لم يسقط فيها قتيل ولا مبنى.. كيف صمدت مدينة إرزين التركية في وجه الزلزال؟

تمكنت مدينة إرزين الصغيرة الواقعة في مقاطعة هاتاي جنوب تركيا، من الصمود في وجه الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجة

لم يسقط فيها قتيل ولا مبنى.. كيف صمدت مدينة إرزين التركية في وجه الزلزال؟

ترجمات - السياق

على الرغم من أنها تبتعد أقل من 50 ميلاً من مركز كارثة الزلزال المدمر الذي أودى بحياة الآلاف في تركيا وتسبب في تدمير آلاف المباني، إلا أنها صمدت ولم يسقط فيها أي قتيل، ولم ترَ أي انهيار للمباني، بل تحولت إلى ملجأ يقصده الناجون من الزلزال، إذ لم تسجل المدينة وفيات، في الزلزال القوي.

حيث تمكنت مدينة إرزين الصغيرة الواقعة في مقاطعة هاتاي جنوب تركيا، من الصمود في وجه الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجة، ما فتح الباب واسعاً أمام السؤال حول أسباب صمودها في ظل انهيار باقي المدن المحيطة بها.

وسلَّطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الضوء على الأسباب التي جعلت مدينة إرزين التركية -التي تقع إداريًا ضمن محافظة هاتاي التي ضربها الزلزال- تصمد رغم انهيار بقية المدن، مشيرة إلى أنه رغم بلوغ قوة الزلزال 7.8 درجة على مقياس ريختر، وهي كافية لتدمير المدينة، فإن المدينة لم تشهد إصابات ولا أضرارًا تذكر.

وذكرت أنه على مدى أميال حول مدينة إرزين التركية الصغيرة، تحطمت الأرض، ودُمرت المباني، وتحولت البلدات والمدن إلى "مقابر خرسانية"، بسبب الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة الأسبوع الماضي، إلا أن هذه المدينة لم تخسر شيئًا.

استقرار وصمود المدينة -الواقعة بالقرب من البحر المتوسط- أثار تساؤلًا عن سبب اجتيازها للزلزال الضخم، الذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل في تركيا وسوريا.

بحسب عمدة منطقة إرزين أوكيش إلماس أوغلو، تقع المدينة في ولاية هاتاي، التي تضررت بشكل كبير من الزلزال، ورغم ذلك فإنها لم تشهد خسائر في الأرواح ولا في الإصابات.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن العمدة أراد اغتنام الفرصة، والتفاخر بأن مدينته لم يصبها أذى، بسبب التطورات التي أحدثها فيها، وأنهم لم يسمحوا بإنشاء هياكل غير قانونية في المنطقة، إلا أن المهندسين والعلماء نسبوا الفضل إلى عوامل أخرى، تضافرت لإنقاذ المدينة، مثل اتباع أحدث طرق البناء التي تناسب المناطق الزلزالية، وموقع المدينة "المحظوظ" على أرض صلبة جدًا.

 

أسباب النجاة

وعن أسباب نجاة المدينة، نقلت "نيويورك تايمز" عن عمر إيمري، عالم الجيومورفولوجيا، الذي أمضى 40 عامًا في دراسة خطوط الصدع في المنطقة، ويعمل مع مجموعة بحثية خاصة تدعى فوغرو، قوله: "حالة التربة الصلبة سبب عدم تعرضنا لأضرار".

وحسب الصحيفة، تقع إرزين على بُعد نحو 50 ميلاً من مركز الزلزال، وهي أقرب من مدن الجنوب مثل إسكندرونة وأنطاكيا، لكن المدينتين الأخيرتين تعرضتا لأضرار، وتحولت مبانيهما إلى أطلال وأنقاض، وزادت الكارثة في إسكندرونة، بأن تعرضت لحريق كبير في الميناء، وغمرت مياه البحر الشوارع.

