لماذا لم يتصل زعيم الصين برئيس أوكرانيا؟

تقول نيويورك تايمز، إن الصين كانت أكبر شريك تجاري لأوكرانيا، حيث تستورد الشعير والذرة والأسلحة، إلا أن الحرب تثير سؤالًا : هل ما زالت هناك علاقة؟

لماذا لم يتصل زعيم الصين برئيس أوكرانيا؟

ترجمات - السياق

رغم مرور أشهر على مبادرة السلام الصينية، وأيام على زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى روسيا، وما أعقبتها من تصريحات بمحادثة منتظرة بينه وبين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإنه -حتى اللحظة- لم يُجدول أو يُعلن عن الاتصال الهاتفي المنتظر.

تأخير تلك المكالمة، أثار جدلًا، قطعه خبراء صينيون، مؤكدين أنها لن يكون لها فائدة تذكر، في الوقت الذي لا يبدو أن أوكرانيا أو روسيا تميلان نحو وقف إطلاق النار، إضافة إلى أن مسؤولين أمريكيين حذروا من أن مقترحات وقف إطلاق النار، في الوقت الحالي، ستقوي المكاسب الإقليمية الروسية.

 

موقف أوكرانيا

تقول «نيويورك تايمز»، إن الصين كانت أكبر شريك تجاري لأوكرانيا، حيث تستورد الشعير والذرة والأسلحة، إلا أن الحرب تثير سؤالًا : هل ما زالت هناك علاقة؟

بحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه في المرة الأخيرة التي تحدث فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والزعيم الصيني شي جين بينغ، احتفلا بمرور 30 عامًا على العلاقات الدبلوماسية، وأشادا بـ«عمق الثقة السياسية المتبادلة» و«الصداقة العميقة» لشعبيهما.

كان ذلك في يناير من العام الماضي، أي بعد أقل من شهرين، من غزو روسيا -أحد أقرب شركاء الصين- أوكرانيا. لم يتحدث شي إلى زيلينسكي منذ ذلك الحين، رغم طلبات الأخير المتكررة، والعلاقة «السليمة والمستقرة» التي روجا لها تبدو كأنها ذكرى بعيدة.

 

المكالمة المنتظرة

السؤال عن متى وما إذا كان شي يتحدث مع زيلينسكي -وهو ما حثه القادة الغربيون أيضًا عليه- يعكس حالة العلاقات غير المؤكدة في بلدانهم، وسط الحرب الروسية في أوكرانيا، فقبل الحرب، كان التبادل التجاري والثقافي ينمو، الآن الجانبان يتلاعبان بأهداف تتعارض أحيانًا.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن أوكرانيا تتودد إلى الصين، لقدرتها على كبح جماح الغزو الروسي، لكنها تدرك إحجام بكين الواضح عن ذلك، والمخاوف من أنها قد تسلح روسيا.

وأشارت إلى أن الصين تريد بدورها الحفاظ على حيادها المعلن في الصراع، فيمكن للمحادثات مع زيلينسكي أن تعزز صورتها المرغوبة كقوة عالمية مسؤولة، مؤكدة أن بكين صوّرت الحرب على أنها معركة بالوكالة على النظام العالمي المستقبلي، مع الولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة أخرى.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هناك أيضًا حقيقة مفادها أن أوكرانيا، كدولة تتعرض للهجوم، لا تتمتع بالجاذبية الاقتصادية نفسها بالنسبة للصين كما كانت.

حالة حرب

وقال تشو فنغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نانجينغ: «أوكرانيا لا تزال في حالة حرب، واستثمارات الصين هناك تعرضت للقصف، ولا نعرف كيف ستبدو أوكرانيا، هل ما زالت هناك علاقة بين الصين وأوكرانيا؟».

قبل الغزو، كانت العلاقات العميقة بين البلدين أكثر وضوحًا في التبادلات الاقتصادية بينهما، فبين عامي 2017 و2021، تضاعفت الصادرات من أوكرانيا إلى الصين أربع مرات.

وبحلول عام 2019، كانت الصين أكبر شريك تجاري لأوكرانيا وأكبر مستورد لشعيرها وخام الحديد، وفقًا لتقرير لمجلس العلاقات الخارجية، أشار إلى أن كييف كانت أيضًا أكبر مورد للذرة إلى الصين، وثاني أكبر مورد للأسلحة.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن أول حاملة طائرات صينية، لياونينغ، كانت سفينة سوفيتية مهملة تم شراؤها من أوكرانيا وجددتها البحرية الصينية.

وأعلن رئيس الوزراء الأوكراني آنذاك أن 2019 «عام الصين»، فمنح الشركات الصينية عقودًا لبناء خط مترو أنفاق جديد في كييف، وجعلت اتفاقية التجارة الحرة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي منها نقطة دخول جذابة للسلع الصينية لتتدفق إلى السوق المربحة.

