من يقف وراء تسريب وثائق البنتاغون السرية؟

أكدت مصادر مطلعة أن اتساع نطاق الموضوعات التي احتوت عليها الوثائق، التي تتناول الحرب في أوكرانيا والصين والشرق الأوسط وإفريقيا، تشير إلى تسريبها من أحد الأمريكيين وليس من أحد الحلفاء.

من يقف وراء تسريب وثائق البنتاغون السرية؟

السياق

فضيحة وثائق البنتاغون المسربة، مازالت تؤرق مضاجع الإدارة الأمريكية، ليس فقط للمعلومات الحساسة التي كشفت على الملء، لكن للاختراق الذي أصاب جسد أهم المؤسسات الأمنية والاستخباراتية في العالم.

الوثائق، المصنفة بأنها سرية وسرية للغاية، جرى الاستيلاء عليها وطيها وإخفاؤها بشكل آمن، قبل الخروج بها من وزارة الدفاع الأمريكية، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق مصادر أمريكية مطلعة.

الأوراق التي حملت أختام استخبارات هيئة الأركان المشتركة، أظهرت تجسس الولايات المتحدة، ليس فقط على خصومها التقليدين، بل على حلفائها أيضًا مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية وأوكرانيا.

 

تجسس على الحلفاء

وكشفت الوثائق تفاصيل مخاوف كوريا الجنوبية بشأن تزويد أوكرانيا بالسلاح، وكذلك نية تل أبيب تزويد أوكرانيا بالأسلحة، بعد إعلانها الحياد في هذا النزاع، حفاظًا على العلاقات بموسكو.

التسريبات لم تسكت عنها سيول، بل أعلن المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية، الاثنين، أنه سيطالب الولايات المتحدة باتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن التقارير التي تناولت تجسس واشنطن -المزعوم- على كبار مسؤوليها الأمنيين.

واحتوت الوثائق تفاصيل مناقشات خاصة بين كبار المسؤولين الكوريين الجنوبيين، تبين الضغط الأمريكي على سول، للمساعدة في إمداد أوكرانيا بالأسلحة.

حول أوكرانيا والصين..تسريبات جديدة لوثائق عسكرية أمريكية سرية

من سربها؟

قال مسؤولون أميركيون، إن هناك بعض العلامات والأدلة التي تُركت على الإنترنت، والتي قد تساعد في تحديد المشتبه بهم المحتملين في قضية تسريب الوثائق السرية الأميركية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي في أوائل مارس (آذار).

ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فقد قال جافيد علي، وهو مسؤول أميركي كبير سابق في مكافحة الإرهاب، شغل مناصب استخباراتية في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة استخبارات الدفاع ووزارة الأمن الداخلي، «يبدو أن المواد الاستخباراتية قد تم تصويرها أولاً ثم تحميلها عبر الإنترنت».

وأضاف: «هذا الإجراء غير الاحترافي وغير المتقن قد يساعد المحققين في تحديد نقاط منشأ هذه التسريبات من خلال تتبع عناوين بروتوكول الإنترنت (IP addresses) المستخدمة وطوابع التاريخ - الوقت الموجودة على الصور الملتقطة».

وقال مسؤول كبير سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي إن المئات، إن لم يكن الآلاف، من أفراد الجيش والمسؤولين الحكوميين الأميركيين الآخرين لديهم التصاريح الأمنية اللازمة للوصول إلى الوثائق السرية.

ولفت المسؤول إلى أن المحققين سيسعون أولاً إلى تحديد الأفراد والموظفين الحكوميين الذين كان لديهم التصاريح اللازمة للوصول إلى الوثائق، كما أنهم سيحددون تلك الوثائق التي يمكن لمجموعة أصغر من الموظفين الاطلاع عليها، والتي تم تسريبها، ما قد يساعد في تضييق نطاق التحقيق وتحديد المشتبه بهم في وقت أسرع. وقال المسؤول، «علاوة على ذلك، سيتم تتبع أي بصمة رقمية يمكن أن يكون المسرب قد تركها قد تمكن وكالات إنفاذ القانون من تتبعه على الإنترنت والتوصل إليه بسهولة».

وقد تكون الوثائق الأخيرة المسربة هي الأكثر تأثيراً منذ نشر آلاف الوثائق على موقع «ويكيليكس» في عام 2013. وتحمل الكثير من هذه الوثائق ختمي «سري» و«سري للغاية»، وقد كشفت عن نقاط الضعف في الجيش الأوكراني إلى جانب معلومات عن بعض الحلفاء، منهم إسرائيل وكوريا الجنوبية وتركيا.

وقد يكون تحديد الدافع من تسريب هذه الوثائق أمراً صعباً جزئياً، وقد تكون تداعيات هذا التسريب كبيرة وحتى مدمّرة إذ يمكن أن تعرّض علاقة الولايات المتحدة بعدد من حلفائها للخطر، وأن تمنح أعداءها معلومات قيّمة عنها وتؤثر على قدرتها على جمع المعلومات في المستقبل.

تورط جهات

بدورها، لم تستبعد المصادر تورط جهات أمريكية نافذة في عملية الاختراق هذه، وفي الوقت ذاته لا تزال التحقيقات جارية على أعلى المستويات، في البيت الأبيض والبنتاجون والهيئات الاستخباراتية، لتحديد مصدر تسريب الوثائق.

