعدات تسمى بروتوكول التعاون الشرطي الأمني EMASYA، وخطة الإغاثة من الكوارث الطبيعية التي تسمى DAFYAR، مشيرًا إلى أن أردوغان دمر تلك القوانين، لقد منع الجيش من المسارعة لمساعدة الشعب».
مصير "العدالة والتنمية"
تقول الصحفية البارزة، إن ولاية أردوغان التي استمرت 20 عامًا على رأس تركيا، اتكأت على الجروح التي سببها زلزال غولكوك عام 1999، إلا أن من المفارقات أن سقوطه السياسي يمكن أن يحدث الآن بسبب زلزال 2023.
في 9 فبراير الجاري، أبلغ مسؤول تركي "رويترز" بأن «هناك صعوبات خطيرة قبل إجراء الانتخابات في 14 مايو المقبل»، بحسب التحليل الذي قال إن تفويض الرئيس أردوغان يسمح له فقط بتأجيل الانتخابات حال الحرب، الأمر الذي يتطلب موافقة المعارضة، ومع ذلك، هناك اقتراحات بأنه قد يستخدم حالة الطوارئ كتكتيك أخير للمماطلة.
وتقول صحيفة ذا كريدل، إن أردوغان ربما ألمح بالفعل إلى ذلك، من دون أن يذكر الانتخابات مباشرة، قائلًا: «نعتقد أننا سنكمل هذه العملية، ما يعني بناء مئات الآلاف من المنازل ببنيتها التحتية والفوقية، في وقت قصير، أريد سنة واحدة منك».
أورهان بورصالي، كاتب عمود في صحيفة جمهوريت ديلي، يميل إلى هذا الرأي، لأنه يعتقد أن أردوغان يخشى خسائر كبيرة إذا كان سيستمر بإجراء الانتخابات في موعدها، مستشهدًا بظروف تركيا الاقتصادية السيئة وفسادها كأسباب لهذا السيناريو. وأضاف: «الآن، هيأ هذا الزلزال العظيم الظروف الطبيعية لتأجيل الانتخابات، هذه الفرصة في جيب القصر».
من ناحية أخرى، يؤكد الدكتور فاتح ياشلي أن سلطة أردوغان في تأجيل الانتخابات مفعلة «حال الحرب» فقط، موضحًا أن التأجيل احتمال بعيد، حتى لو تمكن الرئيس من التوصل إلى حل وسط مع المعارضة.
ويفترض ياشلي أن الاقتصاد والسياسة الموجهين للبناء على أساس توزيع الإيجارات، الذي التزم به حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان (AKP) 20 عامًا انهار مع هذا الزلزال، مشيرًا إلى أن الغضب التركي لا يقتصر على المناطق التي ضربها الزلزال، بل يمكن ملاحظته في جميع أنحاء البلاد، ما عطل خطط الرئيس الموضوعة بعناية.
وأضاف ياشلي: «جعل الزلزال الأمر صعبًا على أردوغان الذي كان يمر بأوقات عصيبة، وكان كرسيه يهتز»، مشيرًا إلى أن احتمال الفوز في الانتخابات التي تجرى بالوسائل العادية ضئيل.
وتابع الدكتور ياشلي: إذا لم يتورط أردوغان في جنون تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، فليس أمامه خيار سوى اتباع سياسة أكثر صرامة في الأيام المقبلة، لزيادة الضغط على المعارضة، وقيادة البلاد إلى الانتخابات في جو من الطوارئ حيث ستستخدم الدولة إمكاناتها».
تداعيات خارجية
ويؤكد محلل السياسة الخارجية، أيدين سيزر أن حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان يواجه موقفًا صعبًا ولا يمكنه التهرب من القضايا بالاختباء وراء الزلزال، أو ربط الدمار بـ«القدر والدين» وتوزيع الأموال لتهدئة الجمهور، كما كان.
ويجادل سيزر بأن «الانتخابات لا تتعلق فقط بنقل السلطة، إنها مسألة بقاء لحزب العدالة والتنمية»، محذرًا من أن هذا الوضع قد يجبر أردوغان على وضع عاجل ورهيب في سوريا، يمكن تفسيره على أنه «حرب».
ويقول تحليل صحيفة ذا كريدل، إنه في ضوء هذه الظروف، من الأهمية بمكان فهم الحالة الدقيقة لعلاقات تركيا بحلفائها الغربيين في "الناتو"، لا سيما في ما يتعلق بسوريا، ففي حين أن الزلزال جمع مصيري تركيا وسوريا في دقائق، فإن أنقرة لم تستجب لدعوات فتح حدودها وإنشاء ممر جوي للمساعدات، خارج الأراضي التي يسيطر عليها الحليف التركي وهيئة تحرير الشام.
وبحسب الصحيفة، كانت لتركيا، قبل الزلزال، اتصالات بدمشق من خلال الوساطة الروسية، في تطورات أثارت حفيظة واشنطن، واعتراضًا من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على أي مصالحة محتملة بين أنقرة والرئيس السوري بشار الأسد.
وتقول «ذا كريدل»، إن الزلزال الأخير في تركيا وأجندة الانتخابات الجارية أثارا جدلاً ساخنًا بشأن الاتجاه الذي تسير فيه البلاد، فمع اعتراض إدارة بايدن على سياسة أنقرة تجاه سوريا، والعبء المالي للزلزال، هناك ضغوط سياسية واقتصادية هائلة على الأتراك، للمشاركة في العقوبات المفروضة على روسيا.
وأشارت إلى أن اقتصاد تركيا، الذي كان يعاني ارتفاع التضخم وأسعار الصرف وانخفاض مستويات المعيشة، قد عانى خسارة مالية تزيد على 100 مليار دولار بسبب الزلزال، مؤكدة أن المنطقة المتضررة من الزلزال تمثل 8.7 في المئة من صادرات البلاد، بـ 19.76 مليار دولار، ما يعني أن الصادرات ستنخفض، بخلاف موجة جديدة من الهجرة من المنطقة.
تركيا إلى أين؟
في هذا السياق، تجرى مناقشة القروض الطويلة الأجل المقدمة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بحسب التحليل، الذي قال إنه بينما لا تزال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تركيا العضو في "الناتو"، إلا أنهما لا يعدان الرئيس أردوغان شريكًا موثوقًا به في الحلف.
ومن المرجح أن تؤثر هذه الكارثة في التوازنات السياسية والاقتصادية بتركيا، بينما الوضع على الأرض غير واضح، بحسب «ذا كريدل»، التي قالت إن الخطوة الأولى لأردوغان بعد الزلزال، كانت الاتصال بقادة الأحزاب اليمينية في كتلة المعارضة التركية، باستثناء زعيم معارضته الرئيسة، حزب الشعب الجمهوري الاشتراكي الديمقراطي (CHP).
وأشارت إلى أن تأجيل الانتخابات حتى الخريف، عن طريق المصالحة مع المعارضة، سيحافظ على سياسة التوازن بين الغرب والشرق، بينما تأجيلها إلى أجل غير مسمى سيعزز فكرة التمحور نحو الشرق.
وتواجه تركيا وضعًا سياسيًا واقتصاديًا معقدًا، ومن غير الواضح الاتجاه الذي ستتخذه على المدى القصير.
في غضون ذلك، يعاني الشعب التركي صدمة عدم اليقين.