السودان.. كيف مهدت السياسات الأمريكية الطريق للحرب؟
بمجرد انتهاء الأزمة، يجب أن يكون هناك حساب بأن السياسة الأمريكية والغربية لم تفشل فقط في تحقيق الديمقراطية، لكنها أسهمت في انهيار السودان، بحسب فورين بوليسي.

في السودان... السياسات الأمريكية مهدت الطريق للحرب
ترجمات -السياق
قالت صحيفة فورين بوليسي الأمريكية، إن السودان على وشك الانهيار على غرار اليمن، مشيرة إلى أن انزلاق السودان في حرب أهلية واسعة النطاق، أكثر احتمالًا بمرور الوقت.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، في تقرير ترجمته «السياق»، أن القوات المسلحة السودانية شنت حملة قصف مكثفة في الخرطوم، وقد تكون لها اليد العليا قريباً في العاصمة بفضل قوتها الجوية المتفوقة، مشيرة إلى أن القوة الجوية كانت عنصرًا حاسمًا في حروب السودان، خاصة منذ عام 2003، عندما قاتلت القوات المسلحة السودانية والجنجويد، التي سبقت قوات الدعم السريع، في الجانب نفسه، أثناء الحرب في دارفور.
وبحسب «فورين بوليسي»، فإن القوات الجوية السودانية كانت سبب تركيز عمليات قوات الدعم السريع، بالساعات الأولى من الصراع، في السيطرة على مطارات البلاد، أملًا بإيقاف العمليات الجوية للقوات المسلحة السودانية، إلا أن الخطة عملت بشكل جزئي فقط.
ورغم ذلك، فإن إخراج قوات الدعم السريع من المباني السكنية في الخرطوم، التي حولتها إلى منشآت عسكرية، قد يستغرق أسابيع، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه في الوقت نفسه، سيكون من الصعب هزيمة قوات الدعم السريع بموطنها القبلي في دارفور، لاسيما مع قدرتها على حشد جنود من تشاد المجاورة.
وبينما قالت إنه قد ينجم عن الحرب الأهلية صراع يجر المنطقة وبعض القوى العالمية إليه، أشارت إلى أن القوى الوحيدة التي لديها قدرة محدودة على تشكيل الأحداث في السودان هي الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
وفي محاولة لمنع النظرة القاتمة لتفكك الدولة في السودان، تعمل حكومة الولايات المتحدة مع الدول العربية -وبالتحديد مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة-في هذا الصدد.
غياب النفوذ الأمريكي
قال دبلوماسيون غربيون إنهم يدركون أن العودة إلى الوضع الراهن قبل 15 أبريل الجاري، مستبعدة بشكل متزايد مع استمرار القتال، وغياب النفوذ الأمريكي.
وأدت أشهر من الاحتجاجات أوائل عام 2019 إلى إطاحة الرئيس السابق عمر البشير، إلا أن ثلاثة عقود من السياسة الأمريكية لدعم الديمقراطية ضاعت، بسبب لحظة الاتفاق على هذا الدستور الانتقالي، التي سُمح بموجبها للجيش بإدارة البلاد، في الجزء الأول من الفترة الانتقالية.
وقالت سارة عبدالجليل، المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين، الذي ساعد في تنظيم الاحتجاجات، إلى «فورين بوليسي»: «ما زلنا لم نحقق ما نقاتل من أجله. الهدف الأول لم يتحقق. الهدف الثاني لم يتحقق بحكومة مدنية. إنه مثل وجود تحويل بمنتصف رحلتك».
وفور بدء الفترة الانتقالية، كان من الواضح أن آمال الغرب بالديمقراطية كانت بعيدة المنال، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن العناصر الأساسية للحركة الاحتجاجية في السودان عام 2019، (النقابات العمالية)، فقدت قوتها بسبب الاقتتال الداخلي، وتنازع الأحزاب السياسية المدنية على السلطة.
وأشارت إلى أن وهم أي سلطة مدنية عام 2021 انتهى، عقب إطاحة عبدالله حمدوك رئيس الحكومة السابق، مؤكدة أنه ثبت أن وعد الجيش بتسليم السلطة إلى المدنيين أجوف. وكشفت عملية الانتقال المدعومة من الولايات المتحدة عن نفسها، وأنها معيبة.
