ماذا يعني تراجع الصين عن مساعدة روسيا عسكريًا؟
3 أسباب دفعت بكين إلى هذا الموقف... لماذا تراجعت الصين عن المساعدة العسكرية لروسيا؟

ترجمات - السياق
سؤال طرحته صحيفة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، بعد أسابيع من المخاوف، التي صاحبت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وما إذا كانت موافقة ضمنية على تزويد بكين، لموسكو بالأسلحة اللازمة لها، في حرب أوكرانيا.
ورغم أن ذلك السؤال أجاب عنه وزير الخارجية الصيني تشين جانغ قبل أيام، قائلًا في مؤتمر صحفي مع نظيرته الألمانية الزائرة أنالينا بربوك: «في ما يتعلق بتصدير المواد العسكرية، تتبنى الصين موقفًا حصيفًا ومسؤولًا. لن تقدم الصين أسلحة إلى الأطراف المعنية في أوكرانيا، وستدير وتسيطر على صادرات المواد ذات الاستخدام المزدوج وفقًا للقوانين واللوائح»، إلا أن الصحيفة الأمريكية، حاولت الخوض في التفاصيل التي أدت إلى تلك النقطة.
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن الوصول إلى تلك النقطة مثال ناجح لممارسة الولايات المتحدة الدبلوماسية القسرية، لردع الصين عن تقديم المساعدة العسكرية لروسيا، مشيرة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حذرت الصين بشكل مباشر في مناسبات عدة من تقديم مساعدة عسكرية لروسيا.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه بعد دراسة متأنية خلال أكثر من عام، تبحث الصين التكاليف والفوائد، وامتثلت لتهديد واشنطن.
عام من التحذيرات
وقالت «ذا ناشيونال إنترست»، إن التسريب المزعوم الأخير لسجلات المخابرات الأمريكية، التي اعتُرضت من قبل جاك تيكسيرا، وهو عضو في الحرس الوطني الجوي لماساتشوستس، كان كاشفًا بعض الشيء، فوفقًا لملخص استخباراتي أمريكي صدر في 23 فبراير الماضي عن «سلاح الإشارات» الروسي، فإن اللجنة العسكرية المركزية الصينية «وافقت على التزويد الإضافي للأسلحة وأرادت أن تظل سرية. إلا أنه مع ذلك، في وقت ما بين ذلك التاريخ و14 أبريل الجاري، غيرت بكين رأيها».
ولفهم سبب اختيار الصين عدم تسليح روسيا على أفضل وجه، قالت الصحيفة الأمريكية، إنه من الضروري تسليط الضوء على الدور الحاسم للتحذيرات الأمريكية المباشرة إلى الصين، التي حدثت لأكثر من عام.
التحذير الأول كان خلال اجتماع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مارس 2022 مع يانغ جيتشي، مدير لجنة الشؤون الخارجية المركزية للحزب الشيوعي الصيني آنذاك، قائلًا: «نحن نتواصل بشكل مباشر وسري مع بكين، بأنه ستكون هناك عواقب بالتأكيد لجهود التهرب من العقوبات واسعة النطاق أو دعم روسيا».
وكرر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، التحذير لوزير الخارجية الصيني آنذاك وانغ يي، بالأمم المتحدة في سبتمبر 2022.
وذكر بيان لوزارة الخارجية أن بلينكن «كرر إدانة الولايات المتحدة للحرب الروسية ضد أوكرانيا، وسلط الضوء على التداعيات، إذا كانت الصين ستقدم الدعم لغزو موسكو لدولة ذات سيادة».
وبعد بضعة أشهر، في مؤتمر ميونيخ للأمن 2023 (الذي سيعقد بين 17 و19 فبراير)، كرر بلينكن الرسالة، بينما أطلع مسؤول كبير في وزارة الخارجية، مطلع على المحادثة الفعلية، المراسلين على أن بلينكن «كان صريحًا في تحذيره من عواقب تقديم الصين الدعم المادي لروسيا أو مساعدة روسيا في التهرب المنهجي من العقوبات».