ويوضح إيمري سبب الدمار الشديد الذي لحق بالمدينتين (إسكندرونة وأنطاكيا)، بقوله: بُنيت مدن وقرى عدة في المنطقة، فوق طبقات من الرمل والطمي والطين، على مجرى نهر قديم، مشيرًا إلى أن تلك التربة، مثل الأرض الساحلية الناعمة تحت الإسكندرونة، كانت أكثر عُرضة للاهتزاز.

وأضاف: "هذه الرواسب الناعمة المليئة بالمياه، تجعل المدن والقرى مُعرضة للزلازل"، لافتًا إلى أنه عندما يضرب زلزال هذه الأرض، تتحرك مثل الموجة.

ويضيف إيمري: "تقع إرزين أعلى من مستوى سطح البحر، وقد بُنيت على أرض صلبة تتكون من صخور قاعدية وحبوب أكثر خشونة من الرمل".

وأوضح أن التربة الصلبة تمتص الصدمات بين الهياكل وموجات الزلزال، ما يقلل تأثير المباني بالهزات.

وحسب إيمري "لا توجد مبانٍ شاهقة في إرزين، ما قلل المخاطر"، ورغم تضرر بعض المباني في البلدة لدرجة أنها أصبحت غير آمنة، فإن المدينة نجت من الدمار الذي لحق بالمناطق المجاورة.

ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن علماء جيولوجيا تأكيدهم، أن هناك حالات أدت فيها التربة القاسية إلى الحد من أضرار الزلازل، ومن ذلك صمود قرية صغيرة تسمى تافسانسيل، أمام الزلزال الضخم الذي ضرب المنطقة عام 1999، بقوة 7.6 درجة، وأسفر عن قتل الآلاف غربي تركيا.

وأشاروا إلى أنه عبر المنطقة التي هزها زلزال الأسبوع الماضي ومئات الهزات الارتدادية، هناك عديد من الأمثلة الصارخة لأحياء تماسكت وظلت سليمة إلى حد كبير، رغم أن هذه الزلازل أدت لتسوية أماكن أخرى في المنطقة نفسها بالأرض، ما دفع السكان إلى التساؤل عن سبب الاختلاف.

 

مناطق زلزالية

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن المنطقة التي ضربها الزلزال في تركيا، من أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا في العالم، ومن ثمّ فقد كان هناك اهتمام كبير بأن تكون طريقة البناء مناسبة لمواجهة هذه الهزات في أي وقت.

وأشارت إلى أن السلطات بدلًا من بحث أسباب الخسائر الفادحة التي عمتّ المنطقة بعد الزلزال الأخير، حولوا اهتمامهم للبحث عن "كبش فداء" بين المقاولين، وتحميلهم مسؤولية الانهيارات.

ونوهت إلى أن السلطات التركية احتجزت عشرات المقاولين، واتُهم عديد منهم بأنهم استخدموا "مواد رخيصة ومخالفة قوانين البناء، لتسريع المشاريع وتحقيق أرباح، عبر هياكل غير مناسبة لمواجهة الزلازل".

وهو ما استغله إلماس أوغلو جيدًا لصالحه، وخرج ليعلن أنه أوقف عمليات البناء غير القانونية في مدينته (إرزين)، ما كان سببًا في حمايتها من أضرار الزلزال.

وقال مستشار رئيس البلدية، إيراي غونر: "بعزم جاد، لم يسمح رئيس البلدية بالبناء غير القانوني خلال السنوات الأربع الماضية"، مؤكدًا أن مكتبه أبلغ المدعين العامين عن مقاولين أقاموا أبنية لا تناسب الزلازل في المنطقة، فأمروا بهدمها.

لكن هناك مهندسين قللوا من أهمية ادعاءات عمدة إرزين، إلا أنهم أقروا بأن بالمدينة مهندسين جيدين، وأن التراخي في تطبيق القانون لعب دورًا كبيرًا في الدمار الذي شهدته مدن أخرى جراء الزلزال.

ونقلت الصحيفة عن مهندس مدني من الإسكندرونة -رفض كشف هويته خوفًا من الانتقام لانتقاده الحكومة- قوله: "هذه هي مشكلتنا في تركيا، يمكن لأي شخص في هذا البلد لديه أرض أن يقرر البناء -جزارًا كان أو مزارعًا أو طاهيًا- من دون رقابة السلطات".

