وساطة فرنسية صينية... هل تعقد مباحثات سلام بين روسيا وأوكرانيا؟

كلف ماكرون مستشاره للشؤون الخارجية إيمانويل بون، بالعمل مع كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، لإنشاء إطار قد يُستخدم أساسًا للمفاوضات المستقبلية بين روسيا وأوكرانيا

وساطة فرنسية صينية... هل تعقد مباحثات سلام بين روسيا وأوكرانيا؟
الرئيس الفرنسي ونظيره الصيني

ترجمات- السياق

زيار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين، التي أثارت جدلًا غربيًا كبيرًا، سلك فيها صاحب الإليزيه دربًا مهمًا، لإقناع بكين بلعب دور الوسيط، في المفاوضات المحتملة بين روسيا وأوكرانيا، وفق ما نقلت شبكة بلومبرغ الأمريكية عن مصادر مطلعة.

وبينت الشبكة، أن الرئيس الفرنسي يتطلع إلى تحريك المياه الراكدة بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا، من خلال دفع الصين للعب دور الوسيط، وجلب الطرفين الروسي والأوكراني إلى طاولة المفاوضات، لإيقاف نزف الدماء المستمر منذ أكثر من 14 شهرًا.

ولتحقيق هذا الهدف، كلف ماكرون مستشاره للشؤون الخارجية إيمانويل بون، بالعمل مع كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، لإنشاء إطار قد يُستخدم أساسًا للمفاوضات المستقبلية بين روسيا وأوكرانيا.

ففي 6 أبريل الجاري، دعا الرئيس الفرنسي -خلال زيارته إلى بكين التي استمرت ثلاثة أيام- نظيره الصيني إلى المساعدة في وقف الحرب الروسية بأوكرانيا.

وقال ماكرون للرئيس شي، خلال لقائه به في بكين: "أعلم أنه يمكنني الاعتماد عليك في إعادة روسيا إلى رشدها، وإعادة الجميع إلى مائدة التفاوض".

وقال شي إن لدى بلديهما "القدرة والمسؤولية" لحماية السلام العالمي.

كانت الصين أطلقت خطة للسلام في أوكرانيا من 12 نقطة، وسط جهد صيني للعب دور أكبر في الدبلوماسية الدولية، شهد قيام زيارة شي جين بينغ موسكو لإجراء محادثات في الذكرى السنوية الأولى لغزو أوكرانيا، لكن الزيارة وتوقيتها قوَّضا مزاعم الحياد الصينية في أعين كثيرين.

ورغم أن الدول الغربية كانت رافضة بوجه عام للمقترحات الصينية، فإن الزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعا إلى محادثات مباشرة مع شي- الذي لم يرد علنًا على ذلك، كما رفض شي طلب ماكرون بمهاتفة زيلنسكي.

تهيئة الظروف

وعن إمكانية تحقيق الهدف الفرنسي، نقلت "بلومبرغ" عن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قوله: "لا توجد حبوب سحرية لحل الأزمة، كما أكد الرئيس شي جين بينغ"، وأضاف المتحدث أن جميع الأطراف ستحتاج إلى "حشد الثقة المتبادلة لتهيئة الظروف لهدنة ومحادثات سلام".

وشدد على أن الصين تدعم أوروبا، انطلاقًا من مصالحها الأساسية وخططها طويلة الأجل، للدفع باتجاه استئناف محادثات السلام في أقرب وقت ممكن، وتهيئة إطار أمني أوروبي متوازن وفعّال ومستدام، مع مراعاة المخاوف المعقولة لمختلف الأطراف.

بينما تتصور الاستراتيجية الفرنسية إجراء محادثات بين روسيا وأوكرانيا في أقرب وقت ممكن هذا الصيف، إذا سارت الأمور على ما يرام، حسبما قالت المصادر التي تحدثت بشرط عدم كشف هويتها.

وأشارت الشبكة الأمريكية، إلى أنه خلال رحلته الأخيرة إلى الصين، فشل الرئيس الفرنسي في تحقيق هدفه، بإقناع شي بالتحدث إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لافتة إلى أن الرئيسين الصيني والأوكراني لم يتحدثا منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام.

كان ماكرون قد أثار غضب الحلفاء العام الماضي، بعد أن قال إن على الحلفاء ألا "يذلوا" روسيا.

بناء السلام

قال الرئيس الفرنسي حينها: إن المطلوب هو بناء سلام بين أوكرانيا وروسيا، من دون السعي إلى "إذلال" موسكو، عندما يحين الوقت للتسوية، من خلال جلوس الطرفين على طاولة التفاوض.

ووفقًا للمتحدث الصيني، ليس من الواضح ما إذا كان ماكرون يحظى بدعم من كييف وحلفائها لخطته، خصوصًا أن كثيرين منهم رفضوا مقترحات وقف إطلاق النار، التي من شأنها أن تسمح لروسيا بالحفاظ على مكاسب إقليمية.

