تحييد داعش في سيناء... ما أسباب نجاح مصر وما مستقبل التنظيم الإرهابي؟
الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الأصولية والإرهابية عمرو فاروق، يقول إن محاولة داعش الفاشلة للتمركز داخل القاهرة أو الصعيد بين منطقة الواحات والمنطقة الواقعة بين جبال أسيوط وسوهاج، في ما عُرفت بخلية عمرو سعد عباس، باءت بالفشل.

السياق
من «حق الشهيد1»، مرورًا بـ«حق الشهيد2»، إلى «العملية الشاملة»، ضربات عدة أدمت تنظيم داعش الإرهابي وفروعه في سيناء، وقوَّضت تحركاته، وقضت على وجوده في البيئة الرخوة التي حاول منها تهديد الدولة المصرية، وجيرانها.
تلك الضربات، التي كانت استباقية، مكنت الجيش المصري من تجفيف منابع التجنيد والاستقطاب، وقضت على عدد كبير من الأوكار والأنفاق ومخازن السلاح في شبه جزيرة سيناء المصرية، وفككت البنية الحركية للجماعات الأصولية في تلك البقعة.
إلا أن النجاح المصري في القضاء على تنظيم داعش، لم يأتِ من فراغ، بل كان خلفه جهود وخبرات استراتيجية، استدعاها الجيش المصري من ذاكرته في التسعينيات، حينما أطل الإرهاب برأسه.
ورغم أن الدولة المصرية تستعد لإعلان انتصارها على التنظيمات الإرهابية في حفل مهيب، فإن مراقبين حذروا من لجوء «داعش» إلى تكتيك «الذئاب المنفردة» لجمع شتاته وإعادة لملمة نفسه.
كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال في تصريحات صحفية خلال الاحتفال بعيد الشرطة المصرية، إن بلاده نجحت بنسبة كبيرة في القضاء على الإرهاب، مشيرًا إلى أنها ستنظم احتفالية كبيرة في العريش ورفح والشيخ زويد بشمال سيناء، كدليل على هذا الانتصار.
كيف انتصرت مصر على "داعش"؟
يقول الباحث في شؤون الجماعات الأصولية أحمد سلطان، في تصريحات لـ«السياق»، إن مصر «انتصرت على القوة الضاربة العسكرية لتنظيم داعش»، بعد سنوات طويلة من القتال ضد الجماعات الإرهابية والتنظيمية في شبه الجزيرة وفي عموم البلاد، بتكلفة باهظة مادية ومعنوية، بخسارتها الكثير من رجال الشرطة والجيش.
وأوضح سلطان أن مصر استطاعت تحييد «داعش» في عدد من أنحاء شبه جزيرة سيناء، خاصة الشمال، بينما استسلم بعضهم لقوات الجيش، بعد فرضها حصارًا خانقًا عليهم.
وأشار إلى أن الاستراتيجية، التي فرضتها قوات الجيش والشرطة المصرية في سيناء، منعت دخول أعضاء جدد، ما أثر في الجانب الكمي للتنظيم الذي بات محدودًا، إلى جانب تناثرهم في عدد من المناطق، ما أثر في قدرتهم على شن هجمات داخل سيناء.
ورغم أن التنظيم اعتمد تكتيك زرع العبوات الناسفة في بعض المناطق لمواجهة القوات المصرية، فإنه لم يجدِ نفعًا، بحسب الباحث في شؤون الجماعات الأصولية أحمد سلطان، الذي قال إن داعش في سيناء اعترف بأنه لم يتمكن من تنفيذ أي هجمات نوعية ضد الشرطة أو الجيش خلال السنوات الثلاثة الماضية، ما يجعل توقيت إعلان الانتصار ملائمًا.
الأمر نفسه، أشار إليه الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الأصولية والإرهابية عمرو فاروق، الذي قال إن تفوق الدولة المصرية وقدرتها على التخلص من تنظيم داعش في سيناء لم يأتيا مصادفة.
كانت الأمم المتحدة أشادت بتقرير في مايو الماضي بجهود الأجهزة الأمنية في سيناء، في القضاء على «جماعة التوحيد والجهاد»، الأساس الذي بُني عليه في ما بعد تنظيما القاعدة وداعش، بينما أكد تقرير مؤشر الإرهاب العالمي عام 2020، خروج مصر من قائمة الدول المتضررة من الإرهاب.
ويقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الأصولية والإرهابية، في تصريحات لـ«السياق»، إن مصر شنت عمليات عسكرية عدة، أسهمت في تجفيف منابع التجنيد والاستقطاب، وقضت على عدد كبير من الأوكار ومخازن السلاح.
وأوضح فاروق، أن إعلان الرئيس المصري إقامة احتفالية كبري في العريش والشيخ زويد ورفح، يعني أن هذه المناطق، التي كانت تمثل نقطة ارتكاز التنظيمات الإرهابية، أصبحت خالية من الإرهاب.
