اتفاقية الغاز بين تركيا وليبيا... هل تؤدي إلى حرب غاز في المتوسط؟

رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، قال، خلال توقيعه الاتفاقية مع رئيس شركة إيني الإيطالية كلاوديو ديزكالزي، إنها تتضمن تطوير استكشاف ومشاركة الإنتاج بقطاع النفط والغاز في ليبيا.

اتفاقية الغاز بين تركيا وليبيا... هل تؤدي إلى حرب غاز في المتوسط؟

السياق

في بحر الأزمة، لم تجد ليبيا شاطئًا يحميها من الأمواج المتلاطمة، وفي غياب الحلول، بات الانقسام السياسي آفة البلد الإفريقي، التي لم يستطع تجاوزها.

ذلك الانقسام بلغ ذروته، مع وصول رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى العاصمة طرابلس، حيث حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية، التي استقبلتها بـ«حرارة»، بينما كانت حكومة فتحي باشاغا التي منحها البرلمان الثقة في مارس من العام الماضي، تقف موقف المتفرج، بعد أن فشلت في منع هذه الزيارة، بدعوى أن الحكومة المنافسه غير شرعية.

إلا أن الزيارة، التي شهدت توقيع اتفاقيات وُصفت بـ«التاريخية» في مجالات الطاقة ومكافحة الهجرة غير القانونية بين ليبيا وإيطاليا، صبت الزيت على النار، لأسباب عدة، أولها أن حكومة عبدالحميد الدبيبة غير مخولة بتوقيع أي اتفاقات لأنها منتهية الولاية، ولأن الاتفاق الذي أتى بها قصر مهمتها على تسيير مهام ليبيا حتى إجراء الانتخابات.

ثاني الأسباب، التي جعلت الاتفاقيات الليبية الإيطالية تثير الغضب في ليبيا، طبيعة ذلك الاتفاق، الذي قال مراقبون إنه كان لصالح البلد الأوروبي على حساب ليبيا، ولآثاره المستقبلية، من حيث تأجيج الأوضاع شرقي المتوسط، التي تشهد أزمات عدة.

فماذا تضمن الاتفاق؟

رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، قال، خلال توقيعه الاتفاقية مع رئيس شركة إيني الإيطالية كلاوديو ديزكالزي، إنها تتضمن تطوير استكشاف ومشاركة الإنتاج بقطاع النفط والغاز في ليبيا.

وأكد بن قدارة أن الاتفاق سيحقق «استثمارات كبيرة للدولة الليبية تتراوح بين 7 و9 مليارات دولار، وهو مبلغ لم يستثمر مثله لأكثر من ربع قرن في قطاع النفط والغاز الليبي، إضافة إلى عوائد صافية تتجاوز 13 مليار دولار»، على حد قوله، مشيرًا إلى أن الاتفاقية ستشجع باقي الشركاء على العودة لممارسة نشاطهم الاستكشافي والتطويري بليبيا، في أقرب وقت.

وأشار إلى أن مؤسسة النفط الليبية تعمل على مشاريع أخرى، منها مشروع الحقول البحرية النفطية «البوري2» مع «إيني» التي ستُنتج 60 ألف برميل يوميًا، ومشاريع نفطية في البر مع «بي بي» البريطانية و«إيني» في منطقتي «إي» و«بي» ومنطقة «سي» المغمورة بالمياه، مشيرًا إلى أن تلك المشروعات ستدخل ضمن برنامج الاستكشاف قريبًا.

وأكد أن الاتفاق يشمل استثمار 8 مليارات دولار خلال 3 سنوات، خاصة في التركيبين البحريين «أ» و«هـ»، مشيرًا إلى أنه يشمل تطوير حقول غاز تقترب احتياطاتها من 6 تريليونات قدم مكعبة من الغاز، وقدرة إنتاجية ما بين 750 و800 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا.

إلا أن الاتفاق، الذي تنظر إليه القوى الدولية بعين المترقب، أثار غضبًا محليًا وانقسامًا في ردود الفعل، خاصة أنه بعد أيام من إبطال محكمة طرابلس، الاتفاق بين ليبيا وإيطاليا للأسباب عينها، التي أغضبت الليبيين من اتفاق إيطاليا.

إلى ذلك، قال عضو مجلس النواب، الصادق الكحيلي، في تصريحات صحفية، إن توقيع اتفاقية إيني «زيادة انبطاح تحت سيطرة الأجنبي وتنازل أكبر عن حصة ليبيا».

وأشار البرلماني الليبي إلى صفقة مقايضة، بتأييد روما لاستمرار حكومة الدبيبة مقابل منحها امتيازات أكثر، متوقعاً أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من التنازلات والمفاجآت.

بينما قال عضو مجلس النواب، عبدالمنعم العرفي، إن البرلمان يعارض كل ما هو غير قانوني في هذه الاتفاقية، سواء في التنقيب أم الاستكشاف، مشيرًا إلى أن الاتفاقية جاءت في الفترة الحرجة التي ارتفع فيها سعر برميل النفط عالميًا.

وأكد أن الاتفاقية «غير قانونية وليست في مصلحة ليبيا»، مشيرًا إلى أن لجنة الطاقة بمجلس النواب والحكومة الليبية سيكون لها رد على هذه الاتفاقية.

