السودان في عيد الفطر .. هدنة لم تصمد وتوعد من الطرفين
اليوم السابع السابع على التوالي، تستمر الاشتباكات في السودان، بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني، وإن هدأت وتيرتها أو خفت حدتها

السياق
بينما بدأ عيد الفطر، ما زالت أصوات البنادق وضجيج المدافع صاحبة الكلمة العليا في السودان، رغم المناشدات العربية والأممية، بضرورة وقف القتال، لإفساح المجال لإجلاء الجرحى ودفن القتلى.
فلليوم السابع على التوالي، تستمر الاشتباكات في السودان، بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني، وإن هدأت وتيرتها أو خفت حدتها، إلا أن أيًا من الهدنات السابقة لم تفلح في إخماد فتيل جذوتها.
أبرز التطورات
ورغم تلك المناوشات، فإن بادرة أمل إنسانية تلوح في الأفق، إن صمدت الثقة بين الطرفين المتحاربين، فقيادة قوات الدعم السريع أعلنت –الجمعة- الموافقة على هدنة إنسانية 72 ساعة، تبدأ السادسة صباح اليوم، بناءً على تفاهمات دولية وإقليمية ومحلية.
كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في أعقاب اجتماع افتراضي مع مسؤولين من الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمات إقليمية، دعا طرفي القتال في السودان إلى التزام هدنة 3 أيام على الأقل، بمناسبة عيد الفطر.
وقالت قيادة قوات الدعم السريع، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن الهدنة تتزامن مع عيد الفطر، لفتح ممرات إنسانية لإجلاء المواطنين، وإتاحة الفرصة لهم لمعايدة ذويهم.
وتقدمت قوات الدعم السريع، بالعزاء إلى السودانيين في الأرواح «التي فُقدت بسبب هذه الأوضاع التي لم نخترها، لأننا أجبرنا على اختيارها دفاعًا عن والنفس والتصدي لانقلاب قيادة القوات المسلحة الذين يحركهم المتطرفون الإرهابيون، لإعاقة العملية السياسية وقطع الطريق أمام العودة إلى المسار الديمقراطي».
ووجهت قيادة الدعم السريع رسالة إلى القوات المسلحة، قائلة: «لقد حان وقت الانحياز لخيار الشعب الذي يتطلع إلى التحول الديمقراطي، ولقد تابعنا مغادرة مئات منكم ساحة القتال والعودة آمنين إلى منازلهم، نشيد بهذه الخطوة ونرحب بالآخرين الذين مازالوا يحملون السلاح».
كما وجهت رسالة إلى الشعب السوداني، قائلة: إن قوات الدعم السريع من رحم هذا الشعب، تقف إلى جانبه وتدعم خياراته وتسعى لتحقيق تطلعاته المشروعة في الحرية والعدالة والديمقراطية وسيادة حكم القانون، مؤكدة التزامها خلال فترة الهدنة المعلنة بوقف إطلاق النار، ونحذر من تجاوزات الطرف الآخر المستمرة في عدم الالتزام بما يعلنه من هدنة.
وبينما لم يصدر عن الجيش السوداني أي تأكيد لقبول الهدنة، قال رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، إن «الخراب والدمار وأصوات الرصاص ما تركت مجالًا لفرح يستحقه أهلنا في كل ربوع البلاد، فإننا لجد حزينين لهذا المآل».
ورغم ذلك، فإن قائد الجيش السوداني، قال إن «الأمل الدائم يبقى في أننا مع شعبنا، وسنتجاوز هذه المحنة، ونخرج منها أكثر وحدة وقوة وتماسكًا، ويزداد هتافنا قوة، جيش واحد شعب واحد».
وتابع: تمر على بلادنا هذا العام مناسبة عيد الفطر المبارك وبلادنا أصابها جرح بالغ الخطورة، حيث سقط القتلى والجرحى، وتشردت الأسر ودُمرت المنشآت والمنازل، وإننا على ثقة في تجاوز هذه المحنة بالدربة والحكمة والقوة، بما يحافظ على أمن ووحدة البلاد، ويمكننا من الانتقال الآمن للحكم المدني.
هل تصمد الهدنة؟
بالعودة إلى إعلان الهدن في السودان خلال الأسبوع المنصرم، فإن أية هدنة لم تصمد بين الطرفين المتحاربين، بل إن كلمة لقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، قد ترسم خارطة طريق للمرحلة المقبلة.
ففي تصريحات صحفية له، حذر البرهان من أن «لا خيار إلا الحسم العسكري، إذا لم تعد قوات الدعم السريع إلى مواقعها التي كانت ترابط بها في ديسمبر الماضي».
قائد الجيش السوداني، أكد رفضه أي حديث «مباشر مع دقلو»، مشيرًا إلى أن الطموحات الشخصية للأخير بحكم السودان هي الدافع الأساسي لهذا النزاع.
