خارطة طريق لفصل جديد... لماذا أدخلت الهند مصر في حضنها الاستراتيجي؟
قال دبلوماسي هندي سابق، إن القاهرة حريصة على شراء الطائرات الهندية طراز تيجاس، إضافة إلى الطائرات الهليكوبتر الخفيفة هندية الصنع طراز Dhruv.

ترجمات - السياق
في خطوة غير مسبوقة، أدخلت الهند مصر في حضنها الاستراتيجي المحكم ووضعت -على نحو جريء- الدفاع والأمن كركيزة أساسية للعلاقات الثنائية وترقية الروابط بين البلدين إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية"، بحسب موقع إيه بي بي الهندي.
لقد كان القرار تاريخيًا على مستويات عدة، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن البلدين كانت تجمعهما صداقة وطيدة ذات يوم، ويرتبطان ببعضهما على المستوى الأيديولوجي، من خلال التزامهما بالحياد، خلال الحرب الباردة.
وأصبح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أول زعيم مصري يكون الضيف الرئيس في احتفالات الهند بـ"يوم الجمهورية".
ورغم رمزية الخطوة، فإنها تبعث بإشارة قوية إلى العالم مفادها أن الدولتين ترسمان خارطة طريق، من شأنها وضع الهند بثبات في خضم الأحداث بالشرق الأوسط.
السيسي في الهند.. ما أهمية الزيارة للقاهرة ونيودلهي؟
لقد ظهرت مصر كمحور رئيس لمكافحة الإرهاب، حيث تتعامل -بشكل وطيد- مع الولايات المتحدة في هذا المجال، كما أنها عضو في الائتلاف العالمي لمحاربة داعش، الذي تقوده واشنطن والذي تأسس عام 2014.
وتحت قيادة الرئيس السيسي، تسعى مصر إلى صعيد كبير من النفوذ في أرجاء المنطقة، بين شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر كما أجرت تحديثات في قواتها البحرية.
في يناير 2020، فتحت مصر قاعدة عسكرية جديدة "برنيس" على البحر الأحمر، وتخطط أيضًا لعرض قواتها العسكرية في البحر الأحمر.
ووفقًا للمصادر، فإن هذه هي الأسباب التي جعلت الهند تسعى إلى جلب مصر بشكل أكثر قربًا في حربها ضد الإرهاب، لاسيما الإرهاب العابر للحدود وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بوضع مركزي للعلاقات الأمنية والعسكرية.
وقالت "خدمة أبحاث الكونجرس" الأمريكية في ورقة بحثية: "كجزء من استراتيجية الرئيس السيسي لإعادة حيوية القوة المصرية في محيطها المباشر، حافظت مصر على الروابط الأمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، إضافة إلى تقوية العلاقات العسكرية مع الفاعلين الآخرين".
واستطردت الورقة البحثية: في فترة رئاسة السيسي، نوعت مصر علاقاتها العسكرية والتجارية، خارج نطاق الولايات المتحدة، لتشمل علاقات أكثر قربًا مع روسيا والصين وبلدان أوروبية أمثال فرنسا وإيطاليا وألمانيا".
وأثناء لقاء الرئيس السيسي مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الأسبوع الماضي، قرر الطرفان تأسيس مجموعة عمل مشتركة لمكافحة الإرهاب، تستهدف تبادل المعلومات والممارسات الأفضل في هذا المجال.
وقال بيان مشترك أعقب لقاء الزعيمين: "عبر رئيس الوزراء مودي والرئيس السيسي عن قلقهما من انتشار الإرهاب في أرجاء العالم، واتفقا على أن ذلك يشكل التهديد الأمني الأخطر على الإنسانية. وأدان الزعيمان استخدام الإرهاب كأداة سياسة خارجية".
واستطرد البيان:" لقد دعا الزعيمان إلى عدم التسامح مع الإرهاب وجميع من يشجعونه ويدعمونه ويمولونه، أو من يوفرون ملاذات للإرهابيين والجماعات الإرهابية مهما كانت دوافعهم. وشددا على الحاجة إلى تنسيق المجتمع الدولي العمل للقضاء على الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره بما في ذلك الإرهاب العابر للحدود".
ووفقًا لخبراء، فإن قرار نيودلهي بالتحالف الوطيد مع القاهرة، يستهدف أيضًا مجابهة الصين التي تتزايد بصمتها في الشرق الأوسط.
نافديب سوري، الباحث المخضرم في مؤسسة أوبزرفر ريسيرش فاونديشن، قال في تقرير: "الهشاشة الاقتصادية المصرية السائدة تؤدي إلى زيادة النفوذ الذي تتمتع به الصين على دولة محورية. ولذلك من وجهة نظر الهند، فإن الارتباط الاقتصادي بشكل أكثر عمقًا مع مصر يكتسب ضرورة استراتيجية إضافية".
وأردف: "حتى الآن، ثمة إشارات واضحة أن الهند تحت قيادة رئيس الوزراء مودي ومصر تحت قيادة الرئيسي السيسي، ربما تتحركان -نهاية المطاف- نحو إنجاز بعض الإمكانات في العلاقات الثنائية التي لم تتحقق آخر أربعة عقود".
ووفقًا لسوري، الذي كان سفيرًا للهند في مصر، فإن القاهرة حريصة على شراء الطائرات الهندية طراز "تيجاس"، إضافة إلى الطائرات الهليكوبتر الخفيفة هندية الصنع طراز "Dhruv".
وتحرص مصر على جذب استثمارات من الهند، لا سيما في تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي من شأنها منح نيودلهي نفوذا استراتيجيًا في منطقة تربط البحرين المتوسط والأحمر.
وفي ما يتعلق بالمنطقة المذكورة، ضخت الصين فيها استثمارات كبيرة، ووضعت القناة تحت مخطط أكبر يتعلق بمبادرة الحزام والطريق ومشروع طريق الحرير البحري، وفقًا للباحث.
من جانبه، قال محمد سليمان مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني بمعهد واشنطن: "اتجاه القاهرة إلى المحور الهندي يعكس الدور المتزايد للأخيرة غربي آسيا. إن قوى إقليمية مثل مصر تنظر إلى الهند كشريك ستراتيجي. إن قناة السويس تجعل تعريف مصر للشرق الأوسط أكثر اتساعًا بحيث يشمل الهند".
وأردف سليمان: "تعريف مصر للشرق الأوسط يتسع ببطء، لكن بشكل تدريجي، ليشمل الهند إيذانًا بظهور غربي آسيا، وهي منطقة تشمل مصر والهند والبلدان التي بينهما. من هنا تكمن أهمية قمة مودي السيسي".
وتابع أن قرار الزعيمين بنقل علاقات دولتيهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية يقدم "فصلًا جديدًا في العلاقات المصرية الهندية، وكذلك في ما يتعلق بالتحالف الهندي مع الدول العربية المعتدلة، الذي أصفه بأنه نظام هندي إبراهيمي عابر للأقاليم".
وأضاف: "لقد كان الدفاع والأمن وجهين بارزين للقمة المصرية الهندية، حيث إنهما من الدعائم المهمة لأي انحياز استراتيجي بين الحلفاء والشركاء. في هذا العهد الجديد من التنافس الكبير على السلطة، ترغب القاهرة ونيودلهي في وضوح استراتيجي، يتعلق بأهداف العلاقات الثنائية بين البلدين".
وختم: "من وجهة نظري، على مصر والهند الأخذ في الاعتبار إقامة تنسيق صغير رشيق مع فرنسا، لمواجهة التحديات العابرة للحدود، التي تؤثر في المساحة العابرة للمحيطات، من البحر المتوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ".