هل تنجح واشنطن في إنهاء الصراع بالسودان؟
يخشى المسؤولون الغربيون أن تتحول الحرب التي اندلعت بين جنرالين متنافسين في السودان، الأسبوع الماضي، إلى صراع إقليمي واسع النطاق إذا استمرت بلا هوادة.

ترجمات -السياق
لليوم الثامن على التوالي، تستمر الاشتباكات في السودان، بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني، وإن هدأت وتيرتها أو خفت حدتها، إلا أن أيًا من الهدنات السابقة لم تفلح في إخماد فتيل جذوتها.
بالمقابل، تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن جاهدة للتواصل مع طرفي الصراع في السودان، قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، للاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وحسب مجلة فورين بوليسي الأمريكية، يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من أن القتال الشامل والأضرار التي لحقت بمطار الخرطوم الدولي تفسد فرصة الإجلاء الفوري لما يتراوح بين 70 و90 دبلوماسيًا أمريكيًا وعائلاتهم الذين تجمعوا في مجمع السفارة الأمريكية.
وأشارت المجلة إلى أن واشنطن أجرت اتصالات مكثفة بالجنرالين السودانيين المتحاربين، اللذين أشعلا حربًا في الخرطوم تركت معظم سكان المدينة، بمن فيهم الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون، محاصرين في منازلهم مع أمل ضئيل في الفرار ما لم يهدأ القتال.
اهتمام كبير
وبينت "فورين بوليسي" -وفق ثلاثة مصادر مطلعة- أن ما يؤكد الاهتمام الأمريكي غير المسبوق بالأحداث في السودان، أن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، هو الذي أجرى بنفسه الاتصالات بطرفي النزاع البرهان وحميدتي.
يأتي هذا التواصل، في الوقت الذي حث المسؤولون الغربيون على وقف دائم لإطلاق النار لإتاحة الوقت لإجلاء البعثات الدبلوماسية.
وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أنها بصدد نشر قوات إضافية شرقي إفريقيا، حيث توجد للولايات المتحدة قوة عمل عسكرية مقرها جيبوتي، للمساعدة في الإجلاء المحتمل لموظفي سفارة واشنطن بالخرطوم.
وذكرت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، أن نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان أبلغت المُشرعين الأمريكيين، الأربعاء، بأن المهمة العسكرية سُتخرج الدبلوماسيين الأمريكيين وعائلاتهم من البلاد، لكن ليس الأمريكيين العاديين.
وبررت شيرمان ذلك بصعوبة وقف إطلاق النار بالبلد العربي في المستقبل القريب.
كانت قوات الدعم السريع أصدرت بيانًا أعلنت فيه أنها وافقت على وقف إطلاق النار 24 ساعة بوساطة الولايات المتحدة ودول أخرى، الثلاثاء، ومع ذلك لم يتوقف القتال، ووجَّه كل من الجانبين أصابع الاتهام للآخر، لتجدد العنف.
في الوقت نفسه، قال مسؤول فرنسي للصحفيين في واشنطن، الخميس: إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيشارك في محادثات مع الاتحاد الإفريقي لمعرفة ما إذا كان إنهاء القتال ممكنًا.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه مع استمرار تشكيل خطوط الهروب وتضاؤل الإمدادات بالنسبة لمعظم الدبلوماسيين والمواطنين الغربيين المحاصرين في الدولة التي مزقتها الحرب، أصبح الأمن التركيز الأكبر في أروقة السلطة بالولايات المتحدة وأوروبا.
من جانبها، أطلعت مولي في، مساعدة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، مراقبي الكونغرس على تطورات الأوضاع، بعد فترة وجيزة من تشكيل وزارة الخارجية لفريق عمل لمواجهة الأزمات في السودان.
وكشفت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي أنها أجرت اتصالات هاتفية بكل من نائب رئيس مجلس السيادة، والناطق الرسمي للعملية السياسية، بشأن تأكيد دعم الولايات المتحدة لتطلعات الشعب السوداني، للتحرك الفوري لنقل السلطة إلى حكومة يقودها مدنيون.
وقالت مولي في: "ممتنة للتشاور مع الناطق الرسمي للعملية السياسية والاتفاق الإطاري، خالد عمر يوسف، لتقديم الدعم من الولايات المتحدة والدعوة لاتخاذ إجراء سوداني سريع لإكمال الرحلة الطويلة لاستعادة الانتقال الديمقراطي".
وخلال اجتماع مغلق بمراقبي الكونغرس، قالت مولي في: إن إجلاء الأمريكيين والموظفين الدبلوماسيين من الخرطوم غير ممكن في الوقت الحالي حتى يتوقف القتال، حسبما قال مصدران مطلعان للمجلة الأمريكية.
ولا تزال الحكومات الغربية تسعى جاهدة لصياغة خطط الإجلاء، مع إبعاد الدبلوماسيين الأجانب ومجمعات الأمم المتحدة عن أي هجمات محتملة.
خطط الإجلاء
وبينت "فورين بوليسي" أن خطط الإجلاء الأمريكية تتضمن التدخل بعدد من الطائرات، لنقل الرعايا والدبلوماسيين من الخرطوم.
وحسب المجلة، يمتلك الجيش الأمريكي طائرة من طراز "في-22 أوسبري" يمكنها حمل قرابة 30 جنديًا والإقلاع والهبوط من دون الوصول إلى المدرج، لكن ذلك لا يمنع أيضًا تعرض هؤلاء الدبلوماسيين أو المدنيين للخطر أثناء الإجلاء.
ويخشى المسؤولون الغربيون أن تتحول الحرب التي اندلعت بين جنرالين متنافسين في السودان، الأسبوع الماضي، إلى صراع إقليمي واسع النطاق إذا استمرت بلا هوادة.
ونقلت المجلة الأمريكية عن مسؤول بالكونغرس -يتابع الأزمة- بشرط عدم كشف هويته، قوله إن قوات الدعم السريع لا تمتلك القدرة على استمرار القتال لأجل غير مسمى، لأنها غير مجهزة للقتال في المناطق الحضرية وتقع خارج منطقة نفوذها غربي السودان، بينما في المقابل تتمتع قوات البرهان بميزة امتلاكها القوات الجوية.
لكن -حسب المجلة الأمريكية- لا يزال بإمكان القوى الخارجية أن تلعب دورًا كبيرًا في الحرب، إذ إن الفصائل المتحاربة في السودان تحصل بالفعل على دعم خارجي.
من جهة أخرى، تحضر إدارة بايدن خططًا لفرض عقوبات على أعضاء في الفصيلين المتنافسين بالسودان، حسب أربعة مسؤولين حاليين وسابقين على معرفة بالخطط، في وقت اندلع الصراع على السلطة، إلى حرب واسعة في شوارع العاصمة الخرطوم، خلال الأيام الماضية.
وتستهدف حزمة العقوبات، التي لا تزال تحت الصياغة، من هم في القوات السودانية المسلحة ومنافستها قوات الدعم السريع، الذين أدخلوا الخرطوم في حالة من الفوضى، حيث يحاول زعماء الطرفين السيطرة على البلد.
وترى المجلة الأمريكية أنه لو فُرضت العقوبات ونُفذت، ستكون رسالة تخويف لقادة القوات المسلحة والدعم السريع، الذين جروا بلادهم إلى النزاع، وعرقلوا عملية التحول الديمقراطي، إلا أن مسؤولين أمريكيين تحدثوا عن عدم جدوى هذه العقوبات، لأنها تأخرت في التطبيق.
وأشارت إلى أنه "قد تكون رزمة العقوبات المزمع فرضها ورقة ضغط على البرهان وحميدتي للتوقف عن القتال".
كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قال إن بلاده وشركاءها "ركزوا خلال الساعات الماضية على كيفية وقف القتال الواسع النطاق في السودان، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع".
ولفت وزير الخارجية الأمريكي إلى أنه أجرى اتصالين بقائد القوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي) لـ"حثهما على الموافقة على وقف إطلاق النار 24 ساعة للسماح للسودانيين بلم شملهم مع عائلاتهم والحصول على إمدادات الإغاثة التي هم بأمس الحاجة إليها".
وأضاف: "كما شددت في الاتصالين على المسؤوليات التي تتحملها القوات المقاتلة السودانية، لضمان سلامة وأمن الدبلوماسيين الأمريكيين وغيرهم من المقيمين في السودان، وكذلك لموظفي الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين".
وذكر أنه أوضح، في الاتصالين اللذين أجراهما بالبرهان وحميدتي، أن "أي هجمات أو تهديدات أو مخاطر سيتعرض لها دبلوماسينا غير مقبولة على الإطلاق".
ومنذ مطلع أبريل الجاري، قام مفاوضون من الأمم المتحدة ومن عواصم غربية وخليجية، بجولات مكوكية بين البرهان الذي يقود الجيش، ودقلو قائد قوات الدعم السريع، إلا أنها لم تسفر عن شيء حتى الآن.