كما تشكك دول عدة في إمكانية عمل الصين كوسيط محايد، بالنظر إلى "صداقتها غير المحدودة" مع روسيا.

وبالفعل، تعهدت موسكو وبكين مرارًا بتعزيز العلاقات، بما في ذلك تعزيز التعاون بين جيشيهما.

وفي مارس الماضي، وقَّع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، في موسكو، وثيقتين لتعميق العلاقات الروسية الصينية وخطة لتطوير التعاون الاقتصادي حتى عام 2030.

والوثيقتان هما: "بيان مشترك من روسيا والصين عن تعميق الشراكة والتفاعل الاستراتيجي، بما يواءم الدخول في حقبة جديدة"، و"بيان مشترك لخطة التنمية للمجالات الرئيسة للتعاون الاقتصادي لعام 2030".

من جانبه، أكد مسؤول من مكتب ماكرون خطة بون للتحدث إلى وانغ، لكنه رفض التعليق على التفاصيل، مشددًا على إبلاغ حلفاء فرنسا بأي مبادرة جديدة من شأنها إنهاء الحرب.

الضغط على موسكو

ووفقًا للمصادر التي تحدثت معها "بلومبرغ"، ستعتمد أي مفاوضات مستقبلية على شروط عدة، بما في ذلك نجاح الهجوم الأوكراني في الربيع، الذي من شأنه أن يضع كييف في موقع قوة خلال أي محادثات.

لكن، يشعر بعض المسؤولين الأوروبيين بالقلق من إمكانية تحقيق أوكرانيا نجاحًا في أي هجوم مضاد، قد لا يكون حاسمًا بما يكفي لتحرير الأراضي التي احتلتها روسيا.

وذكرت "بلومبرغ" أن الهدف الأكثر واقعية، تقدم الجيش الأوكراني نحو 30 كيلومترًا (20 ميلاً) أو نحو ذلك في الجنوب، بطريقة من شأنها أن تضع المدفعية الأوكرانية الأكثر قدرة في نطاق خطوط الإمداد الروسية، وتهيئ الظروف لدفع أعمق خلال عام 2024 .

وذلك يعني أن حلفاء أوكرانيا يحتاجون إلى تكثيف الدعم لتمكين الهجمات المستقبلية من استعادة مزيد من الأراضي المحتلة، وأي مفاوضات محتملة لوقف إطلاق النار قبل ذلك الوقت، قد تبقي روسيا راسخة في مساحات كبيرة من الأراضي الأوكرانية، وفق الشبكة الأمريكية.

كان ماكرون قال إنه يرى "دورًا رئيسًا للصين"، وإنه بفضل علاقتها مع روسيا يمكن أن "تُعيد موسكو إلى صوابها"، لكن في المقابل، لم تُظهر بكين -حتى الآن- علامات استعداد للضغط على موسكو لسحب القوات.

لا تنازلات

وأيد وزراء خارجية دول مجموعة السبع، بما في ذلك فرنسا، هذا الأسبوع "صيغة السلام" لزيلينسكي، التي تتضمن انسحاب جميع القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.

وتعليقًا على التحركات الفرنسية للسلام، قال زيلينسكي على "تليغرام" خلال عطلة نهاية الأسبوع، إنه تحدث مع ماكرون عن زيارته الأخيرة إلى الصين بهذا الشأن.

وتحدث الرئيسان عن الخطوات التالية لتنظيم "قمة سلام"، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس نقلاً عن مسؤول في مكتب ماكرون.

وشددت كييف مرارًا على أن أي تنازل عن أراضيها ينبغي ألا يكون على الطاولة.

ويدعم عديد من حلفاء أوكرانيا هذا الموقف، محذرين من أن أي تسوية تجمد الحرب، من المرجح أن تشهد إعادة تسليح روسيا قبل بدء هجوم آخر.

ردع روسيا

في المقابل، لم يقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي مؤشر إلى أن أهدافه تغيرت، أو أنه مستعد لإخراج قواته من الأراضي الأوكرانية.

ووفقًا للمصادر التي نقلت عنهم "بلومبرغ"، تعتمد خطة ماكرون على "ضمانات أمنية طويلة الأجل لأوكرانيا"، تهدف إلى "ردع روسيا عن الهجوم في المستقبل".

ولم يوضح الحلفاء تفاصيل الإجراءات التي من المقرر الاتفاق عليها في قمة زعماء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بليتوانيا في يوليو، لكنهم يهدفون إلى مساعدة أوكرانيا في تحديث قواتها المسلحة، لتصبح أكثر قابلية للتشغيل المتبادل مع جيوش الحلف.

وبالتوازي مع ذلك، يعمل حلفاء أوكرانيا أيضًا على إيجاد سُبل للحفاظ على الإمداد المستمر لها بالأسلحة والإمدادات الرئيسة.