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إنه في مجال الردع، يجب أن تكون التهديدات مصحوبة بتأكيدات موثوقة حال عدم الالتزام بالتحذير.
وأكد اجتماع سوليفان في مارس 2022 «أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة بين الولايات المتحدة والصين».
وبالمثل، تشير قراءة اجتماع بلينكن في سبتمبر 2022 إلى أنه أبلغ وانغ بأن «الولايات المتحدة تظل منفتحة على التعاون مع الصين حيث تتقاطع مصالحنا».
وباجتماع عقد في 18 فبراير 2023، قال البيان الأمريكي إن «الولايات المتحدة ستتنافس وستدافع بلا اعتذار عن قيمنا ومصالحنا... لا نريد صراعًا مع جمهورية الصين الشعبية ولا نبحث عن حرب باردة جديدة»، بينما شدد الوزير بلينكن على أهمية الحفاظ على الحوار الدبلوماسي وفتح خطوط الاتصال في جميع الأوقات.
ملاحظات على السلوك الصيني
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن تحذيرات واشنطن المستمرة لبكين نجحت، متسائلة: هل تتمسك الصين بهذه السياسة؟
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه يجب الإشارة إلى ملاحظتين، أولاهما أن نقل التكنولوجيا الصينية إلى ساحة المعركة سيحدث في النهاية، مؤكدة أن المعلومات التي رفعت عنها السرية والتي أصدرتها إدارة بايدن أواخر فبراير 2023 تظهر أن معدات الملاحة والرادار والطائرات من دون طيار والتشويش الإلكترونية ذات الاستخدام المزدوج وصلت إلى الجيش الروسي.
الملاحظة الثانية، أنه لدى الصين سبب لتقديم المساعدة العسكرية، فمن وجهة نظر بكين، فإن الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة، التي قدمت 35.8 مليار دولار مساعدة أمنية (من 4 أبريل 2023) لجهود أوكرانيا الحربية ضد روسيا، يجب أن تحذر الصين ضد مساعدة دولة محاربة في صراع، هو من وجهة نظر بكين «ذروة النفاق».
إلا أنه مع ذلك، بصرف النظر عن تعاطف بكين مع موسكو، فإن بيان تشين جانغ يؤكد النقطة التي مفادها أن لدى الصين أسبابًا أكثر إلحاحًا لممارسة ضبط النفس.
ووفقًا لذلك، طالما أن بقاء نظام بوتين ليس على المحك، فإن بكين لن تزود موسكو بالمساعدة العسكرية اللازمة لتغيير مجرى الحرب.
احتفاظ الصين بالأسلحة
بشكل عام، تُحدد سياسة الصين من خلال منطق سياسي، فعلى هذا النحو، من المرجح أن يستمر ضبط النفس من جانب الصين، إلا أن هناك ثلاثة أسباب محددة لذلك.
الأول، بحسب الصحيفة الأمريكية: أن بكين تتفهم مخاطر تصعيد الحرب في أوكرانيا وخطر تورط الصين، مشيرة إلى أن صانعي السياسة في الصين واقعيون عنيدون، يدركون أهمية موازنة الضرورات المتنافسة لمساعدة روسيا مع تجنُّب التورط في صراع يثير غضب الغرب ويضر بالسعي وراء المصالح الوطنية للصين.
وأشارت «ذا ناشيونال إنترست»، إلى أن الأداء العسكري الذي وصفته بـ«الضعيف» لروسيا في أوكرانيا، أثار تعليقات داخلية شديدة الانتقادات بمجتمع الدراسات الاستراتيجية في الصين، فعلى وجه التحديد، ضم عدد 12 يناير 2023 من صحيفة جيش التحرير الشعبية اليومية، (الدورية العسكرية الرسمية الرائدة في الصين)، انتقادات مباشرة نادرة.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن الاستراتيجيين الصينيين يدركون أن توفير مستوى لا يمكن الدفاع عنه سياسيًا من الدعم العسكري، سيكون ضروريًا لتغيير النتيجة العسكرية في أوكرانيا لصالح موسكو، كما أنهم يدركون أن الدعم العسكري الصيني يخاطر بجر بكين إلى مستنقع أوجده حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة.
وبناءً على ذلك، تميّز بكين بوضوح بين الدعم الدبلوماسي والاقتصادي لموسكو من جهة، وسياسة الدعم العسكري من جهة أخرى.
السبب الثاني لضبط النفس الصيني، فيتمثل في أن تقديم مساعدات عسكرية تحدد النتائج لروسيا، سيؤدي حتمًا إلى فرض عقوبات اقتصادية من بروكسل وواشنطن، ما يعرض آفاق النمو الاقتصادي للصين للخطر.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الشرعية السياسية المحلية للحزب الشيوعي الصيني، لاسيما في حقبة ما بعد جائحة كورونا، تعتمد على قدرته في تحقيق عودة مستدامة للنمو الاقتصادي القوي، الذي يعتمد على استمرار التجارة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين كانا أكبر شريكين تجاريين للصين عام 2021، ويمثلان 13.7% و 12.5% على التوالي.
لكن ما أكثر بكثير من حجم التجارة على المحك، فأهمية التكنولوجيا الأوروبية تتزايد في جودة التنمية الاقتصادية بالصين، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه في أعقاب الانخفاض الحاد في نقل التكنولوجيا الأمريكية بعد انتقال واشنطن عام 2017 من سياسة «المشاركة» إلى ما تسمى «المنافسة الاستراتيجية» مع الصين، فإن الأخيرة تعتمد على أوروبا كمصدر بديل موثوق للتكنولوجيا، ما يشير إلى أن الدعم العسكري لموسكو سيعرض هذا الوصول للخطر.
وتقول وانغ يي -التي ترقت إلى مدير لجنة الشؤون الخارجية المركزية التابعة للحزب الشيوعي الصيني في يناير 2023: «نحن بحاجة إلى التفكير بهدوء، خاصةً أصدقاءنا في أوروبا، بشأن الجهود التي يجب بذلها لوقف الحرب، ما الإطار الذي يجب أن يكون هناك لتحقيق سلام دائم في أوروبا؟ ما الدور الذي يجب أن تلعبه أوروبا لإظهار استقلاليتها الاستراتيجية».
السبب الثالث، أن الصين تعتزم إبراز صورة أكثر إيجابية عن نفسها في السياسة العالمية، خاصة بعد جائحة كورونا، ففي فبراير من العام الجاري، أصدرت وزارة الخارجية الصينية وثيقتين مهمتين، الأولى كانت نقدًا منهجيًا للهيمنة الأمريكية، وسلطت فيها الضوء على إساءة استخدام واشنطن المزعومة لقوتها لتعظيم مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية.
أما الوثيقة الثانية فكانت أكثر إيجابية، حيث حددت مبادرة بكين للأمن العالمي (GSI) - بديلًا صينيًا للنموذج الأمريكي للسياسة العالمية، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن أي قرار صيني بتقديم دعم عسكري لروسيا، من شأنه أن ينسف مبادرة الأمن العام، من خلال جعل عديد من الدول تنظر إلى بكين كميسر للسلوك المهيمن، الذي تنتقده الولايات المتحدة.
نجاح لواشنطن
في ما يتعلق بمسألة تقديم الصين للمساعدات العسكرية لروسيا، نجحت سياسة الردع الأمريكية، بحسب «ذا ناشيونال إنترست»، التي قالت إن بكين ستواصل دعمها الدبلوماسي والاقتصادي لروسيا، لكنها تمارس ضبط النفس على الدعم العسكري.
تعكس أسباب استمرار هذه السياسة مجموعة من العوامل: مخاطر الالتزام العسكري الصيني تجاه روسيا، القلق من أن تؤدي المساعدة العسكرية لروسيا إلى عقوبات اقتصادية من بروكسل وواشنطن، وضرورة تحسين صورة الصين الدولية.
وختمت الصحيفة الأمريكية تقريرها، قائلة إنه «من دون سيناريو سقوط بوتين غير المحتمل، فإن بكين لن تزود موسكو بالقدرات العسكرية التي تطلبها».