ضربات استباقية
وأشار إلى أن اعتماد الدولة المصرية على استراتيجية الضربات الاستباقية وليس رد الفعل، إلى جانب التفوق المعلوماتي والقدرة على رصد تحركات التنظيم ومصادر التمويل وتفكيكها، مكنا البلد الإفريقي من الانتصار على "داعش".
عوامل أضيفت إلى استنباط مصر دروسًا من تاريخها في مكافحة الإرهاب، منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ومعركتها مع الجماعات المسلحة، سواء "التكفير والهجرة" أو "الشوقيون" أو "الجماعة الإسلامية" و"التنظيم والجهاد" وغيرها، ما منحها خبرة وقدرة على التفوق على الإرهاب بشكل ملحوظ، بحسب فاروق.
هل يقبل "داعش" الهزيمة؟
قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة محمود علي، إن التنظيم لن يستسلم لفكرة الهزيمة من الجيش المصري أو من الدولة الوطنية، لكن سيحاول التحرك للثأر.
وأوضح الباحث محمود على، أن هناك سيناريوهات عدة، أولها أن التنظيم سيعاود لملمة نفسه في سيناء، واستجلاب الدعم المالي والعسكري من التنظيم الأم في سوريا والعراق، لكي يعيد توجيه بوصلة نشاطه ضد الجيش المصري.
بينما يتمثل السيناريو الآخر، في محاولة «داعش» التواصل مع أفراد التنظيم في إفريقيا وليبيا لتقوية وضعه، أملًا في إحداث حالة من القلق للسلطات المصرية.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة محاولة من التنظيم، لشن ضربات لتوجيه رسائل إلى قواعده بأنه حقق انتصارات، من خلال استهداف كمائن شرطة أو وحدات عسكرية.
بينما قال الباحث في شؤون الجماعات الأصولية أحمد سلطان إن التنظيم حاول إمداد مجموعته في سيناء بمقاتلين أجانب من خارج مصر، وبمقاتلين من بعض المحافظات المصرية.
بدوره، قال الباحث المتخصص في شئون الجماعات الأصولية والإرهابية عمرو فاروق، إن العمليات الأخيرة التي انتقلت إلى شرق قناة السويس مؤشر على انتقالها من المركز إلى الفروع، ومحاولة للباقين من التنظيم للقيام بعمليات خاطفة، تستهدف البروباجندا الإعلامية، لتوصيل رسائل بأن التنظيم مازال موجودًا.
ما مستقبل «داعش»؟
الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الأصولية والإرهابية عمرو فاروق، يقول إن محاولة «داعش» الفاشلة للتمركز داخل القاهرة أو الصعيد بين منطقة الواحات والمنطقة الواقعة بين جبال أسيوط وسوهاج، في ما عُرفت بخلية عمرو سعد عباس، باءت بالفشل.
وأشار إلى أن فكرة أن يستعيد تنظيم داعش تحديدًا وغيره من الجماعات المسلحة لوجوده في مصر أصبحت صعبة جدا، مستندًا في رؤيته إلى التطور الذي وصفه بـ«غير العادي» للأجهزة الأمنية للدول، من خلال التكنولوجيا الحديثة في الرصد والمتابعة وتوظيف الاقمار الاصطناعية.
إلا أنه حذر من أن مستقبل تنظيم داعش والسلفية الجهادية يرتبط بالمد الفكري، لافتًا إلى جهود الدولة المصرية لمحاصرة الفكر، من خلال دور المؤسسات الدينية والثقافة وبعض الحملات التوعوية.
وأكد أن تنظيم داعش قادر على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر فكره ومحاولة إعادة بناء قاعدة جديدة تدعم وجوده، خاصة أن التنظيم في حالة حصار بالمنطقة العربية وحتى بمركزه في سوريا والعراق.
وأشار إلى أن الإشكالية الكبرى تتعلق بفرص عودة التنظيم في إفريقيا وآسيا، حيث توجد مساحات تمدد كبيرة للجماعات الأصولية، ما يمثل ظهيرًا داعمًا لعودة التنظيم.
هل يمكن استئصال أفكار «داعش»؟
وعن مواجهة أفكار داعش، قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة محمود علي، في تصريحات لـ«السياق»، إن الأفكار الدينية المتطرفة لا تهزم ولا تندثر إلا بمسارات لأفكار جديدة تواجهها، تكون قادرة على سحب الجمهور وتحويل قناعته بهذه الأفكار إلى أخرى سلمية، وهو ما يجب أن تتبناه الدولة.
وأكد أن هزيمة التنظيم تترك مساحة من انتشاره عبر الأفكار، متوقعًا أن يلجأ إلى تكتيك «الذئاب المنفردة» إلى حين جمع شتاته وإعادة لملمة نفسه.
وأشار إلى الدولة العراقية، التي رغم هزيمة «داعش» فيها فإنه استطاع بعدها لملمة نفسه في بؤر صغيرة، للعودة إلى الثأر من الهزيمة التي لحقت به.
إلا أنه قال إن هزيمة تنظيم داعش بسيناء ستؤثر في البنية الأساسية العسكرية وبنيته الهرمية، لذلك لابد من مكافحة الأفكار «الإرهابية» للتنظيم.