واشنطن بوست: تسريبات الوثاق السرية تثير أسئلة عن الأمن الداخلي للبنتاغون
كيف تسنى للمسرب طباعة كثير من المستندات من دون أن يشعر به أحد؟، وأين المراقبة البشرية داخل البنتاغون؟، كل هذا يثير أسئلة جديدة عن الأمن الداخلي لوزارة الدفاع.

ترجمات - السياق
رغم توقيف المشتبه به في تسريب الوثائق السرية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، إلا أن صداها لم يتوقف، وإنما يفتح عديد الأسئلة أبرزها ما يتعلق بأمن "البنتاغون" ذاتها.
كيف حدث مجددًا؟
هكذا تساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن الطريقة التي ظهرت بها الوثائق السرية، مشيرة إلى أن تسرب مئات الوثائق الاستخباراتية السرية عن الحرب في أوكرانيا وتجسس الولايات المتحدة على الحلفاء، يطرح خطرًا أمنيًا جسيمًا، خصوصًا أنها ليست المرة الأولى، مستشهدة بواقعة إدوارد سنودن وويكيليكس، وغيرها من عمليات التسريبات الأخرى.
ويُزعم أن جاك تيكسيرا، البالغ من العمر 21 عامًا، وهو عضو باستخبارات الحرس الوطني الجوي في ماساتشوستس، حصل على مئات المستندات السرية ونقلها إلى منزله، قبل أن يتشاركها مع مجموعة من أصدقائه المهتمين ببحث أنواع البنادق وألعاب الفيديو القتالية.
وفي غرفة للدردشة عبر منصة ديسكورد الشهيرة للتواصل الاجتماعي، كان تيكسيرا يُعرف أيضا بـ "أو جي"، وهو الآن يواجه اتهامات بموجب قانون التجسس.
واتُهم تيكسيرا بالحصول على معلومات حساسة ونقلها بشكل غير قانوني، وهي جرائم يمكن أن تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 15 عامًا.
ومن المقرر أن يُحتجز تيكسيرا في السجن حتى جلسة الاستماع الأسبوع المقبل، لكن نادرًا ما يفرج عنه بكفالة في هذه الحالة.
كيف سقط؟
وكشفت "واشنطن بوست" أن تيكسيرا -استنادًا إلى مقابلات مع أعضاء مجموعة خوادم ديسكورد الخاصة به، وكذلك شهادة خطية من مكتب التحقيقات الفيدرالي- كان قادرًا على نقل مئات الصفحات السرية للغاية لأشهر متتالية، من دون أن يشعر به أحد.
وأشارت إلى أنه من واقع سِجل خدمته العسكرية، فإن عمل تيكسيرا الرسمي هو فني أنظمة نقل إلكترونية، ما سهل عليه النقل المتكرر، من دون خضوع لأي مراقبة.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤول استخباراتي كبير سابق مطلع على التسريبات -تحدث بشرط عدم كشف هويته- قوله: "كيف تسنى له طباعة كثير من هذه المستندات من دون أن يشعر به أحد؟"، مضيفًا: "أين المراقبة البشرية داخل البنتاغون؟"، وهو ما يثير أسئلة جديدة عن الأمن الداخلي لوزارة الدفاع.
وبينّت الصحيفة، أن تيكسيرا لم يكن أول شخص يكشف أسرار الحكومة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، وتثير قضيته أسئلة جديدة عما إذا كانت جهود سد التسريبات كافية، أو إذا كان نظام الاستخبارات الأمريكي، المصمم لتعزيز التعاون وتبادل المعلومات، عرضة لعمليات الكشف من الداخل.
ففي كل مرة يغادر موظف موثوق وظيفته بمعلومات سرية، يُطمئن المسؤولون الأمريكيون الجمهور بأن الدروس المستفادة، ستؤدي إلى وضع حواجز حماية جديدة، من شأنها أن تقلل من أي خرق محتمل، وهو ما ثبت عكسه سريعًا، حسب وصف الصحيفة.
فعام 2010، شارك تشيلسي مانينغ مئات الآلاف من برقيات وزارة الخارجية السرية والتقارير العسكرية مع "ويكيليكس"، ما دفع وزارة الدفاع إلى تشديد قواعد شبكات الكمبيوتر السرية الأكثر استخدامًا.
ويبين عديد من كبار المسؤولين الاستخباريين السابقين أن بين هذه التشديدات، منع وصول أي شخص إلى أي معلومة سرية، إلا بعد خطوات صعبة، وموافقة عديد المسؤولين الكبار.
إلا أنه بعد ثلاث سنوات فقط، حدث تسرب هائل، إذ طبع إدوارد سنودن -المتعاقد مع وكالة الأمن القومي- كميات هائلة من البيانات السرية الموجودة على أقراص ثابتة سرية، من المنشأة التي كان يخدم فيها بهاواي.