التبادلات الثقافية بينهما نمت أيضًا، فزوجة الرئيس الأوكراني أولينا زيلينسكا، ألقت كلمة ترحيب افتراضية في مهرجان بكين السينمائي الدولي 2021.

ورغم تلك العلاقات الوثيقة، كانت التوترات الجيوسياسية تلوح في الأفق، فبكين امتنعت عن انتقاد روسيا بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014.

 

ضغوط أمريكية

كما واجهت أوكرانيا ضغوطًا من الولايات المتحدة لتنأى بنفسها عن الصين، ما دفعها عام 2021 إلى إلغاء بيع شركة أوكرانية لصناعة الطيران بـ 3.6 مليار دولار لمستثمرين صينيين.

ومع تجمع القوات الروسية على الحدود الأوكرانية العام الماضي، أعلن شي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اجتماعهما في بكين، أن شراكة بلديهما «لا حدود لها».

وبعد بدء الحرب، أصبح تحالف بكين-موسكو أكثر وضوحًا، فـ«الصين تبنت عددًا من نقاط الحديث والمعلومات المضللة للكرملين، واتهمت (الناتو) بالتحريض على الصراع، ورفضت وصف العملية العسكرية بأنها غزو».

في العام التالي، التقى شي أو تحدث مع بوتين مرات عدة. وعلى الإنترنت الخاضع للرقابة الشديدة في الصين، تحتفل مقاطع الفيديو الشهيرة بضربات الطائرات الروسية من دون طيار، كما أن المؤثرين الوطنيين يسخرون من تحول أوكرانيا نحو الغرب.

ورغم ذلك، فإن أوكرانيا حاولت كسب دعم الصين، معترفة بأنها ربما الدولة الوحيدة التي لها تأثير في روسيا، بينما تذرع زيلينسكي مرارًا وتكرارًا باحترام الصين المعلن لوحدة أراضيها.

في حين أن عديدًا من حلفاء أوكرانيا انتقدوا ما يرون أنه موقف الصين المؤيد لروسيا، كان زيلينسكي أكثر حذرا. ووصف ورقة موقف بكين الأخيرة بشأن الحرب، التي رفضتها حكومات غربية عدة، لأنها تفتقر إلى الجوهر، وأنها «إشارة مهمة».

 

إحباط أوكراني

وقال يوري بويتا، الذي يقود قسم آسيا في شبكة أبحاث الجغرافيا السياسية الجديدة ومقرها كييف، إن «الإحباط من الصين نما بأوكرانيا، في الأوساط الحكومية وبين الناس».

ووجد استطلاع للرأي لمجموعة أبحاث أوكرانية في أكتوبر الماضي، أن وجهات النظر غير المواتية للصين تضاعفت منذ عام 2021، لتصل إلى 18%.

وتقول «نيويورك تايمز»، إن زيارة شي إلى موسكو الشهر الماضي، التي أعاد خلالها وبوتين تأكيد شراكتهما، من المحتمل أن تكون قد خففت توقعات كييف.

وقال بويتا: «كانت أوكرانيا -فترة طويلة من الزمن- لديها أوهام ضخمة بشأن الصين، لكنني أعتقد أن وهمها يتضاءل، خاصة بعد هذه الزيارة».

في الوقت نفسه، خففت الصين خطابها، خاصة أنها تسعى إلى تحسين العلاقات مع أوروبا، وقلل المسؤولون الصينيون في الآونة الأخيرة من أهمية إعلان «لا حدود»، في إشارة إلى العلاقات الروسية الصينية.

وقالت جانكا أويرتيل، مديرة برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الصين قد ترى أيضًا فرصة اقتصادية واستراتيجية في إعادة إعمار أوكرانيا.

وأضافت: «قد تكون هذه طريقة جذابة لتكون جزءًا من إعادة ترتيب ما بعد الحرب، تود الحكومة الصينية إبقاء تلك العلاقة الاقتصادية مفتوحة قدر الإمكان».

وتحدث وزير الخارجية الصيني مع نظيره الأوكراني، لكن الحكومة رفضت الإفصاح عما إذا كان كبار القادة سيتحدثون. وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن شي أخبرها الأسبوع الماضي بأنه على استعداد للتحدث إلى زيلينسكي «عندما تكون الظروف والوقت مناسبين».

وقال وانغ يى وى، مدير معهد الشئون الدولية بجامعة رينمين فى بكين: «ليس الأمر أننا لن نتواصل، لكن السؤال: ما الذي سيتحدثون عنه؟»، مضيفًا: "زيلينسكي كان يأمل أن تدين الصين الغزو الروسي وتدعو روسيا لسحب قواتها، هذا ليس واقعيًا».