وكشف أن عديدًا من مطوري العقارات، عديمو الخبرة، وغير ملمين بلوائح البناء التي تناسب مناطق الزلازل، وهو ما فاقم المأساة في عديد من المناطق.

وأضاف المهندس، الذي سافر إلى الإسكندرونة لمعرفة الأوضاع على الأرض: "التقطت بعض الخرسانات من الأبنية المنهارة فوجدتها تتحلل بين أصابعي مثل الرمل"، مشيرًا إلى أن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل هناك استخدام لـ "حزم رقيقة للغاية من الفولاذ الرخيص ومتصلة بتركيبات واهية في عملية البناء، ما أسهم في سرعة تدهورها".

وتعليقًا على ما رآه، قال المهندس: "الزلزال لم يكن القاتل الحقيقي هنا، بل كل ذلك كان يتعلق بسوء عملية البناء ذاتها وضعف جودتها".

وهو ما أيده آخرون من أهالي المناطق المنكوبة، محملين حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان المسؤولية، بسبب التشريع الأخير قبل بضع سنوات، الذي سمح لأصحاب العقارات بدفع رسوم للإعفاء من مخالفات البناء، من دون تعديل مبانيهم.

وقال أورهان ساريالتون، عضو مجلس إدارة اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك، وهي مجموعة غالبًا ما تكون على خلاف مع حزب أردوغان: "لقد طلبنا من الحكومة فرض عمليات تفتيش هندسية قبل منح العفو، إلا أن ذلك لم يحدث"، مشيرًا إلى أن البنّائين الذين يريدون تجاوز اللوائح يلجأون لإنشاء شركات "تفتيش خاصة" نيابةً عن الدولة، ومن ثمّ يفحصون بأنفسهم المباني، ويكتبون تقاريرهم بأنها صالحة للإقامة فيها، وهو ما كانت نتيجته كارثية مع وقوع الزلزال.

وطالب بسرعة التحقيق مع شركات التفتيش وحكومات المدن جنبًا إلى جنب مع شركات البناء، وقال: تحميل المسؤولية للمقاولين فقط، محاولة لرفع المسؤولية الأهم عن كاهل الحكومة.

وعزا ساريالتون حالة إرزين الجيدة إلى أنها تطورت إلى حد كبير خلال العقدين الماضيين، مع بناء أفضل وفقًا لأحدث متطلبات الزلازل، وأوضح أن "المباني شُيدت وفق الأنظمة والقوانين اللازمة، وإلا لانهارت أيضًا".

أما حسن أكسوي وهو مهندس مدني، وأحد سكان إرزين فروى ما حدث له أثناء الزلزال، قائلًا إنه أثناء الزلزال، استيقظ من تأرجح شقته في الطابق السادس -أحد أعلى المباني في المنطقة- وكأن المبنى يرقص، إلا أنه انتظر دقائق حتى تبطئ الحركة، ثم شجع زوجته وطفليه على الخروج بأمان، لافتًا إلى أنه في اليوم التالي، اتصل بمهندس المبنى، ليشكره.

أما عائشة -وهي مالكة لإحدى العقارات وتبلغ من العمر 46 عامًا- فقالت: "كنا نظن أنه يوم القيامة"، ولذلك قررت مغادرة المبنى رغم أنه لم يتضرر من الزلزال.

وأوضحت، أثناء إقامتها مع نحو 30 مستأجرًا، في واحدة من خيام الإغاثة المنتشرة في أركان الشوارع والحدائق، أنهم ما زالوا خائفين من العودة إلى المنزل، رغم أنها أضافت: "بالطبع نشعر بأننا محظوظون لأننا لم نصب بسوء".

ورغم نجاة أهالي إرزين، فإن الصحيفة تبين أنه يمكن رؤية آثار الزلزال في عديد من الأماكن، حيث توجد "تشققات على واجهات المحلات، وتصدعات على طول المباني الواقعة على الطريق الرئيس للمدينة، وحطام مئذنة مسجد، وانهيارات لبعض الأرصفة".