وقد سرب سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية عديد الوثائق بالغة السرية، إلى وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، ومنحته روسيا حق اللجوء المؤقت لمدة عام.
كنز هائل من الوثائق السرية، هرب بها إدوارد سنودن من مقر عمله في هاواي، وصل عددها إلى 1.7 مليون وثيقة، كشفت فضائح تجسس لوكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، والمدى الذي وصل إليه تجسس الإدارة الأمريكية على المواطنين والمسؤولين الأجانب، بمن في ذلك قادة الدول الحلفاء للولايات المتحدة.
وهو ما علق عليه مسؤول استخباراتي سابق بالقول: "المفارقة أننا تخلصنا من محركات الأقراص الثابتة في 95 بالمئة من أجهزة كمبيوتر وكالة الأمن القومي قبل عملية سنودن بنحو 5 سنوات".
وأشار إلى وضع قواعد جديدة، في أعقاب اختراق الشبكة السرية الأكثر استخدامًا في وزارة الدفاع، عام 2008، بواسطة فيروس على أقراص، مضيفًا: "رغم مرور خمس سنوات، فإن منشأة هاواي كانت غير قادرة على تطبيق القواعد الجديدة وحماية ملفاتها، ما ساعد سنودن في الحصول على ما يريد بسهولة".
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه بعد حادثة سنودن، اتخذ مجتمع الاستخبارات مزيدًا من الإجراءات الأمنية الجديدة، بما في ذلك إعادة فحص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات السرية وبدء "المراقبة المستمرة" لضمان مراقبة الذين لديهم تصاريح بشكل منتظم.
تفاصيل الكشف
وعن تفاصيل الكشف، نقلت "واشنطن بوست" عن أعضاء بمجموعة ديسكورد، قولهم، إن تيكسيرا بدأ مشاركة المعلومات السرية منذ قرابة ثمانية أشهر.
وأشاروا إلى أنه بعد أن شارك أحد أعضاء مجموعته السرية بعض الوثائق خارج دائرتهم، أوائل مارس من هذا العام، ظلت تنتقل عبر الإنترنت خمسة أسابيع، قبل أن يكتشفها أي مسؤول.
كانت صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في 6 أبريل الجاري، لأول مرة، أن وثائق سرية ظهرت على خوادم "ديسكورد"، وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
ورغم أن عديدًا من تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن أي تسريبات، تبدأ بإلقاء نظرة على المطلعين على الحكومة، الذين تمكنوا من الوصول إلى المعلومات، فإن أوراق المحكمة تشير إلى أنه في هذه الحالة، عمل العملاء من الخارج، وتم تتبع البيانات من الإنترنت لتحديد هوية المشتبه به، الذي ظهر -نهاية المطاف- أنه الطيار تيكسيرا.
وفي 10 أبريل، وفقًا للإفادة الخطية، أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي مقابلة مع من شارك بعض المستندات السرية خارج مجموعة تيكسيرا السرية، وهو انتهاك لما وصفه الأعضاء بأنه اتفاق متبادل للاحتفاظ بالمعلومات لأنفسهم.
وقد وصف ذلك الشخص قائد المجموعة بأنه شارك أولاً نصوصًا مكتوبة لمعلومات سرية ولاحقًا صورًا للوثائق.
ويعتقد عديد من المسؤولين الأمريكيين أن تيكسيرا زعيم مجموعة صغيرة على "ديسكورد"، وهي منصة للتواصل الاجتماعي، لها شعبية كبيرة لدى هواة ألعاب الفيديو، حيث نشر مجموعة من الوثائق السرية عليها.
وتضمنت الوثائق السرية المسربة، مجموعة من المعلومات السرية للغاية، بما في ذلك التنصت على الحلفاء والخصوم الرئيسين وتقييمات الحرب في أوكرانيا.
والأربعاء الماضي، زودت "ديسكورد" السلطات بمعلومات المستخدم الخاصة بالحساب الذي شارك المعلومات السرية.
كان اسم هذا المستخدم، وفقًا لأوراق المحكمة، تيكسيرا، وعنوانه في نورث دايتون، ماساتشوستس.
وفي اليوم نفسه، نشرت صحيفة واشنطن بوست وصفًا مفصلاً لأحد أعضاء المجموعة، يوضح كيف أن تيكسيرا شارك مرارًا وتكرارًا مواضيع حساسة "وثائق استخباراتية" من منطلق رغبته في التباهي بمدى معرفته بعالم أسرار الحكومة.
واُعتقل عملاء تيكسيرا في اليوم التالي "الخميس".
ووصفت الصحيفة الأمريكية، تيكسيرا بأنه متحمس للأسلحة النارية، ونشرت مقطع فيديو له يصرخ فيه بألقاب عنصرية ومعادية للسامية، قبل أن يطلق طلقات من بندقية.