ولا يستبعد القائمون على إدارة التحقيق، احتمال أن يكون مؤيدون لروسيا وراء التسريب، الذي يُنظر إليه على أنه من أخطر الخروق الأمنية منذ تسريبات ويكيليكس عام 2013، التي شملت ما يزيد على 700 ألف وثيقة ومقطع فيديو وبرقية دبلوماسية.

وأكدت مصادر مطلعة أن اتساع نطاق الموضوعات التي احتوت عليها الوثائق، التي تتناول الحرب في أوكرانيا والصين والشرق الأوسط وإفريقيا، تشير إلى تسريبها من أحد الأمريكيين وليس من أحد الحلفاء، بحسب روتيرز.

وقال مسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع الأمريكية: "التركيز الآن على أن هذا تسريب من الولايات المتحدة، لأن عديد هذه الوثائق كان بحوزة واشنطن فقط".

إلى ذلك أعرب عديد من المسؤولين الأمريكيين عن قلقهم من أن تهدد هذه المعلومات المصادر التي زودت البنتاغون بها، ومسار علاقات الولايات المتحدة الخارجية.

وقال مصدر كبير لوكالة رويترز إن المحققين يبحثون الأسباب التي قد تدفع مسؤولًا أمريكيًا أو مجموعة منهم، لتسريب هذه المعلومات الحساسة.

وأضاف المصدر أن المحققين بحثوا أربعة أو خمسة احتمالات، منها أن يكون من نشر هذه الوثائق أحد الموظفين الساخطين على الوضع، أو أحد المسؤولين في الداخل ممن يسعون للإضرار بمصالح الأمن القومي الأمريكي.

وأكد مسؤول أمني أن هيئة الأركان المشتركة، تدرس قوائم التوزيع الخاصة بها، لمعرفة من يحصل -بطبيعة العمل- على هذه التقارير.

جدير بالذكر أن هيئة الأركان تضم أعلى قيادات في "البنتاغون" وتقدم المشورة لإدارة بايدن، وتغذي البيت الأبيض بالوثائق.

البنتاغون يحقق.. تسريب مخابراتي يكشف خطط أمريكا وأوكرانيا لمهاجمة روسيا

كشف خطط كييف

الوثائق المسربة كشفت بعض الخطط العسكرية الأوكرانية، وخطط بين "الناتو" وكييف والولايات المتحدة، لشن هجوم أوكراني مضاد وضرب روسيا.

وبينت الوثائق مدى اختراق الولايات المتحدة لوزارة الدفاع الروسية ومجموعة فاغنر القتالية.

 وانتشرت الوثائق على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد يوم من قول مسؤولين بارزين في إدارة بايدن، إنهم يحققون في تسرب محتمل لخطط حرب أوكرانية سرية، بما في ذلك تقييم مقلق لقدرات الدفاع الجوي الأوكرانية المتعثرة.

وتتضمن الوثائق، الوتيرة التي تستخدم بها القوات الأوكرانية ذخائر قاذفات الصواريخ من طراز هيمارس، والجدول الزمني لتسليم الأسلحة والتدريبات التي يوفرها الغرب للجيش الأوكراني.

وجاء في هذه التسريبات، أن كييف بصدد تشكيل 12 لواءً جديدًا، بينها 9 تدربها الولايات المتحدة، وتجهزها، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".

في المقابل، يرى مسؤول أوكراني أن الوثائق تتضمن "كمية كبيرة للغاية من المعلومات الزائفة"، وأن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي حملة تضليل روسية، في ما يبدو للتشكيك في الهجوم المضاد، الذي يتطلب الحصول على أسلحة غربية متطورة.

وقال ميخائيلو بودولياك المسؤول بالرئاسة الأوكرانية في بيان: "هذه مجرد أدوات معروفة في ألاعيب العمليات التي تصنعها المخابرات الروسية... ولا شيء أكثر من ذلك.

"سي إن إن" أكدت أنه بكشف الخطط القتالية الأوكرانية من الوثائق المسربة، أسرعت كييف لتغيير استراتيجيتها الحربية، بحسب مصدر مقرب من الرئيس زيلينسكي.

وتظهر الوثائق الخاصة بالجيش الأوكراني، كصور لرسوم بيانية لتسليم الأسلحة المتوقعة، وعدد القوات والكتائب، وخطط حربية أخرى.

 

كابوس العيون الخمسة

وقال جوناثان تيوبنر، الرئيس التنفيذي لشركة فلتر لابس للذكاء الاصطناعي، التي تتعقب الرسائل في روسيا، إنه في حين أن الأصوات الموالية للكرملين تقول إن التسريب كان حملة تضليل أمريكية أو أوكرانية، فإنه يعتقد أنها قد تكون عملية روسية، تهدف إلى زرع عدم الثقة بين واشنطن وكييف.

في السياق قالت المتحدثة باسم "البنتاغون" إن وزارة الدفاع "تدرس الموضوع"، وتوجهت -بشكل رسمي- إلى وزارة القضاء بشأن إجراء التحقيقات.

وقد أعلنت وزارة العدل الأمريكية، أنها بدأت تحقيقًا في واقعة التسريب، وقال متحدث باسم الوزارة: "نحن على تواصل مع وزارة الدفاع في ما يتعلق بهذه المسألة وبدأنا تحقيقًا، لكننا نمتنع عن الإدلاء بمزيد من التعليقات".

ووصف مسؤول استخباراتي كبير التسريب بأنه "كابوس للعيون الخمس"، في إشارة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، وهي ما تسمى دول العيون الخمس، التي تشارك المعلومات الاستخباراتية على نطاق واسع.