كرسي حميدتي لم يملأه مالك عقار... كيف خسر البرهان علاقاته الخارجية؟
علاقات محمد حمدان حميدتي مع دول الجوار.. كابوس يرهق عبدالفتاح البرهان

السياق
قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، خلال فترة صعوده العسكري والسياسي في السودان، لم تغفل أنظاره جوار بلاده، فاستطاع نسج علاقات قوية بقادة وحكومات هذه الدول، وهو ما يصفه محللون بالعقدة التي يعانيها عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، المتنازع معه على السلطة.
ومنذ اشتعال فتيل الحرب، التي فاجأت الجميع، وقاربت شهرها الثاني، بدأ حميدتي حصد علاقات الأمس إن لم يكن بالتأييد فبالتحييد.
ملاحقة
إلى ذلك جاب المستشار السياسي لقوات الدعم السريع يوسف عزت، عددًا من دول الجوار الإفريقية، ليلحقه في ذلك مالك عقار المعين حديثًا من البرهان نائبًا لرئيس مجلس السيادة، وهو ما قرأه محللون، بمحاولة البرهان تتبع تحركات حميدتي ورصد أثرها.
وكان آخرها ما أفادت به مصادر دبلوماسية سودانية، بأن مالك عقار زار إثيوبيا –الأربعاء- للقاء رئيس الوزراء آبي أحمد، لمناقشة "آلية الإسراع في إيقاف الحرب الدائرة في السودان ورفع المعاناة عن الشعب السوداني".
المعروف أن لأديس أبابا علاقات قوية بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، غير تلك المتذبذبة والمتوترة مع الجيش السوداني.
وقبل الزيارة، كانت لعقار زيارات مماثلة إلى أوغندا وجنوب السودان وكينيا، عقب توليه منصبه في مجلس السيادة "خلفًا لحميدتي" .
إلى ذلك أكدت مصادر -تحدثت لوسائل إعلام- أن البرهان يهيئ نفسه لوساطة إفريقية مدعومة من إثيوبيا التي فيها مقر الاتحاد الإفريقي.
يشار أيضًا إلى أن أديس أبابا تعد عضوًا بارزًا في الاتحاد الإفريقي، وتسهم في رسم توجهاته وتحديد بوصلته، ومن ثم يسعى الطرفان لكسب تأييدها، لإمكانيتها الضغط على أحد الطرفين المتصارعين.
كل ذلك تؤكدها، تصريحات أطلقها البرهان، قبل شهرين من اندلاع الحرب، أظهر فيها دعمه لأديس أبابا في سد النهضة.
اجتماعات غير مثمرة
قال البرهان -وقتها- إن السودان وإثيوبيا "متوافقتان ومتفقتان على كل قضايا السد".
وهو ما قراه محللون بمحاولات البرهان كسب جزء من دعم أديس أبابا لحميدتي، الذي رفض قتال بعض الميلشيات والمزارعين الإثيوبيين في الفشقة، الحادثة التي زادت تعكير صفو العلاقات بين أديس أبابا والخرطوم.
وقال الجيش السوداني -في بيان- إن نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، قام بجولة إقليمية للدفع بجهود السلام في السودان.
وأوضح البيان، أن عقار اجتمع في كينيا برئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وسفراء مصر، وقطر، وجنوب السودان، وإثيوبيا، والمبعوث السويسري لمنطقة القرن الإفريقي، ومدير مكتب الهيئة الحكومية للتنمية شرقي إفريقيا (إيقاد) بكينيا، إضافة لمدير مكتب برنامج الغذاء العالمي في الإقليم، ونائبة رئيس البعثة الأممية بالسودان.
وأضاف أنه ناقش تطورات الوضع في السودان، وتأثيراته في دول الإقليم، وتناول مقترحات عدة للإسراع في معالجة قضايا العالقين في المعابر، والنازحين، واللاجئين، وكيفية التعجيل بإيصال المساعدات الإنسانية، والعمل على إنجاح الموسم الزراعي في السودان.