الأوهام الأمريكية
تقول «فورين بوليسي»، إنه ربما كان أعظم مثال على أوهام الولايات المتحدة، إصرار واشنطن على وصف المرحلة الانتقالية في السودان بأنها «بقيادة مدنية»، مشيرة إلى أنه لم يكن هناك أي شيء يتعلق بالانتقال في السودان بقيادة مدنيين.
ونص الدستور الانتقالي لعام 2019 على أن يتولى الجيش قيادة أول 21 شهرًا من الفترة الانتقالية، يليها المدنيون خلال الـ18 شهرًا المقبلة.
ورغم أن حمدوك كان رئيس وزراء مدنيًا، فإنه كان في الغالب لا حول له ولا قوة. ومع ذلك، أصرت الحكومة الأمريكية على هذه العبارة، حتى عند تأخير موعد التسليم العسكري للمدنيين بشكل متكرر.
وقال مسؤولون أمريكيون للصحيفة، إنهم يعرفون أن المصطلح أكثر طموحًا من الوصف، لكن الألعاب البهلوانية التي استخدمتها واشنطن، توحي بأن المسؤولين يعتقدون أنه يمكنهم ببساطة تسمية السودان بالديمقراطية وسيصبح كذلك.
وتقول «فورين بوليسي»، إنه ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أو الحكومات الغربية، منع إطاحة حمدوك عام 2021، مشيرة إلى أن الدستور الانتقالي الذي دعمته الولايات المتحدة، كان «صفقة سيئة».
ومع ذلك، فإن السياسات الأمريكية والغربية، التي تبعت ذلك في السودان «أسهمت بشكل مباشر في العنف الذي نراه اليوم. إنها قصة بناء السلام الغربي وحدوده»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وبينما حملت قيادات عسكرية مسؤولية القتال الدائر في السودان، قالت إن الحدث الذي عجل بالحرب الحالية في السودان، كان اتفاق مصالحة وخطة إصلاح قطاع الأمن التي دفعت بها الولايات المتحدة وبعثة الأمم المتحدة في السودان مباشرة بعد إطاحة حمدوك.
وأعادت الولايات المتحدة والأمم المتحدة تنشيط الخطة، ما يعني العودة إلى نسخة من دستور 2019 الفاشل والثقة بالقادة العسكريين للوفاء بوعودهم.
تكرار للتاريخ
كانت الفكرة الأساسية لإصلاح قطاع الأمن، توحيد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جيش واحد، إلا أنه كان من الصعب تقدير حجم كل قوة.
تضم القوات المسلحة السودانية نحو 100 ألف جندي، في حين أن قوات الدعم السريع لديها جيش دائم أصغر من 30 ألفًا إلى 50 ألف مقاتل، لكنها تمتلك قوة احتياطية كبيرة لأنها قادرة على حشد الحلفاء القبليين.
واستمرت المفاوضات أشهرًا عدة، في محاولة لدفع الجانبين إلى الاتفاق على مسار للمضي قدمًا، إلا أنها فشلت في الوصول إلى اتفاق، وأصبحت الخطة مجرد أداة ضغط فقط.
وقال دبلوماسي غربي في الخرطوم، بعد إحدى ورش العمل التفاوضية، بين القوات المسلحة السودانية و"مراسلين بلا حدود": «لقد أصبح هراءً، حيث كان جميع المشاركين هواة. الدبلوماسيون هنا يفكرون في بعد واحد».
كانت النتيجة الحالية للخطة متوقعة، ويرجع ذلك إلى أنها تكرار للتاريخ، تقول «فورين بوليسي» مشيرة إلى أن جهود صنع السلام كانت إعادة إنتاج للاتفاقيات التي أبرمت جنوب السودان عامي 2013 و2016، التي أدت إلى نشوب حروب أهلية.
في كتابه «عندما يقتل السلام السياسة»، كشف شاراث سرينيفاسان كيف أسهم صنع السلام الدولي في السودان وجنوب السودان، في هذه الأنواع من الحروب الأهلية.
وقال دبلوماسيون إنهم يواجهون أدوات محدودة لوقف العنف في السودان، فالولايات المتحدة ودول أخرى تسعى لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، تسمح للمدنيين بالتماس الأمان وجمع الطعام، لكنه لم يحترم، حتى الآن.
وبينما تحدثت عن بذل جهد مكثف لإجلاء الأمريكيين، أكدت «فورين بوليسي» أنه بمجرد انتهاء الأزمة، يجب أن يكون هناك حساب بأن السياسة الأمريكية والغربية لم تفشل فقط في تحقيق الديمقراطية، لكنها أسهمت في انهيار السودان.