تحرك قضائي

الأمر نفسه أشار إليه مستشار المنظمة الليبية لدراسات الأمن القومي، المستشار رمزي الرميح الشريف الإدريسي، الذي أشار عبر «تويتر»، إلى أن محاميي ليبيا سيتحركون لإيقاف هذه الاتفاقية، كما فعلوا في اتفاقية تركيا.

وأكد الرميح التوجه إلى القضاء المستعجل، خاصة بعد تصريحات وزير النفط الرافضة لهذه الاتفاقية.

في المقابل، يرى الإخواني عبدالرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، أن توقيع المؤسسة الوطنية للنفط مع الشركة الإيطالية اتفاقية استكشاف وتطوير بـ 8 مليارات يورو «هو الأهم منذ عقود في قطاع النفط الحيوي لمستقبل ليبيا».

وأضاف السويحلي، عبر «تويتر»، أن الاتفاق يجب أن تتبعه خطوات أخرى، حتى نستطيع تلبية متطلبات التنمية واستدامة القدرة على مواجهة تحديات المعيشة للعشرية المقبلة.

حرب غاز

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن الاتفاق الجديد نسف اتفاق عام 2010 الذي توصل إليه البلدان، بعد مفاوضات شاقة، من أربع لجان متخصصة، وكان لصالح ليبيا.

كانت شركة إيني قد قبلت بالاتفاق، في انتظار تصديق الحكومة الإيطالية عليه، بحسب المحلل الليبي، الذي عبر عن اندهاشه من أن رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط فرحات بن قدارة أعاد التفاوض على الاتفاق، «بما يفرط في مصالح ليبيا بضوء أخضر من عبدالحميد الدبيبة، في سبيل الحصول على دعم إيطاليا له للبقاء في السلطة»، على حد قوله. 

وأشار إلى أن هذا الاتفاق سيزيد الاحتقان في ليبيا، لأن حصة إيطاليا من الغاز الليبي زادت 7%، في حين أن محطات توليد الكهرباء الليبية تواجه عجزًا متزايدًا في إنتاج الطاقة. 

وأكد المحلل الليبي، أن الاتفاق المزعوم سيدخل ليبيا في محاور الصراع الدولية والإقليمية، بينما تعيش حالة انقسام لا تستطيع حماية مصالحها، واصفًا توقيع الاتفاق بـ«الخيانة العظمى»، محذرًا من أن هذا الاتفاق سيدخل ليبيا في قلب صراع الدول الإقليمية والدولية لإخضاعها لسيطرتها، ما يطيل عمر الأزمة الليبية ويفقد ليبيا سيادتها ووحدتها.

المحلل الليبي أشار إلى أنه بذلك الاتفاق، تستطيع إيطاليا التملص من الاتفاقيات التي عقدتها مع ليبيا، للتعويضات عن الحقبة الاستعمارية، وعلى وجه الخصوص تعهد إيطاليا ببناء الطريق السريع، الرابط بين غرب ليبيا وشمالها بطول 2000كم.

وعن سر التوقيت، قال المحلل الليبي، إنه مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية واستمرار أزمة الغاز، فإن إيطاليا تريد تأمين احتياجاتها من الغاز بأقل تكلفة، مع التوقعات بارتفاع أسعاره.

بدوره، قال المحلل السياسي الليبي حسين مفتاح، في تصريحات لـ«السياق»، إن الاتفاق يبدو في أوله تقليدي، إلا أنه من حيث المكان والظروف المحيطة، أثار التساؤلات، خاصة أنه أوقف عام 2008، بهذه التفاصيل.

وأوضح المحلل الليبي، أن الدولة الليبية رأت حينها أن إيطاليا تحاول أن تستفيد من هذه الامتيازات، بما يتجاوز المتعارف عليه في التعاقدات، وهو ما أشار إليه وزير النفط الليبي محمد عون، الذي أعلن رفضه هذه الاتفاقية، لما تمثله من إخلال بأسس التعاقدات بمجال النفط والغاز في ليبيا.

معركة الغاز

وأشار إلى أن حكومة الدبيبة غير مخولة بتوقيع هذه الاتفاقية أو تعديل اتفاق سابق، أو ترتيب أي التزام على الدولة الليبية، مؤكدًا أنه بالنظر إلى ما يدور من صراع شرقي المتوسط، فإن دولًا عدة ستعارض هذه الاتفاقية.

وبينما قال إن أي دولة لم تعلن -حتى الآن- تأييدها لهذا الاتفاق لاسيما تركيا، لكن معركة الغاز في حوض المتوسط ستستمر، مؤكدًا أن هذه الاتفاقية نقطة تحول جديدة، ليس فقط مع تركيا، بل مع فرنسا التي تعد الغريم التقليدي لإيطاليا في غاز المتوسط.

وأكد المحلل الليبي، أن فرنسا في انتظار خطوة حكومة الدبيبة وما إذا كانت ستوقع اتفاقيات شبيهة، مشيرًا إلى أنه إن لم يحدث ذلك، ستعارض هذه الاتفاقية.

وأكد أن حكومة الدبيبة لم تقدم على هذه الخطوة من باب المصلحة الوطنية، بل من الدعاية السياسية وكسب دعم أجنبي من الحكومة الإيطالية، لا سيما بوجود ميلوني على رأسها.