وبحسب البيان، التقي عقار الرئيس الكيني وليام روتو، وتناولا سبل وآليات إيقاف الحرب، كما أمن الاجتماع على ضرورة تفعيل قرار "إيقاد" الخاص بتكليف رؤساء دول جنوب السودان، وجيبوتي، وكينيا بالتواصل مع حكومة السودان والدعم السريع، والعمل على إيقاف الحرب.
ترميم العلاقات
يقول محللون إن محاولة الجيش السوداني إظهار جولات عقار الخارجية، تأتي ضمن محاولات البرهان إعداد مبعوث سياسي له، يحاول ترميم علاقات المؤسسة العسكرية بدول الجوار، لإظهار تحركات دبلوماسية سودانية، تدلل على أن لرئيس مجلس السيادة قدرة لتكوين علاقات قوية وفورية في العمق الإفريقي.
لكن تقارير سودانية أشارت إلى أن جولات عقار لا تحقق المرجو منها، لافتقاره الحس السياسي، وعدم قدرته على طرح أهداف واضحة، قد تغري دول الجوار فتمنحه دعمها، كما عدوه مجرد حامل لرسائل البرهان.
من هو مالك عقار؟
كان قائد القطاع العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان، على الحدود الإثيوبية جنوب ولاية النيل الأزرق حتى قيسان، وينتمي إلى "شعب الإنقسنا".
وحسب "بي بي سي" فإن عقار انتخب حاكماً لولاية النيل الأزرق بجمهورية السودان في أبريل 2010، وفي فبراير 2011 أصبح رئيس الحركة الشعبية في القطاع الشمالي، وأصبح القطاع الشمالي للحركة حزبًا سياسيًا مستقلًا عند انفصال الجنوب عن السودان في يوليو 2011، وفي 3 سبتمبر 2011 تصاعدت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات جيش تحرير جنوب السودان الموالية لعقار.
أعلن الجيش بعد ذلك فرض حالة الطوارئ في ولاية النيل الأزرق، وعزل مالك عقار الحاكم المنتخب للولاية من منصبه، وعين حاكمًا عسكريًا عليها، وخاض معارك عدة مع نظام البرهان.
دخل مالك عقار وحركته في تحالف "الجبهة الثورية السودانية"، الذي يضم حركات دارفور وجبهة شرقية، وبدأ تنظيم صفوف قوات الحركة العسكرية والدعوة لإسقاط نظام البشير.
انضم إلى الحكومة الانتقالية التي تكونت بعد إطاحة نظام الرئيس عمر البشير في أبريل 2019، وبموجب اتفاق سلام وُقع مع عديد من الحركات المتمردة في أكتوبر 2020.
هدنة منتهكة ومفاوضات معلقة
ترعى الرياض وواشنطن السعودية مفاوضات بين المتحاربين في مدينة جدة السعودية، وتمكنا من عقد أكثر من هدنة لدواعٍ إنسانية، لكنها انتهكت، بينما علقت مطلع الشهر الجاري، وتسعى الأطراف الدولية لإعادة تفعيلها.
ويهزّ باستمرار دوي الانفجارات وأصوات الاشتباكات جدران المنازل في الخرطوم، مع استمرار المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومخاوف من أن تقع العاصمة السودانية تحت الحصار.
وللأسبوع الثامن على التوالي، تستمر المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، مع تحذير منظمات الإغاثة من "أزمة إنسانية هائلة" في السودان.
وأفاد سكان في العاصمة بوقوع "اشتباكات بكل أنواع الأسلحة" جنوبي الخرطوم، شملت منطقة الكلاكلة وشارع الهواء، متحدثين عن سماع "أصوات انفجارات اهتزت لها جدران المنازل".