وقال شهود عيان، إن اشتباكات وقعت في محيط معسكر المظلات التابع للدعم السريع في الخرطوم، بعد الهدنة التي لم تصمد سوى سويعات.
تطورات الأوضاع الميدانية
رغم إعلانها الهدنة، فإن قوات الدعم السريع، قالت، في بيان، إن «أحياء العاصمة الخرطوم استيقظت على وقع قنابل الطائرات والمدافع الثقيلة في هجوم كاسح، استهدف بشكل مباشر الأحياء السكنية»، على حد قولها.
وقالت قوات الدعم السريع: «نحن نشجب بأشد العبارات هذا السلوك من قيادة القوات المسلحة، التي تحركها أيدي الإرهابيين المتطرفين، الذين يعادون الشعب السوداني وليس قوات الدعم السريع، من خلال هذا التصرف الأخرق».
وجددت الدعوة لـ«شرفاء القوات المسلحة الذين يستخدمهم الانقلابيون لأغراض دنيئة بالانحياز لخيارات الشعب، وقطع الطريق أمام مخططات قوى الظلام القذرة، التي تستهدف أبناءكم وأسركم بقنابل الطائرات والمدافع».
وتعهدت قوات الدعم السريع، بالمدافعة عن المواقع التي تسيطر عليها، مشيرة إلى أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام «خرق الجيش للهدنة».
بينما قال الجيش السوداني، إن الموقف العملياتي -حتى الآن- مستقر، مشيرًا إلى أن «حدة هجمات المليشيا المتمردة على محيط القيادة العامة تراجعت».
وأكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، في بيان، أن القوات الجوية السودانية، «وجهت ضربات مركزة على أرتال عسكرية للعدو كانت في طريقها إلى الخرطوم على طريقي التحدي وبارا»، مشيرًا إلى أن «نتيجة الضربة الجوية تدمير القوتين ونحو مئة عربة بكل تجهيزاتها».
الوضع الصحي
خلفت الاشتباكات المستمرة منذ 15 أبريل الجاري، خاصة في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور (غرب)، أكثر من 330 قتيلاً و3200 جريح، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية، في بيان، إن مناطق عدة من الخرطوم تعرضت للقصف والاشتباكات المتبادلة بين قوات الجيش والدعم السريع، ما ألحق دمارًا بالمباني والمنشآت والممتلكات العامة.
وناشدت لجنة أطباء السودان، المواطنين ضرورة أخذ الحيطة والحذر والبقاء في منازلهم وإغلاق الأبواب والنوافذ والاستلقاء على الأرض، كما ناشدت بالتحلي بالمسؤولية والتوقف فوراً عن الاقتتال لحماية أرواح الأبرياء.
وفي الخرطوم، البالغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة، تسرع العائلات بالخروج إلى الطرق والفرار هربًا من الغارات الجوية والرشقات النارية والمعارك في الشوارع.
وقال أحد النازحين الذين فروا من العاصمة، بحثًا عن مكان أكثر أمانًا لـ«فرانس برس»: «رائحة الموت والجثث تخيم على بعض أحياء وسط العاصمة».
وقالت نقابة أطباء السودان المستقلة، إنه خلال خمسة أيام «توقف عن الخدمة 70% من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضررة من القتال، إما لأنها قُصفت وإما لنقص الإمدادات والفرق الطبية، وإما بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى».
واضطرت أغلبية المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص الجوع في الأوقات العادية.
الجنود المصريون
وسط هذه الفوضى العارمة، أعلن المتحدث باسم الجيش المصري، الخميس، أن ثلاث طائرات وصلت الأربعاء من السودان تحمل أغلبية العسكريين المصريين الذين كانوا في مهمة في السودان.
وشدد المتحدث العسكري على «صحة وسلامة المصريين الذين وصلوا الى أرض الوطن، وكذا الموجودة بمكتب الدفاع في السفارة المصرية بالخرطوم».
بينما قالت قيادة قوات الدعم السريع، في بيان، إنه تقديرًا للعلاقات التاريخية والأخوية التي تربط شعبي السودان ومصر ووفاءً بالتزامها المعلن بالمحافظة على رعايا مصر وامتثالًا للقوانين والأعراف الدولية، سلمت قواتها، صباح الخميس، 27 عسكريًا من رعايا مصر إلى الصليب الأحمر الدولي.
يُذكر أن الجنود المصريين الذين جرى تسليمهم كانوا في قاعدة مروي العسكرية، وتحفظت عليهم قوات الدعم السريع من 15 إلى 20 أبريل 2023، مشيرة إلى أنهم «في حالة صحية ممتازة حتى لحظة تسليمهم بكل متعلقاتهم للجنة الدولية للصليب الأحمر».
وتقدمت قوات الدعم السريع بالشكر لحكومة مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، كما شكرت دولة الإمارات والسعودية وجميع الدول الشقيقة والصديقة التي تواصلت مع قيادة الدعم السريع في هذا الشأن.