وتُظهر وثيقة الاتهام أنه في 6 أبريل الجاري -مع بدء انتشار أخبار التسريبات- استخدم تيكسيرا الكمبيوتر الحكومي الخاص به، للبحث عن أي تقارير استخباراتية بكلمة "تسرب".
وحسب أوراق المحكمة "يبدو أن تيكسيرا كان يبحث عن تقارير سرية في ما يتعلق بتقييم مجتمع الاستخبارات الأمريكية لهوية الفرد الذي نقل معلومات سرية للدفاع الوطني".
كيف وصل؟
وعن الطريقة التي وصل بها تيكسيرا إلى الملفات، نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي مطلع على التسريبات، قوله: "إذا كان تيكسيرا قد وصل إلى الوثائق مباشرة، ربما من أنظمة سرية لوكالة استخبارات، فلا بد أن يكون هناك سجل لذلك، لكن إذا تمكن من الوصول إلى مستندات نزلها شخص آخر ووضعها في مكان ما على شبكة كمبيوتر، مثل داخل محرك أقراص مشترك، فقد يكون من الصعب على المحققين تتبع المسار إليه".
بينما قال أحد أعضاء "ديسكورد" للصحيفة، إنه طلب من تيكسيرا إجراء بحث عن الموضوعات التي تهمه، بما في ذلك التقارير التي قرأها عن طائرة سرية تسمى "تي آر - 3 بلاك مانتا"، التي أشيع أن الولايات المتحدة تطورها، إلا أن تيكسيرا أخبره بأنه بحث في السجلات الحكومية ولم يجد أي ذكر لهذه الطائرة، ما يعني أن تطويرها ليس حقيقيًا.
من جانبه، قال مسؤول مخابرات سابق: إن تيكسيرا -جراء عمله في الدعم الفني- كانت لديه مشروعية الوصول إلى الأنظمة التي تحتوي على معلومات سرية، لكن الحاجة إلى المعرفة شيء واستخدامها شيء آخر، مشيرًا إلى أنه إذا كانت "لديه القدرة على تلقي المعلومات التي يحتاج إلى معرفتها، يجب أن تكون هناك ضوابط لكيفية وصوله إلى تلك المعلومات، وماذا يفعل بها".
والجمعة، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، في بيان على موقع البيت الأبيض الإلكتروني: "بينما لا نزال نحدد صحة هذه الوثائق، وجهت مجتمعنا العسكري والاستخباراتي لاتخاذ خطوات لتأمين مزيد من المعلومات الحساسة والحد من توزيعها، وينسق فريق الأمن القومي لدينا مع شركائنا وحلفائنا".
قبل ذلك بيوم، أصدر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، تعليماته إلى وكيل وزارة الدفاع للاستخبارات والأمن، بمراجعة آلية الوصول إلى بيانات المخابرات الأمريكية لمنع تسريبات جديدة.
وقال أوستن: "بصفتي وزيرًا، لن أتردد في اتخاذ أي تدابير إضافية ضرورية لحماية أسرار بلادنا، وفي هذا الصدد، أوعز إلى وكيل وزارة الدفاع للاستخبارات والأمن بمراجعة وصولنا إلى المعلومات الاستخباراتية وإجراءات المساءلة والرقابة داخل الوزارة، للتأكد من عدم تكرار هذه الحوادث".
بينما شدد غلين غيرستيل، المستشار العام السابق لوكالة الأمن القومي، على ضرورة الاهتمام أكثر بحماية الملفات الحساسة داخل البنتاغون، قائلًا إن ذلك "يؤكد الحاجة إلى إصلاح نظام الوثائق السرية الذي عفا عليه الزمن".
وأكد "البنتاغون" أن الوثائق الاستخباراتية المسربة نشرت بالشكل نفسه المستخدم لتقديم إفادات لكبار القادة، وأن الصور المنشورة تظهر وثائق مماثلة في الشكل لتلك المستخدمة في الإحاطات الداخلية اليومية.
ويعتزم المشرعون الأمريكيون فحص كيفية ارتكاب تيكسيرا لجرائمه المزعومة، وقال النائب مايكل آر تيرنر (جمهوري من أوهايو) رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي: "بينما نسعى لمعرفة مدى المعلومات السرية التي أصدرت وكيفية تخفيف تداعياتها، ستفحص لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب سبب ذلك، وسبب عدم ملاحظته لأسابيع، وكيفية منع التسريبات المستقبلية".
وتسلط قضية تيكسيرا الضوء على ما يشير إليه بعض مسؤولي المخابرات القدامى، في كثير من الأحيان، على أنه "مشكلة كاتب"، حيث تحتاج أي مؤسسة تتعامل مع المعلومات الحساسة دائمًا إلى عدد كبير من الموظفين المبتدئين للمساعدة في إدارتها ومشاركتها.