وتحدث شهود عن اشتباكات في حيي العمارات والديم وسط العاصمة، وسماع قصف "بالمدفعية الثقيلة من مراكز للجيش" في أم درمان (شمال غرب).
هتافات ضد المتحاربين
في ضاحية بحري (شمال)، أفاد شهود بنزول "عشرات" للاحتجاج على استمرار أعمال العنف من دون أي أفق للحلّ، وهتفوا ضد البرهان ودقلو المعروف بـ"حميدتي" ونعتوا كلّا منهما بـ"القاتل".
ووسط العاصمة، دقّ مدنيون وناشطون ناقوس الخطر بشأن وضع جزيرة توتي الواقعة عند ملتقى النيل الأبيض والأزرق، التي يقدّر عدد المقيمين فيها بأكثر من ثلاثين ألف نسمة.
وأوضح شهود أن قوات منعت سكان الجزيرة من عبور الجسر الوحيد الذي يربطها بالمدينة، وحالت دون استخدامهم قوارب العبور إلي ضاحية بحري.
وقال محمد يوسف الذي يقطن الجزيرة: "هذا حصار كامل. إذا استمر لأيام ستنفد المواد الغذائية من المتاجر".
وأضاف: "أصبح من غير الممكن نقل أي مريض إلى مستشفى خارج الجزيرة" التي يخدمها مركز صحي صغير.
وحذّر "محامو الطوارئ" من "تفاقم الوضع" الإنساني في الجزيرة، مشيرين إلى أن التضييق عليها بدأ منذ أيام.
وأوضحت المجموعة التي تشكلت خلال احتجاجات ديسمبر 2018 ضد الرئيس السابق عمر البشير، أن قوات تمنع "خروج الحالات المرضية والحرجة والوصول للمستشفى"، و"تطلق النار على كل من يقترب من النيل" في محاولة لمغادرة الجزيرة.
وحذّرت -في بيان- من "تفاقم الوضع الإنساني في توتي، حيث نفدت المواد الغذائية والأدوية من الصيدليات والدقيق من المطاحن، ما ينذر بكارثة إنسانية، تتحمل عواقبها قوات الدعم السريع التي تحاصر المنطقة".
وأسفرت المعارك التي اندلعت في 15 أبريل، عن أكثر من 1800 قتيل، وفق مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، إلا أن الأرقام الفعلية للضحايا قد تكون أكبر بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
وعانى المقيمون في العاصمة، الذين يقدّر عددهم بزهاء خمسة ملايين نسمة، كغيرهم من سكان البلاد، تراجعًا حادًا في مستوى الخدمات والمواد الغذائية منذ بدء النزاع، وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف منهم تركوا الخرطوم.
وتسببت الحرب بنزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص، بينهم 425 ألفًا لجأوا الى الدول المجاورة.
وتؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، بحاجة للمساعدة والحماية.
"نقص كبير ومعاناة شديدة"
ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق نار يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان، الذي كان من أكثر الدول فقرًا، حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة.
وشملت المعارك الأخيرة -على وجه الخصوص- الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) الذي يعاني بدوره نزاعًا بدأ عام 2003.
وفي نيالا مركز ولاية جنوب دارفور، أفاد أطباء بنقص الأجهزة والأدوية الأساسية، بما يشمل المسكنات والمعقّمات والمضادات الحيوية.
وقال الطبيب آدم محمد من مستشفى ميداني: "ثمة نقص كبير ومعاناة شديدة".
مخاوف من الفيضانات
من جهته، قال نائب المدير الإقليمي في إفريقيا للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بيير كريمر: "نواجه أزمة إنسانية هائلة تزداد سوءًا مع انهيار الاقتصاد، ونظام الرعاية الصحية".
وحذّر في تصريحات للصحفيين بجنيف، من أن التحديات ستزيد مع "اقتراب موسم الفيضانات، وأزمة الجوع التي تلوح في الأفق وتفشي الأمراض التي قد تصبح حتمية أكثر".